إيران تفتتح خزائنها

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢١/يناير/٢٠١٦ ٢٣:٣٠ م
إيران تفتتح خزائنها

روجر كوهين

بعض الناس لا يطيقون سماع أخبار جيدة لأنها تزعج ما استقر في أذهانهم من تصورات، ومن هؤلاء السناتور ماركو روبيو، المرشح الجمهوري للرئاسة، ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي أصابه الوجوم بعد تأكيد تغيير مسار البرنامج النووي الايراني وقيامها بالافراج عن العديد من الأميركيين، بما في ذلك جيسون رازيان صحفي جريدة واشنطن بوست الذي عاد الى وطنه بعد عام ونصف من السجن بدون أسباب، كما سيتم الافراج عن محتجزين أمريكيين آخرين منهم قس أمريكي وأحد أفراد مشاة البحرية السابقين. وكانت ايران تمتلك أكثر من 19 ألف جهاز للطرد المركزي من الجيل الأول تقلص هذا العدد الآن الى 6104، كما أن أجهزة الطرد المركزي المتقدمة الموجودة لديها انخفضت من ألف جهاز الى صفر، فيما تقلص مخزون اليورانيوم المخصب إلى 660 رطل من أكثر من 19 ألف.
وهذا يعني أنه قد تم قطع الطريق على صنع قنبلة نووية ، وأضحت ايران خاضعة لما وصفه الرئيس أوباما بنظام التفتيش الأشمل والأكثر تدخلا عن أي وقت سابق في التفاوض حول مراقبة البرنامج النووي، وأصبحت طهران بحاجة الى عام قبل صنع قنبلة بعد أن كان لا يفصلها عنها سوى شهرين الى ثلاثة أشهر.
كما أن حالة الصدام الأمريكي الايراني التي بدأت منذ ميلاد الجمهورية الإسلامية في عام 1979 قد تم التغلب عليها بجهود واضحة من اثنين هما وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ونظيره الايراني محمد جواد ظريف خريج جامعة دنفر. وتم الافراج عن البحارة الأميركيين الذين ضلوا طريقهم الى المياه الايرانية في غضون 24 ساعة، كما انتهى النزاع المالي القائم منذ عام 1981. واصبحت القوة الإقتصادية العالمية الـ 18 على وشك الانضمام إلى العالم في الوقت الذي يحتاج فيه الاقتصاد العالمي المتداعي الى أي دفعة.
ويرى روبيو أن أوباما بدلا من أن يستخدم العقوبات القاسية قد وضع مكافأة مقابل رأس كل أميركي في الخارج، أما نتنياهو فيدعي أنه لولا إسرائيل التي قادت الطريق بشأن العقوبات، لكان لدى إيران سلاح نووي منذ فترة طويلة، وأن طهران لم تتخل بعد عن طموحها للحصول على أسلحة نووية.
والشئ الواضح هو أن إيران أصبحت أبعد بكثير عن امتلاك سلاح نووي بسبب الدبلوماسية الشجاعة من أوباما وكيري وظريف والرئيس الإيراني حسن روحاني، الذين وقفوا في وجه معارضة عدائية لمنع اتمام الصفقة.
وبالنسبة لإيران فاليوم الذي دخل فيه الاتفاق حيز التنفيذ يعني رفع جميع العقوبات المتعلقة بالاسلحة النووية وإمكانية الوصول إلى نحو 100 بليون دولار من الأصول المجمدة، وأصبحت الدولة الكبيرة مفتوحة للأعمال، كما عادت مرة أخرى الى سوق النفط والنظام المالي العالمي.
ويعتقد نتنياهو وروبيو وأمثالهم ان ايران قد تستخدم عنصر المفاجئة للقيام بما هو أسوأ، وهذا لا يمكن نفيه ، فالعداء الأمريكي الايراني يظل قائما على معظم الجبهات من سوريا إلى إسرائيل، وربما تذكرنا العقوبات الجديدة المحدودة حول تجارب الصواريخ المحظورة بهذه الخلافات.
وتنبؤنا تطورات الأيام الأخيرة أن ايران بعد 37 عاما من الثورة باتت في منتصف الطريق بين المتشددين والإصلاحيين، لا أحد منهم يستطيع أن يملي مسيرة البلاد ، وكل طرف بحاجة إلى الآخر في الوقت الراهن. وربما تلقي الانتخابات البرلمانية الوشيكة بضوء أكبر لتمايز الفريقين. وأيا كان ما سيحدث فمن الصعب القول بأن زيادة الاتصال مع العالم ستكون سيئة لجيل الشباب الأكثر معاصرة وتعليما، فايران دولة غير معادية للولايات المتحدة، ولديها مجتمع متنوع ناجح على استعداد للمساعدة في انتعاش الدولة إذا سمح له بذلك.
وهذا الإنجاز مع إيران هو أعظم ما حققته السياسة الخارجية لأوباما، والذي سيكون له تأثير تحولي على المنطقة الى درجة سيكشف أبعادها العقد القادم. وأعتقد أن الاحتمالات الأكبر أن الولايات المتحدة وايران ستستعيدان العلاقات الدبلوماسية في غضون خمس سنوات.
ويرى خبراء الإقتصاد أن عودة الإندماج الإيراني في المجتمع العالمي تمثل بعدا مهما وأن توقعات مرحلة ما بعد اتفاق إيران واسعة للغاية ، فهي تمثل قوة إقليمية باقتصاد صناعي وبسكانها البالغ 80 مليون نسمة تلقى معظمه تعليما جيدا ناهيك عن احتياطيات النفط والغاز الهائلة، ومن ثم فالبلد المكبوت بحاجة الى الاستثمار الأجنبي الذي قد يناهز الترليون دولار. وأعتقد أن الوقت قد حان أن ننطق كلمة "ايران" بدون "نووية" حتى لو كانت الأخبار الجيدة تقض مضاجع كثيرين.

كاتب متخصص في الشئون الخارجية والدبلوماسية في صحيفة نيويورك تايمز