ليو مينج كانج
منذ أطلق الرئيس الصيني شي جين بينج في عام 2013 مبادرة "حزام واحد، طريق واحد" ــ وهي خطة طموحة لإحياء طريق الحرير القديم على طرق التجارة البرية والبحرية التي تربط بين الشرق والغرب ــ نجحت هذه المبادرة في اجتذاب قدر كبير من الاهتمام، ولسبب وجيه: فالمشروع الذي يضم أكثر من 60 دولة وعدداً غير قليل من المنظمات الدولية، يعني فرصا ــ وتحديات ــ غير مسبوقة.
كان طريق الحرير الأصلي الذي أنشئ قبل أكثر من 2000 سنة يتألف من شبكة معقدة من طرق التجارة التي شجعت التبادل الاقتصادي والسياسي والثقافي بين آسيا وأفريقيا وأوروبا. وسوف يقوم "حزام طريق الحرير الاقتصادي" و"طريق الحرير البحري في القرن الحادي والعشرين" بنفس المهمة، في حين تعمل البنية الأساسية التي تم تشييدها أو ترقيتها حديثاً على تسهيل تدفق التجارة والاستثمار والثقافة والأفكار ــ وبالتالي دعم النمو الاقتصادي المشترك.
والمنطق وراء هذه الاستراتيجية واضح من منظور الصين. فبعد أن أصبحت مصادر نمو الناتج المحلي الإجمالي تحت ضغوط متزايدة، بات لزاماً على الصين أن تواصل التقدم على مسار الانفتاح الاقتصادي. وهذا يعني بناء علاقات المنفعة المتبادلة مع البلدان المجاورة، والتي يمكنها أن تستفيد من خلال تولي بعض أنشطة القيمة المضافة الأدنى التي تزاولها الصين. والواقع أن هذا يَعِد بتعزيز نمو هذه البلدان في حين يعمل على خلق مساحة للاقتصاد الصيني لارتقاء سلسلة القيمة، حيث ترتفع مستويات الإنتاجية والأجور ــ وهي من العوامل المهمة المحددة للاستهلاك.
وقد أرست الصين بالفعل الأساس لهذه العلاقات، فعملت على تعزيز التعاون الاقتصادي والتجارة مع البلدان على طول "الحزام والطريق". كما قادت الصين مبادرات إنشاء مؤسسات متعددة الأطراف ــ وأبرزها البنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية ــ لدعم المشاريع الاستثمارية.
وتعمل المزايا النسبية التي تتمتع بها الصين، بما في ذلك المركز المالي العالمي في هونج كونج والمركز المالي الإقليمي في شنغهاي، على تعزيز دورها القيادي. وبإضافة الارتفاع الأخير في أداء الشركات المبدعة السريعة النمو ــ مثل هواوي، وعلي بابا، وواندا ــ تصبح الصين في وضع مناسب تماماً لتنفيذ رؤية الرئيس شي الطموحة.
بيد أن الرحلة لن تكون سلسة. فمثلها كمثل أي مبادرة عابرة للحدود، تتطلب مبادرة "حزام واحد، طريق واحد" توظيف الدبلوماسية الحكيمة لإدارة العلاقات مع البلدان المختلفة والتخطيط الدقيق للترقية والتحديث بفعالية.
ويواجه كل بلد على طول "الحزام والطريق" مزيجاً فريداً من المخاطر والتحديات. كما تواجه بلدان كثيرة مخاطر تتعلق بالاقتصاد الكلي، وذلك نظراً لتقلب أسعار الصرف، وأعباء الديون الضخمة، والهياكل الاقتصادية غير المتنوعة وغير المستدامة. وعلى مستوى الاقتصاد الجزئي تتضمن المخاطر ضَعف القطاعات المصرفية، على سبيل المثال.
كما يشكل فشل الإدارة، الذي يتراوح من الفساد إلى التنفيذ غير الفعّال للإصلاحات، تحدياً خطيرا، هذا فضلاً عن التوترات الاجتماعية والسياسية (وفي بعض المناطق التهديد المتمثل في الإرهاب). ولا ينبغي لنا أن ننسى الخطر الدائم المتمثل في الكوارث الطبيعية التي تتفاقم بفِعل تغير المناخ.
ثم هناك القوانين والقواعد والقيود التنظيمية المعقدة والمتنوعة التي تشكل بيئة العمل في كل بلد. فبطبيعة الحال، يكاد يكون من المستحيل أن تفهم الشركات الصينية بشكل كامل كل بيئة قبل أن تدخلها. ولكن أي مخالفة من الممكن أن تعرض عمل واستثمارات أي شركة بالكامل للخطر.
قد تكون التحديات معقدة، ولكن صيغة الإبحار عبر هذه التحديات بسيطة. فأولاً وقبل كل شيء، لا مجال لأي فساد، ذلك أن الفساد لن يلحق الضرر بمبادرة "حزام واحد، طريق واحد" فحسب، بل وقد يقوض أيضاً قدرة الصين على مواصلة مبادرات أخرى عابرة للحدود في المستقبل. وثانيا، لا ينبغي ملاحقة أي مشاريع مرتبطة بالبنية الأساسية من دون دراسة متأنية لتكاليفها وفوائدها المالية وتأثيرها على البيئة، مثل تلوث الهواء وتدمير النظم الإيكولوجية. وأخيرا، لابد أن تتسم كل المشاريع بالشفافية وأن تضم ضوابط وتوازنات فعّالة.
ويتطلب تعزيز هذا النهج التزام عمليات توفير التمويل لمشاريع "الحزام والطريق" بقواعد السوق بصرامة. ونظراً لحجم أغلب الاستثمارات، فإن تمويل المشاريع ــ الذي يقوم على التدفقات النقدية المتوقعة وليس الميزانيات العمومية للرعاة ــ سوف يثبت كونه مفيداً للغاية، فضلاً عن فعاليته كآلية لتقاسم المخاطر.
وعلاوة على ذلك، ينبغي للرعاة أن ينظروا إلى ما هو أبعد من بناء المشاريع، إلى إنجاز أهدافها البعيدة الأمد، مثل ضمان الربحية وإدارة تأثيرها الدائم على المجتمعات والبيئة المحلية. ومن الممكن أن تلعب الشركات الاستشارية وشركات المحاماة وتدقيق الحسابات والمنظمات غير الحكومية، وغير ذلك من الكيانات التي تتمتع بخبرة دولية، دوراً بالغ الأهمية في كل هذه الجهود.
وهناك أيضاً خطوات عملية يمكن اتخاذها لتخفيف مخاطر بعينها. على سبيل المثال، للحد من المخاطر المرتبطة بالعمل في بيئة تنظيمية وتشريعية غير مألوفة، ينبغي للشركات أن تعمل على إنشاء روابط مسبقة مع الكيانات المحلية لتوجيه أنشطتها.
ليو مينج كانج هو رئيس سابق للجنة تنظيم المصارف الصينية