تفعيل بيئة العمل المثالية تحقق المزيد من الإنجازات للمؤسسات

مؤشر الأربعاء ١٣/يوليو/٢٠١٦ ٢٢:٠٩ م
تفعيل بيئة العمل المثالية تحقق المزيد من الإنجازات للمؤسسات

مسقط - ش
إن إيجاد بيئة عمل مثالية للموظفين في شتى المؤسسات لن يتحقق إلا عبر النهل من تجارب الآخرين والتي تعتبر بمثابة المنهج العلمي الذى يجب إتباعه حتى نتجنب الأخطاء التي وقعوا فيها ونتعرف على الحلول المناسبة لكل منها، ولنتمكن من معرفة نقاط القوة التي استخدمتها أكبر المؤسسات، كما أن أبرز التحديات التي تواجه المؤسسات التي تحصل على الموظفين الذين يمتلكون الخبرة الكافية والمهارة اللازمة لإنجاز العمل أصبحت تكمن في كيفية المحافظة على إبقائهم داخل المؤسسة وليس اجتذابهم فقط ببعض الامتيازات المادية، فكل ما هو جديد يجعل من الموظفين محبين للمكان أكثر وكلما كانت بيئة العمل متجددة وجذابة يصبح شعور الموظفين تجاهها بالارتياح أكثر وهذا ما يضمن بقائهم في المؤسسة.
ويستعرض المدربون المعتمدون في الموارد البشرية أبرز أركان النهوض بالمؤسسات في العالم ألا وهي تفعيل بيئة العمل المثالية والقضاء على المنغصات في المؤسسات وإيجاد روح من التلاحم بين الموظفين وتذليل كل الصعاب والمشاكل التي تواجه الموظفين في انجاز أعمالهم بالصورة المطلوبة وبث الراحة النفسية فيهم.

بيئة عمل جاذبة
وتؤكد مدربة في المجال الإدارة والقيادي سميرة بنت حمود البيماني، أن البيئة الإيجابية في العمل من الضروريات اللازمة لإيجاد بيئة جاذبة للعاملين في المؤسسات، وذكرت في هذا الجانب مقولة لـ"بن" ضمن مبادئه العشرة حين قال "لا تبرير للكراهية والأحقاد" وينقل في شرحه مقولة كُتِبت قبل نحو ألف عام يستشهد بها وهي "إذا امتنعت تماماً عن أي أفكار سلبية تجاه الآخرين كالغضب واللوم أو تمني الأذى لهم فإن كل مخلوقات الله تمتنع عن إيذائك ويصبح كيانك أهلاً لتقبل النفحات الإلهية" وحينما نقف أمام جملة "كل مخلوقات الله" وليس الناس فقط تتجلى المعاني الجميلة بمبادئ النجاح ومحاولة اكتشاف سر علاقتها بتفعيل البيئة الإيجابية في العمل.
وأضافت: "إن هناك طرقاً عدة يمكن إتباعها لتجنب النميمة والإشاعات والقيل والقال في بيئة العمل ومنها التجاهل، وعقد الاجتماعات، والمواجهة وغيرها من الطرق المساندة في كبح جماح انتشار الشائعات .. مؤكدةً أن بيئة العمل يجب أن تكون مرنة تساعد الموظف على إنجاز مهامه بكفاءة وفاعلية، وقد يستدعى الأمر أن يطبق مبدأ الثواب والعقاب كي يستشعر الموظف أن ما ينجزه من أعمال ذات قيمة ومقدر من قبل هرم المؤسسة".
وذكرت البيمانية أن الموظف إذا وجد أن بيئة العمل جاذبة وتوفر له الأمان والاحتياجات الأساسية من تقدير واحترام، وتعزيز لقدراته وإمكانياته فمن المؤكد أن علاقته بعمله ستكون علاقة إيجابية ووطيدة يسخر فيها كل إمكانياته لتحقيق أهداف المؤسسة التي يعمل بها.
