السعودية بدأت الابتعاد عن نظام الرعاية الاجتماعية في عهد الملك سلمان

مؤشر الأربعاء ٢٠/يناير/٢٠١٦ ١٨:٥١ م
السعودية بدأت الابتعاد عن نظام الرعاية الاجتماعية في عهد الملك سلمان

الرياض- (أ ف ب) - طبعت السنة الاولى من عهد العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز تحولات اقتصادية ابرزها الانخفاض الحاد في اسعار النفط، المورد الرئيسي للمملكة، ما دفعها لاتخاذ خطوات اولى على طريق انهاء نظام الرعاية الاجتماعية السخي السائد منذ عقود. واتخذت الحكومة السعودية برئاسة الملك، قرارات جريئة لخفض الدعم على مواد اساسية واعتماد اصلاحات اقتصادية بنيوية خلال العام الماضي، قد تشكل الاسس التي تنقل الاقتصاد السعودي نحو تنويع مصادر الدخل، بدلا من الاعتماد شبه الحصري على النفط. وبلغ سعر برميل النفط مستوياته الادنى منذ زهاء 13 عاما، ما تسبب لاكبر مصدري النفط في العالم، الذي كانت ايرادات النفط تشكل 90 بالمئة من مداخيله، بعجز قياسي في المالية العامة بلغ 98 مليار دولار في 2015. وسبق للمملكة ان اعلنت عجزا قدره 18 مليار دولار في 2014، وتوقعت عجزا يناهز 87 مليارا في موازنة 2016. وخلال 19 شهرا من انخفاض اسعار النفط، خسرت المملكة التي يقطنها قرابة 30 مليون نسمة، نحو نصف ايراداتها السنوية. وعلى رغم احتياطي مالي يقدر بأكثر من 600 مليار دولار، رفعت المملكة اسعار مواد أساسية كالوقود والمياه والكهرباء والغاز، بنسب وصلت احيانا الى 80 بالمئة. وأتى ذلك بعد عقود من نظام رعاية اجتماعية افاد خلاله السكان وحتى الشركات من دعم سخي من الدولة لهذه المواد وغيرها. ويقول الخبير الاقتصادي السعودي تركي فدعق "اعتقد اننا على وشك الخروج من نظام دولة الرعاية". ويضيف فدعق، وهو مدير الابحاث والاستشارات في شركة "البلاد المالية" التي تتخذ من الرياض مقرا، "الهدف النهائي لهذه الاجراءات هو اعادة هيكلة الاقتصاد السعودي بشكل يوقف اعتماده على النفط". وبعيد اعتلائه العرش في كانون الثاني/يناير الماضي خلفا للعاهل الراحل عبدالله بن عبد العزيز، قدم الملك سلمان مساعدات مالية للموظفين الحكوميين وافراد القوات المسلحة والطلاب وغيرهم من شرائح المجتمع، بلغت زهاء 30 مليار دولار. وأتت هذه الخطوة بعد قرابة اربعة اعوام من اعلان الملك عبدالله عام 2011، زيادة اجور الموظفين، في خطوة رجح محللون في حينه ان تكون تضمر دوافع سياسية، كونها ترافقت مع اندلاع احتجاجات "الربيع العربي" ضد انظمة الحكم في بعض الدول العربية. - الابتعاد عن النفط - خلال العام الماضي، أثقلت كاهل المالية العامة السعودية مجموعة من العوامل المتضافرة، منها تراجع الايرادات، وارتفاع الانفاق لا سيما على الاجور والدعم، وزيادة الانفاق العسكري بسبب قيادة الرياض تحالفا عربيا ضد المتمردين الحوثيين في اليمن، اضافة الى تقديم المملكة مساعدات بمليارات الدولارات لدول عربية. ويرى الخبير الاقتصادي السعودي احسان بوحليقة ان "التحدي اتى كبيرا للغاية"، وبدأ "مع انحدار اسعار النفط حتى قبل بدء عهد الملك سلمان".

ويضيف رئيس مركز "جواثا" للابحاث ان "القرار الاهم هو العزم على الابتعاد عن نظام الرعاية الاجتماعية نحو اقتصاد منتج"، مشيرا الى خطة خمسية سعودية تهدف الى تحرير اسعار الطاقة، مترافقا مع خطوات لتعزيز الايرادات غير النفطية. ورجحت مؤسسة "جدوى للاستثمار" في تقرير اصدرته اخيرا، ان توفر الحكومة السعودية سبعة مليارات دولار جراء خفض الدعم على اسعار بعض مواد الطاقة. وقدرت الكلفة المباشرة وغير المباشرة لدعم هذه المواد في المملكة العام الماضي بزهاء 61 مليار دولار. ورحبت وكالة "فيتش" للتصنيف الشهر الماضي بـ "الاصلاحات المهمة" في السعودية، اضافة الى الضوابط التي فرضتها على الانفاق العام في النصف الثاني من 2015. ورجحت وكالة "موديز" بان تساعد الاصلاحات في تحسن التصنيف الائتماني السعودي. ويرى فدعق ان نقطة التحول في السياسة الاقتصادية للمملكة كانت تشكيل مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الذي يرأسه ولي ولي العهد الامير محمد بن سلمان. ويقول "تبع ذلك اتخاذ قرارات اقتصادية هجومية وسريعة". وتلى الخطوات اعلان الامير محمد بشكل مفاجىء نية المملكة عرض جزء من شركة "ارامكو" النفطية الوطنية للاكتتاب العام. ويتوقع ان تلجأ المملكة التي تنتج 10,4 ملايين برميل من النفط يوميا، الى اعلان فرض بعض الضرائب والاقدام على خطوات للخصخصة. وفتحت المملكة خلال العام الماضي وللمرة الاولى، سوقها المالية للشركات الاستثمارية الموجودة خارج السعودية. ويرى بوحليقة ان الخطوات المتخذة هدفها مضاعفة الايرادات غير النفطية لتتخطى مئة مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة، لتصبح "منافسة للايرادات النفطية". وارتفعت الايرادات غير النفطية بنسبة 29 بالمئة في 2015 لتصل الى 44 مليار دولار، في حين انخفضت نسبة الايرادات النفطية وباتت تشكل 73 بالمئة من مجمل الايرادات، بدلا من معدل 90 بالمئة خلال العقد الماضي. ولسد العجز، لجأت المملكة الى احتياطاتها المالية واصدار سندات خزينة محلية. وتراجع الاحتياط من 732 مليار دولار نهاية 2014، الى 632 مليارا في تشرين الثاني/نوفمبر. وبحسب "جدوى للاستثمار"، تقدر قيمة السندات التي اصدرتها المملكة منذ تموز/يوليو بنحو 30 مليار دولار، ما رفع الدين العام الى 38 مليارا، اي 5,8 بالمئة من الناتج المحلي. ويعتبر بوحليقة ان "اعتماد سياسات شعبوية خلال العقود الماضية جعل الاصلاحات الاقتصادية صعبة. الآن، علينا شد الاحزمة، وخفض الانفاق، وتقليص عدد الموظفين الحكوميين، واعتماد الخصخصة".