المالية تعلم الشركات مسؤولياتها!

مقالات رأي و تحليلات السبت ٣٠/يوليو/٢٠١٦ ٢٢:٥٥ م
المالية تعلم الشركات مسؤولياتها!

جاء المنشوران الماليان اللذان أصدرتهما وزارة المالية ‏حول الشركات الحكومية حازميْن بعض الشيء في مطالبة هذه الشركات التي تساهم فيها الحكومة بنسب متفاوتة، إذ طالبا هذه الشركات برفع نسب التعمين ووضع خطط لإحلال المواطنين محل الوافدين في الوظائف العليا والوسطى خلال فترة زمنية محددة للعديد من الأسباب التي حدت بالوزارة إلى الخروج عن صمتها في هذا الشأن، لكن يبدو أن السيل بلغ الزبى كما يقال، فلديها بعض الملاحظات التي وردت إليها من جهاز الرقابة المالية للدولة حول الإخفاقات في الشركات التي تمتلكها الحكومة ومرجعيتها وزارة المالية، والدافع إلى ذلك يأتي لعدة أمور منها ملاحظة جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة وجهود ضبط الإنفاق وتوجيهه الوجهة الصحيحة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تستدعي اتخاذ التدابير اللازمة لإدارة موارد الدولة بطرق دقيقة تجنّبنا المزالق المالية وتبعاتها، وهو ما ينبغي تفهّمه بشكله الكلي وإن اختلفت وجهات النظر في الكيفية التي تدار بها أو توقيتها وانعكاساتها، إلا أنه في المقابل ينبغي أن نتفهم ظروف المرحلة والأوضاع المالية وطبيعة العمل ونسب نجاحه من عدمه وما يحيط بمثل هذه الظروف الاستثنائية التي تحتم بلورة توجهات جديدة ليس لتجاوز الأزمة فحسب وإنما لاستدامة الإجراءات المالية الرشيدة في ممتلكات الدولة، وتمكين القدرات الوطنية من تسلّم زمام الأمور في مؤسساتنا خاصة في ظل توافر الكفاءات الوطنية في العديد من القطاعات المهمة.
فبلا شك إن الإدارة المالية من أصعب الجوانب على الفرد والمجتمع سواء في البيت أو الشركة، فما بالك بإدارة أموال الدولة في أوضاع غير مواتية لأنها تحتاج إلى جهود كبيرة وتركيز أشدّ، كما أنها تحتاج إلى إدارة حكيمة للمواءمة بين الإيرادات والإنفاق دون أن يسبب ذلك إرباكا في الساحة الاقتصادية، وهو ما نجحت فيه وزارة المالية في مثل هذه الأوضاع رغم وطأة الأزمة، إلا أن الأمانة تقتضي تسيير الأمور بشكل سلس، بل من المهم أن يشار لمثل هذه الجهود في التوازن بين هذه الجوانب والتوفيق بين الدخل والإنفاق، ولعل المنشورات التي تصدرها الوزارة بين الحين والآخر وبسلاسة غير طبيعية في التعاطي مع الأمور تجعل الجهات الحكومية والشركات نفسها تعمل دون أن يكون عليها رقيب من هذه الجهة أو تلك سواء في مثل هذه الأزمة أو غيرها، هذه الجهات وهؤلاء المسؤولون ينبغي أن يعودوا أنفسهم على المسؤولية في العمل الحكومي أو العام وإدارته إدارة سليمة والمحافظة على الأموال العامة وتوجيهها الوجهة السليمة، بل اعتبرت أن أي توجيه من وزارة المالية لأي جهات أو شركات هو بمثابة ملاحظة في عدم أداء الواجب المفترض من هذه المؤسسات، فعلى سبيل المثال هل تحتاج الشركات الحكومية إلى ملاحظات جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة أو توجيه وزارة المالية في إحلال الكفاءات العمانية محل الوافدة في أقسامها وإداراتها، خاصة وأن 72 بالمائة من الموظفين الوافدين في أحد القطاعات تجاوزوا السن القانونية، مما يستوجب الاستغناء عنهم مهما كانت مستوياتهم المهنية أو الوظيفية.
الجانب الآخر الذي يمكن أن نتحدث عنه ربما، هو تقصير هذه الشركات في أداء مهامها لأنها لم تعمل على تهيئة الشباب العماني للعمل في المناصب الذي تحتفظ فيها بالخبراء في مجالات محددة بها، وإحلالهم وفق برامج تأهيل وتدرّج وظيفي واضح، وهذا تقصير ينبغي متابعته لوضع الجميع أمام المسؤولية، إلا أن هذه الإدارات على ما يبدو لا تعير اهتماما، وإلا كيف تأتي ملاحظات من أجهزة أخرى خارجية لديها اهتمامات أكبر في جوانب عمل من صميم عمل هذه الشركات، ومتجاوزة في ذلك الأطر والتشريعات كقانون العمل العماني الذي يحدد 60 عاما كسن قانونية للوافد في الجهات والشركات الحكومية.
ولعل توجيه وزارة المالية ملاحظات واضحة حول التعمين في الشركات الحكومية له ما يبرره في ضوء التجاوزات في هذا الجانب الذي يتطلب من مجالس الإدارات أن يكونوا أكثر حرصا في ذلك، لتوليهم مسؤولية تمثيل الحكومة في هذه الشركات ونقل اهتماماتها في تنظيم وإدارة هذه الموارد بل وتماشيها مع النظم في الدولة، وهو ما يفرض على وزارة المالية تقييم هذه المجالس ومدى التجديد لها من عدمه بناء على العديد من المعطيات التي تحقق القيمة المضافة في منح العضوية لمجالس الإدارات في الشركات الحكومية لمن يعمل على ترجمة خطط الحكومة ويتماشى معها بإيجابية تحقق الهدف من هذه الشركات.
ناهيك أن وزارة المالية وجّهت ملاحظة دقيقة للشركات الحكومية تمثلت في وضع خطط لتعمين المستويات الوظيفية العليا والمتوسطة في خمس 5 سنوات، بحيث يكون غير العماني مستشارا بعد عشر سنوات على أبعد تقدير، إذا ارتأت مجالس الإدارات ضرورة ذلك، أي أن المالية وجهت أن الوافدين بعد عشر سنوات من الآن لا ينبغي أن يكونوا في وظيفة تنفيذية في أي شركة حكومية، للعديد من المبررات التي نعتقد أن عقدا من الزمن كافٍ لتفريخ قيادات عمانية تنفيذية قادرة على إدارة دفة الشركات الحكومية على ضوء العديد من المستجدات العلمية والعملية التي تفرزها مؤسسات التعليم والخبرات من أجهزة الدولة التي تحتاج إلى أن تتاح لها الفرصة، فمجالس الإدارة عليها أن تهيئ الشباب العماني الذي يتولى زمام الأمور من الآن وفق برامج تأهيل وتدرج واضحة.