مخدوعة منذ الصغر

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١٨/يوليو/٢٠١٦ ٠٠:٤١ ص

لميس ضيف
في وقت مبكر من حياتي، كنت أولي ثقة مطلقة لكل من أراه متدين الهيئة!
كنت لا أجادلهم في المال ولا أطلب منهم رصيدا. وإن ساورني الشك في شهادة الآخرين بشأن قضية أو موقف، تثبت الرؤيا لدي إن جاءت الشهادة من شخص أصنفه كمتدين. وأذكر أني وقعت ضحية لشركة وهمية استثمرت فيها لمجرد أن قلبي "أرتاح" لصاحبها لما دخلت مكتبه فوجدته يرتل القرآن قبيل صلاة الظهر!
لن أقول بأني كنت ساذجة.. لكني كنت – ولا زلت – أؤمن بأن المتدين "الحقيقي" أُهل للثقة لأنه خاضع لسلطة أكبر من القانون وأشد تماهيا منه مع المشتبهات والصغائر. وهي صورة تراكمت لدي من سنوات العمر الأولى بسبب مواقف – وإن كانت تُعد على أصابع اليد- إلا أنها تجذرت في وجداني. منها أني كنت في صباي أرافق أمي لأرملة كانت تكفي أيتامها مؤنتهم ببيع ما تدره عليها بقرتها الوحيدة. ذات يوم، وبينما كنا نهم بالمغادرة، استوقفتنا لأنها شكت بأن الحليب أقل مما يجب. وعبثا حاولت والدتي أقناعها بأنها لا تمانع إلا أنها سحبت الكيس من يدها لأنها لم تقبل أن تأخذ ثمن بضع قطرات نقصت.. !!
المخيلة الثانوية للمرء شيء عجيب ومعقد . فهي تبني صورا وتجثو على صور. وهي – ككل ما في الإنسان- تبني قاعدتها وأساسها في سنوات العمر الأولى. تلك السنوات التي كنا نصنف الناس فيها لمن "يخاف من الله" ومن "لا يخاف من الله" وبعد كل تلك السنوات، وكل الصفعات، أستطيع القول بأن المشكلة ليست في المتدينين بقدر ما هي في تعريفنا السطحي لهم.
ولست وحدي من وقع ضحية الهالة المتدينة التي يرسمها البعض لأنفسهم. في 2004 عندما عرض مستثمر صكوكا ذات عائد يصل لـ20% من رأس المال تزاحم الناس على أبوابه لما له من سمعة بأنه "لا يفوت صلاةً في المسجد" وجمع 7 ملايين دينار في أشهر معدودة ولم تفضحه إلا محاولته للفرار بالمال من المنافذ الحدودية!
نعم؛ لطالما أسبغ الناس مصداقية وثقة على من يدعون القرب من الله.. لذا تكتسح الأحزاب الدينية الانتخابات في الدول الإسلامية بل وحتى العلمانية.. ومهما حاول المستقلون والتكنوقراط والليبراليون تسويق أيديولوجيتهم وفكرهم، ومهما حاولت تلك الشريحة إقناع نفسها بأن الناس قد تغيرت وتفتحت وصارت أكثر وعيا؛ تأتيها الضربة القاضية من صناديق الاقتراع.
حصاد تلك التجارب المظاهر لا تعني الصلاح في ذاتها إن لم ترتبط بفعل وبمنظومة أخلاقية وإنسانية. وهي تفسد إن خالجتها الكراهية أو الجشع. حان الوقت لنفهم أن التدين ليس بقشرة والمتدين ليس ذلك الذي يختار الحديث بالفصحى والتمظهر بالزهد. فالمتدينين كثر بلا اشهار. فكل أمين صادق شخص متدين، وكل كريم شهم متدين. وكل ما لا يقبل بالخطأ وهدر الإنسانية إنسان صالح. وكل من في قلبه رحمة متدين، وكل من يزرع الله فيه العطاء متدين. سيما إن أقترن ذلك بالثبات في أداء العبادات والحرص عليها.