علي بن راشد المطاعني
تطوير تجربة انتخابات مجالس البلدية في السلطنة لها العديد من الأبعاد الهادفة إلى أن تكون محفزة للترشح من المواطنين تفوق غيرها من التجارب مثل الشورى على سبيل المثال، و ليس العكس في كل الجوانب الإجرائية و الامتيازية والوضعية للأعضاء بعد الترشح في ولاياتهم و في المجتمع بشكل عام، إذا رغبنا لهذه التجربة النجاح و تكون معبرة عن تغير حقيقي في الانتخاب و الترشيح و العضوية في مجالس بلدية فاعلة، و لعل من بين هذه الجوانب شروط الترشح في مجالس البلدية، حيث تشترط في المترشح أن يكون متقاعدا أو مستقيلا من القطاع العام. اي الجهات الحكومية ، في حين أن شروط عضوية مجلس الشورى لا يشترط أن يستقيل المترشح إلا بعد فوزه بعضوية المجلس، وهنا مفارقة كبيرة في شروط الترشح بين مجالس البلدية و الشورى، فكيف يشترط الاستقالة مسبقا للراغبين في الترشح لانتخابات مجالس البلدية، في حين لا يشترط ذلك للراغبين في خوض غمار انتخابات الشورى ، إذ يفترض أن يكون الترشح للمجالس البلدية أكثر مرونة منها للشورى للعديد من الدواعي منها حداثة التجربة في السلطنة مقارنة مع تجربة الشورى التي بدأت منذ عام 1991 م اي قبل 25 سنة، ووضعية عضوا مجلس الشورى اكبر من وضعية أعضاء مجالس البلدية سواء وضعيتة كعضو في المجتمع أو المزايا أو الممارسة العملية للعضويةوغيرها من الامتيازات المادية التي بينها وبين الشورى بونا شاسعا، الأمر الذي يتطلب مراعاة شروط الترشح لمجالس البلدية لكي تكون متساوية على الأقل مع مثيلاتها، بأن يكون العضو مستقيلا إذا فاز في الانتخابات و تأكدت عضويته في المجالس البلدية في محافظات السلطنة.
ان تطوير الانتخابات مجالس البلدية واعطاءها دفعة قوية على ضوء المتغيرات من شأنه أن يرتقي بهذه التجربة إلى ما نتطلع إليه جميعا، و منها تطوير التشريعيات الخاصة بالعضوية لتكون أكثر مرونة خصوصا عدم اشتراط الاستقالة من العمل قبل الترشيحات،لما في ذلك من اجحاف للراغبين في الترشح لعضوية مجالس البلدية في ولايات السلطنة، ويشكل ذلك لبعض الراغبين من موظفي الحكومة مجازفة خاصة في حال استقالتهم من جهات عملهم كشرط للترشح وقد يحالفهم الحظ او لا، فالدواعي للترشح بالنسبة لهم تكون ضعيفة، في حين ليس ذلك شرطا للراغبين في الترشح لعضوية مجلس الشورى، وهو ما يعد متناقضا في شروط الترشح بين المجلسين، -ومن وجهة نظري- ليس هناك ما يدعو إلى تغليظ الشروط على عضوية البلدي.
ان تسهيل الترشح لانتخابات مجالس البلدية أمر تمليه المصلحة العامة المتمثلة في العديد من الجوانب من اهمها بأن المجالس البلدية تجربة في بداياتها وتحتاج للمزيد من الوقت والجهد لكي تتبلور في البلاد وتأخذ دورها في الاسهام في تطوير العمل البلدي وترسيخ التجربة، وتشديد الشروط كشرط الاستقالة من القطاع العام قبل الترشح من شأنه ان يضعف هذه المجالس لقلة الكوادر التي قد تترشح او تقبل بالاستقالة أولا للترشح .
الجانب الاخر الذي لا يقل اهمية هو ان هذه المجالس تحتاج إلى كفاءات وقدرات وخبرات متمرسة في العمل البلدي أو ممارسة في العمل الحكومي بحكم خبراتها في هذه المجالات بما ينفع مجالس البلدية في عملها، وهذا لا يتأتى إلا من خلال إتاحة المجال للعاملين في القطاع الحكومي من خوض غمار الترشح وهم على رأس عمالهم، إلى حين يتأكد فوزهم بعدها يستقليوا من أعمالهم للتفرع للعمل كأعضاء في المجالس أسوة بنظرائهم أعضاء مجلس الشورى، فبدون ذلك تبقى مجالس البلدية بدون خبرات ممكن ان ترفد هذه المجالس بخبراتها .
و يجب ان نعلم بان في عضوية مجالس البلدية يتاح أن يمثل الولاية أكثر من عضوين اذا كان عدد سكان الولاية يقل عن ثلاثين الفا ، واربعة اعضاء اذا كان عدد السكان اكثر من ثلاثين الف نسمة و ستة اعضاء اذا كان عدد السكان اكثر من ستين الف نسمة وبالتالي يحتاج عدد من الاعضاء يترواح في المتوسط اربعة اعضاء لكل ولاية و هو عدد كبير بالمقارنه مع ترشيحات مجلس الشورى ، مما يتطلب تسهيل الشروط للعضوية للترشح لضمان ترشح كفاءات ترفد العمل في هذه المجالس و تنوع الخبرات وليس اضعافها بتشديد شروط العضوية بالاستقالة لموظفي الحكومة على سبيل المثال .
من جانب اخر يجب ان نعلم بان عضوية مجالس البلدية بدورها الاستشاري في الخدمات العامة وفي حدود الولاية او المحافظة على اقصى تقدير، عملا محدودا لن يتصدى له الكثيرين من الموظفين الذين لديهم مستويات ادارية رفيعة او مناصب في الدولة لتسابق في الانتخابات وتركهم لوظائفهم و الهرولة لهذه المجالس التي ما زالت تراوح مكانها، خاصة اذا تمادت الجهات المختصة في عدم تطوير التجربة سواء من حيث اعطاءها دورا افضل او تسهيل العضوية لها او زيادة الامتيازات لعضويتها الى غير ذلك من جوانب تحتاجها هذه التجربة لتكون رافدا للمشاركة الديمقراطية في البلاد، وهو ما يجب ان نعيه بشكل دقيق خاصة في ضوء المستجدات التي تفرض تطوير مثل هذه التجارب الوليدة من حيث انتهى الاخرين، و هو ما يجب ان ندركه على كل المستويات.
بالطبع نحن ندرك بأن هذه التجربة تمر بمرحلة تقييم وسوف تخضع للمزيد من الاختبار بما تحققه من كافة الجوانب، وتدراس اشتراطاتها ومنها شروط العضوية التي تحتاج التعجيل بمساواتها بالشورى على أقل تقدير.
نأمل من المشرعيين عدم ترك مثل هذه الثغرات البسيطة ووضعها كشروط تحد من انطلاقة هذه التجربة الوليدة. واتاحة المجال للعاملين في الواحدات الحكومية بالترشح حالما يفوزوا قد تسقط وظائفهم العامة ويحالوا للتقاعد وفق النظم المطبقة في البلاد ، وفتح مجال اوسع للجميع لكي يتنافس بدون اي قلق من بعض الجزئيات التي يرى فيها البعض مغضه مقارنه بغيرها.