وأشارت إلى أن هناك مجموعة من العناصر للتخلص من منغصات العمل ومنها الاندماج في العمل، والتخلص من المشتتات، والتنفس العميق، والإيجابية في أداء العمل وجميعها إذا تحققت فسوف تؤتي بثمارها الإيجابية على الموظفين وتحقيق التلاحم الوظيفي من خلال الحصول على دعم زملائهم ومسؤوليهم، مما يجعل الموظفين أكثر قدرة على تحمل المنغصات وتسخير كافة الإمكانيات المادية والبشرية لإيجاد بيئة عمل جاذبة ومحببة للجميع.

بناء الثقة في النفس
وقال الاستشاري التربوي المدرب سعيد بن سالم المعني: "نستطيع تفعيل الإيجابية في بيئة العمل من خلال الرغبة في الإنجاز والاستمتاع به وتعاون الجهود وتظافرها في حل المشكلات وتكثيف الرغبة في العمل وزيادة في الدافعية وتعميق الرضى الوظيفي والشعور بالسعادة وكذلك الهدوء والقدرة على التحكم في الأمور والثقة بالنفس".
ولتجنب ظاهرة القيل والقال في المؤسسات أشار إلى أن "الموظف عندما يدرك أهمية الوظيفة التي يعمل بها وأهمية المهام الوظيفية الموكلة له، وأن يراقب الله سبحانه وتعالى في كل ما يعمل ويقدر أهمية الوقت هنا نستطيع تجنب ظاهرة القيل والقال، مضيفاً بأن على القائمين على التدريب في المؤسسات ادخال مثل تلك الفئة دورات في مهارات إدارة الوقت ليدركوا أهميته وقيمته وكذلك دورات في السلوك الوظيفي ليدرك الموظف أهمية قيامه بالواجبات التي أوكلت إليه".
وأكد المعني "أن العلاقة بين الموظف ووظيفته يجب أن تكون علاقة محبة وإخلاص فكون الوظيفة مصدر رزق فهذا لا شك فيه ولكن في المقابل يجب أيضا أن يدرك الموظف انها مرضاة لله سبحان وتعالى وتقرباً إليه. وكذلك تتوثق العلاقة وتقوى بين الموظف ووظيفته عندما يدرك أنها وسيلة يسعى من خلالها لخدمة هذا الوطن، وهي أيضاً خدمة إنسانية تعلمنا وتصقل فينا مهارة فنون التواصل والاتصال مع الآخرين وتكسبنا ودهم ومحبتهم.
وأشار إلى أن "الكثير من هذه المنغصات تأتي من ضغوطات العمل وهنا لابد أولاً أن نتخلص من تلك الضغوطات، وعلى الموظف أن يرتب أولوياته التي يجب عليه القيام بها من الأهم إلى المهم إلى الأقل أهمية وهكذا يكون التدرج حتى نستطيع أن نتخلص من بعض تلك الضغوطات، وأيضاً تكون لديه مقدرة على ضبط الأوقات عند ممارسة مهامه ويكون لديه دراية في حسن إدارة الوقت، وبالنسبة لمردود التلاحم والتعاون بين الموظفين فهي بلا شك تثمر في كثرة العطاء وعظيم النتائج، وكذلك أيضا فهي مهمة في ربط الناس بالفكرة وليس بالشخص ونستطيع من خلالها أيضا الحصول على فوائد الشورى والتكامل في بيئة العمل ويرتفع مستوى القدرة على مواجهة التحديات من خلال استعانتهم بتراكم الخبرات الجماعية كل ذلك سوف يلمس نتائجه عندما يجد الموظفين أنفسهم انهم يستثمرون ويختصرون الكثير من الأوقات".

