كبح سباق التسلح الآسيوي

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٧/يوليو/٢٠١٦ ٠٠:٠٠ ص
كبح  سباق التسلح الآسيوي

ثيتينان بونجسودهيراك

إن الحكم ضد المطالبات الإقليمية الصينية في بحر الصين الجنوبي من قبل محكمة التحكيم الدائمة في لاهاي سيقابل بالإرتياح في عواصم المنطقة ولكن من غير المرجح أن يغير واحدا من أكثر التوجهات إثارة للقلق في آسيا: سباق التسلح الإقليمي المرعب .
طبقا للمعهد الدولي لإبحاث السلام في ستوكهولم فإن آسيا تمثل الآن حوالي نصف الإنفاق العالمي على التسلح وهو أكثر من ضعف إجمالي إنفاق دول الشرق الأوسط وأكثر بأربعة أضعاف إجمالي إنفاق أوروبا .
إن فيتنام والتي أعادت علاقاتها الدبلوماسية مع الولايات المتحدة الإمريكية فقط سنة 1995 تفكر حاليا بالسماح للبحرية الإمريكيةبإستخدام قاعدتها البحرية كام ران التي تم بناؤها وإستخدامها من قبل سلاح الجو الإمريكي خلال حرب فيتنام (ولاحقا لذلك من قبل البحرية السوفياتية والروسية ). لقد إشترت فيتنام كذلك غواصات روسية الصنع وكان إنفاقها على الأسلحة أكثر بثمانية أضعاف بين سنة 2011 إلى 2015 مقارنة بالسنوات الخمس الفائتة وتايلند كذلك تريد غواصات لبحريتها على الرغم من أن لديها فقط مياه ضحلة في خليج تايلند كما لا توجد لديها مطالبات إقليمية في بحر الصين الجنوبي .
إن الفلبين التي رفعت الدعوى ضد الصين في لاهاي تقوم بتعزيز قواتها العسكرية كذلك من خلال شراء طائرات مقاتلة من كوريا الجنوبية وإستثمارات جديدة في بحريتها وذلك بدعم ليس فقط من الولايات المتحدة الأمريكية فحسب ، بل أيضا من اليابان. لقد قامت الفلبين كذلك بإعادة تأهيل تحالفها الدفاعي مع الولايات المتحدة الأمريكية مما يعكس تحول كبير في الموقف الفلبيني بعد قرارها بطرد البحرية الإمريكية من قاعدتها في خليج سوبيك في سنة 1991 وبنفس الروح قام الأسطول السابع الأمريكي بتعزيز " الدوريات العملياتية لحرية الملاحة " في بحر الصين الجنوبي.
وأخيرا فإن اليابان تكتسب نفوذا في المنطقة وذلك بسبب إبتعادها عن "دستورها السلمي" لمرحلة ما بعد الحرب وحتى الآن قامت حكومة رئيس الوزراء شينزو آبي بإعادة تفسير المادة 9 والتي تنبذ العنف من أجل السماح لليابان بالدفاع عن حلفاءها . لقد قامت الحكومة كذلك بمراجعة قوانين الأمن للسماح بصادرات تقنية السلاح لشريكاتها في المنطقة من أجل تعزيز قدراتها الدفاعية .
إن جميع تلك البلدان تتعامل مع الصعود السريع للصين كأقوى تهديد للإستقرار الإقليمي . لقد قامت الصين ببناء سدود على منابع نهر ميكونج وذلك عكس مجرى النهر من أجل حرمان دول المصب مثل كمبوديا وفيتنام من موارد مياه حيوية وفي بحر الصين الجنوبي قامت الصين ببناء جزر صناعية وعسكرتها بمهابط جوية وتسهيلات دفاعية كما قامت بعرض عضلاتها البحرية بمجموعة من حاملات الطائرات الحديثة مع المزيد على الطريق .
في الفترة التي سبقت قرار محكمة التحكيم الدائمة قامت الصين بحشد التأييد في الدول الافريقية النائية التي يوجد لديها فيها إستثمارات وبين الدول الأعضاء في إتحاد شعوب جنوب شرق آسيا التي يمكن التأثير عليها بسهولة أكبر مثل بروناي وكمبوديا ولاوس . إن هدف الصين يتمثل في منع دول الآسيان من الإتحاد ضدها وتحجيم دور القانون الدولي في المنطقة التي تسعى فيها لتحقيق الهيمنة الإستراتيجية . إن ما يدعو للمزيد من التشاؤم هو قرار الصين بزيادة أنشطتها في بحر الصين الجنوبي على الرغم من إجراءات المحكمة حيث تعهدت منذ فترة طويلة بتجاهل أي حكم يبطل مطالباتها .
إن سباق التسلح الآسيوي هو الأكبر منذ الحرب الباردة وهو يتسارع على خلفية دولية غير مواتية على نحو متزايد. إن الولايات المتحدة الأمريكية مشغولة بتنظيم داعش وتهديدات إرهابية أخرى في الخارج والآن هي مشغولة بالحملة الرئاسية في الوطن .أما أوروبا فهي في حالة فوضى بعد التصويت البريطاني بالخروج من الإتحاد الأوروبي والذي جاء بعد ثماني سنوات من النمو الضعيف والتقشف والإزمات المطولة.
لقد حان الوقت لإن تتبوأ آسيا دورا قياديا عالميا ولكن للإسف فإن التنافس الجيوسياسي المرير يقف في طريق ذلك وذلك بسبب غياب أي إطار مؤسساتي لمنع وتخفيف وتسوية النزاعات الإقليمية وما لم يتم التوصل لتلك الترتيبات فإن خطر الصراع سيزيد مما سيهدد التحول الإقتصادي للمنطقة والتي تمكنت في العقود الأخيرة من إنتشال بلايين الآسويين من براثن الفقر.
إن بناء وإيجاد إطار إقليمي أمني قابل للحياة لن يكون سهلا وذلك نظرا لصعوبة إيجاد حلول لكثير من الخلافات الجيوسياسية في آسيا وهذه الخلافات تشمل المواجهة بين الهند والباكستان حول كشمير والمواجهة بين الكوريتين والعلاقة المضطربة بين الصين وتايوان ومطالبات الصين بإراضي سيادية تابعة لليابان والهند بالإضافة للفلبين وفيتنام .
إن حل تلك الصراعات يتطلب على أقل تقدير بعض القواعد الأساسية للعبة والتي يمكن تطويرها وتطبيقها فقط على أساس متعدد الأطراف وليس بالطريقة الأحادية التي تطالب بها الصين فعلى سبيل المثال تقوم مجموعة الآسيان بصياغة قواعد سلوكية لإدارة بحر الصين الجنوبي ولكن الجهود لم تحقق الكثير من النجاح وذلك بسبب التصلب الصيني .
لو قررت الفلبين عدم المبالغة في تسليط الضوء على أهمية إنتصارها في لاهاي وتراجعت الأطراف المعنية الأخرى قليلا وأعطت الصين بعض المساحة من أجل الإقرار بمخاطر عدوانها ، فإن من الممكن أن يكون لدى القادة الصينيين رغبة أكبر بالتفاوض من أجل التوصل لإتفاقية إقليمية . إن البديل وهو المزيد من التصعيد في سباق التسلح الآسيوي ليس في مصلحة أحد.

مدير في معهد الدرسات الأمنية والدولية في كلية العلوم السياسية في جامعة تشولالونجكورن في بانكوك .