القادة الناجحون
وقال استشاري برامج تطوير الذات ومهارات التفكير والعلاقات الإنسانية بخيت بن محمد الشبلي :"كيف نفعل بيئة العمل الإيجابية؟ هذا السؤال أصبح أولوية في قائمة القادة الناجحين الذين يسعون إلى تطوير أداء الموظفين ورفع الإنتاجية في العمل، والقائد الناجح يعرف كيف يجعل من بيئة العمل بيئة إيجابية جاذبة للموظفين والتي بدورها تقوم على خلق الولاء الوظيفي وترفع من مستوى الانتماء للمؤسسة لديهم ولعل أهم الخطوات في ذلك "بناء الثقة" بين الموظف والمسؤول، والموظف وزملائه الموظفين، حيث تعد الثقة هي اللبنة الأساسية التي تعزز العلاقات بين أفراد المؤسسة من مسؤولين وموظفين وعملاء ومراجعين مما يقلل المشاكل داخل بيئة العمل وينعكس ذلك على النفسية العامة لأفراد المؤسسة ويشكل بيئة إيجابية قائمة على الاحترام والتقدير، أما الخطوة الثانية تعد ثمرة الخطوة الأولى وهي "خلق روح العمل الجماعي" أو فريق العمل المتجانس، حيث أن من ثمرات الثقة المتبادلة بين أفراد المؤسسة تشكيل فريق عمل متجانس والعمل بروح الفريق الواحد ، وهذا التجانس يخلق بيئة إيجابية مبنية على التعاون والعطاء إذ يشعر أفراد هذه المؤسسة أنهم عائلة واحدة يضمهم مكان يشتركون فيه لتحقيق نفس الهدف والغاية، بالإضافة إلى إتقان مهارات الاتصال والتواصل الإيجابي المبني على الحوار والنقاش الهادئ والهادف لأن عدم توفر مهارات الاتصال والتواصل لدى أفراد المؤسسة يجعل منها بيئة مشحونة متوترة يشوبها النزاع والخلاف الذي يؤدي إلى الفرقة وعدم الرضا عن أداء بعضهم البعض، ووجود الاتصال والتواصل الفعال والإيجابي يخلق جو من الألفة بين أفراد المؤسسة وينعكس على مستوى الأداء والرضا الوظيفي، أضف إلى ذلك فهم الشخصيات حيث أنها من أهم عوامل بناء البيئة الايجابية، ففهم الشخصيات يساعد على توزيع الأدوار التي تناسب إمكانيات وقدرات الأفراد داخل المؤسسة، كما أنها تسهم في معرفة حاجيات ومتطلبات كل موظف وكيفية تلبيتها، وهذه تجعل الموظف يشعر أنه يمارس ما يناسب شخصيته وإمكانياته وبالتالي يشعره بالرضا الوظيفي وحب العمل الذي ينتمي إليه، وهناك عنصر مهم أيضاً وهو التحفيز سواء كان معنوياً أو مادياً ولعل التحفيز أصبح حاجة ملحة وضرورية لجعل بيئة العمل إيجابية، وبتنا نسمع من بعض الموظفين أن بيئة العمل غير محفزة لذا لا توجد لديه الدافعية للاستمرار في هذه الوظيفة ويفكر متى يكمل سنوات الخدمة فيها حتى يتقاعد أو البحث عن وظيفة أخرى لمجرد وجود حوافز أفضل أو أكثر".

مكافحة فيروس المؤسسات
وأضاف الشبلي: "لاشك أن الله الذي خلق الإنسان هو أدرى بطبيعته ومكنوناته ويعلم ما يصلحه وما يفسده، لذا كره للإنسان هذه العادة التي تأكل جسد المجتمع الواحد المتماسك وتنخر في بدنه، وهي أيضاً تجر الإنسان إلى أمور أخرى مثل إضاعة الوقت، ونزرع الفتنة داخل المؤسسة، بل وتساعد على انتشار الإشاعة بين الموظفين وغيرها من الأمور، ولعل أفضل طريقة لدحر هذا الفيروس الذي يهدد كيان المؤسسة، هي عدم إعطاء الفرصة لمن ينقل القال والقيل أن يمارس مهمته التي تعتبر ساعي بريد للشيطان وهذا عين ما فعله الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم حيث قال يوما لأصحابه "لا يبلغني أحد عن أصحابي شيئاً، فأني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر" فقطع الطريق على هؤلاء هو أفضل وأنجع دواء ، وكما قال "برتراند راسل" (تجنب أي فرصة للوقوع ضحية القيل والقال سواء كنت هادفاً أو مشاركاً"
أما الأمر الأخر فهو ما ردده أبو العتاهية في بيته المشهور (أن الفراغ والشباب والجدة .. مفسده للمرء أي مفسده) وهي إشارة لطيفة من شاعر الحكمة إلى أن الفراغ يؤدي إلى انتشار الفساد ولعل فارغ الموظفين في بيئة العمل يجعل لهم فسحة من الوقت للقيل والقال ونقل الكلام، فالإنسان المشغول لا يجد وقتاً لسفاسف الأمور".
وأشار إلى أن نظام الثواب والعقاب لعل هو أحد الأنظمة التي تساهم في تعديل السلوك الإنساني ولذا "نجد في كتابنا العزيز مبدأ الثواب والعقاب حاضراً من خلال مفهومي الجنة والنار، وهو ذات المفهوم الذي وضع في العلوم الإنسانية وعلوم الإدارة عند الغرب وقد رمزوا إليه بمفهومي (العصا والجزرة)، واعتمد هذا المبدأ لدى المؤسسات العسكرية وعرف بمبدأ (الضبط والربط) وقد أثبت فعاليته لذا نجد أن العاملين في المؤسسات العسكرية أكثر انضباطاً عن أمثالهم في المؤسسات المدنية بل حتى القطاع الخاص اعتمد نوعا ما على هذا المبدأ وقد أتى ثماره في كثيراً من الأحيان، ومن وجهة نظري هذا النظام قد يجعل الموظف أكثر انضباطاً لكن هل يشعره بالانتماء الوظيفي والرضا وحبه للعمل؟ أم يجعله يكره العمل بسبب وجود القيود والضوابط التي تحد من حريته أو إبداعه؟ وهنا أتذكر المثل الصيني القائل " أنك تستطيع أن تجر الحصان إلى البئر لكنك لا تستطيع ان تجبره على الشرب"، لذا أرى من الأفضل أن نزرع هذا المحاسب أو الرقيب داخل نفس الموظف، حتى يكون الوازع الذي يوجهه إلى العمل الجاد والالتزام هو الضابط الداخلي وليس الضابط الخارجي، ويبقى الأمر نسبي يفرق من موظف إلى آخر ، بمعنى أن نجعل الأصل الضابط الداخلي ولا بأس من استدعاء الضابط الخارجي في بعض المواقف لبعض الشخصيات".
وأضاف: "إن الوظيفة مصدر رزق أليس باعتبارها مصدر رزق يجب علي أن أطيب رزقي وأن أؤديه على أكمل وجه حتى أستحق الراتب الذي أخذه، ألست مسؤولاً عن المال كيف اكتسبته، فهل أخذت كل ريال من الراتب بوجه حق أم كنت أختلس الوقت والجهد منه ، حتى هذا الاعتبار لا يخليني من المسؤولية، فالرزق يجب أخذه على استحقاق دون نقصان في أدائه، أما الجانب الآخر وهو الأهم على كل موظف أن يعلم أنه من خلال وظيفته هو يقوم بواجب ديني من ناحية أن العمل عبادة ، وواجب وطني فهو على ثغر من ثغور بناء هذا الوطن الذي قدم ومازال يقدم له الكثير، ولا يرتقي مجتمع ما إلا بوجود المخلصين الذين يؤدون واجبهم اتجاه مجتمعهم على أكمل وجه ، وإن كنا فعلا نعتبر العمل عباده فيجب علينا أن تكون علاقتنا به كعلاقتنا بالصلاة والصوم والحج وسائر العبادة التي نشعر من خلال أدائها بالراحة والاطمئنانية، ولم نجد يوماً شخص يذهب للصلاة وهو متضجر لأنه ذاهب إلى أداء عبادته ، وبالتالي يجب أن لا نجد أي موظف ضجر من أداء عبادة العمل".
وأكد أن إيجاد جو من الألفة والتعاون والاحترام المتبادل في بيئة العمل كفيل للقضاء على المنغصات في تلك البيئة مع رفع مستوى الثقة بين المسؤولين والموظفين وجعل بيئة العمل محفزة جاذبة، أما التلاحم بين الموظفين أمراً ضرورياً لتطوير أي مؤسسة حيث أن المؤسسة لا تقوم على عمل فردي بل على عمل جماعي وما لم تسود روح التعاون والألفة والتقدير بين الموظفين فلن تحقق المؤسسة أهدفها ولن تساهم في تطوير نفسها أو الارتقاء ببيئة العمل.