كرة القدم.. بريكسيت..نحن

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٣/يوليو/٢٠١٦ ٠٩:١٩ ص
كرة القدم.. بريكسيت..نحن

من بين 24 فريقاً تأهلت لبطولة كأس أوروبا لكرة القدم هذا العام، حضر واحد فقط من ألمانيا. وجاءت ثلاثة من المملكة المتحدة: إنجلترا، ويلز، وأيرلندا الشمالية! الشيء الذي يبدو غريبا نوعا ما. بعد كل شيء، لقد تم لم شمل ألمانيا الشرقية والغربية فقط في العام 1991، وانضمت بافاريا لبروسيا فقط في العام 1871، في حين انضمت أيرلندا، ويلز، وأسكتلندا إلى المملكة المتحدة في 1177، 1542، و1707، على التوالي!

فلماذا الثورنجيون والساكسون والسوابيون لهم نفس المنتخب الألماني؟! في حين أن المواطنين البريطانيين لهم فرق متعددة؟! (أسكتلندا وحتى جبل طارق لديهما فرق خاصة بهما كذلك) ألن يصير لديهم فريق أقوى إذا اختاروا أفضل اللاعبين لتمثيل كل منهم؟

لكن يبدو أن المواطنين البريطانيين يفضلون أن تكون لديهم فرق وطنية خاصة بهم بدلا من أقوى فريق في المملكة المتحدة - حتى لو كان هذا يعني خسارته أمام آيسلندا الصغيرة. على كل حال، إذا كان المرء يرغب في أقوى فريق، فمن الأحسن تفضيل فريق برشلونة. لكي يمثلنا فريق «نحن» بطريقة أو بأخرى عليه أن ينتمي لنا.
وفي هذا السياق، يبقى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي غير مستغرب. ركزت حملة «البقاء» على الفوائد الاقتصادية للاتحاد الأوروبي وعلى تكاليف المغادرة، بعضها سقط مباشرة بعد إعلان النتائج: تراجع الجنيه الاسترليني وانهارت أسواق الأسهم وضاع تريليونين دولار من الثروة. غير أن 52 % مـــــن الذين صوتوا يفضلون عدم السماح للبولنــــــديين والرومانيين بالعيش والعمل في بريطانيا، وبالتنافس على مــــــناصب شغل في الفريق الاقتصادي. السماح لهم بذلك قد يعطي أفــــــضل فريق، لكنه لن يكون فريقنا.
من وجهة نظر واحدة، هذه مجرد حالة أخرى من العاطفة التي تهزم المنطق الاقتصادي. ولكن عواطفنا هي الخوارزميات الموروثة من التطور، والتي بواسطتها نتخذ القرارات، بما فيها السياسية. تحليل التكلفة والعائد الاقتصادي التي لا تأخذ عواطفنا بعين الاعتبار لا تحرك ساكنا ولا تُجدي.
في جوهر القضية معنى «نحن» ماذا يعني أن تكون عضوا في الاتحاد الأوروبي، أو في نيجيريا، أو العراق، أو تركيا، أو سويسرا، أو أي كيان سياسي آخر؟
معنى «نحن» مرتبط ببعد تحتي للدماغ على أساس الشعور بالذات، الذي ينم عن إحدى الإبداعات الدماغية العديدة: الإحساس بأننا كيان حي يواجه الأشياء، يتذكر تاريخه، يمكن أن يأخذ مبادرات، وله مشاعر وأهداف - وهذا ما سماه الأخصائي البارز في الأعصاب أنطونيو داماسيو السيرة الذاتية للنفس. الدماغ هو أيضا على علم تماما بوجود غيرها من النفوس، وعلى علم بمشاعرها ونواياها، وإنه لأمر جيد أنه يستشف ما يقوله ويفكره، ويشعر به، ويخط له الآخرون.
نحن نستخدم هذا الجهاز العقلي نفسه لتنمية الشعور بـ«نحن»: الناس الأقرباء وأحباؤنا الذي نهتم بهم. نفكر في «نحن» كما لو كان شخصا له سيرته الذاتية، ومزاجه، وميوله، وتطلعاته. ونعتبر الشركات كأشخاص اعتباريين، ونتحدث عن الدولة وكأنها شخص مركب له خصائص واضحة: الألمان منظمون، الإيطاليون عاطفيون، والبريطانيين فخورون. و من الواضح أن معنى «نحن» ينطوي على معنى «هم»: أولئك الذين نعتبر رفاهيتهم أقل أهمية من رفاهيتنا.
وكما قال جوشوا جرين، مدير مختبر الإدراك المعنوي بجامعة هارفارد، فقد تطورت مشاعرنا الأخلاقية لدعم التعاون الإنساني. وكما أن التطور أعطانا الرغبة الجنسية، بدلا من الحجج العقلانية، لضمان الإنجاب، فقد تطورت مشاعر التعاطف والمودة والاشمئزاز لدينا، ومشاعر الغضب للرد على سلوكات بعضنا البعض. وتساهم مشاعرنا الأخلاقية على الحد من استغلال الصالح العام، والذي يبرز في الصراع بين «الأنا» و«نحن»، والحفاظ على تماسك المجموعة، لدعم المنافسة بين «نحن» و«هم».
وقد تطلب التطور التكنولوجي والثقافي اتساع الشعور بمعنى «نحن». وعلى مدى السنوات 10،000 الفائتة، حيث انتقلنا من المجتمعات البدائية الصغيرة إلى المستوطنات الزراعية، والتمدن، وغيرها، وتوسعت شبكة الناس الذين نتفاعل ونتعاون معهم، من كيانات صغيرة للدولة القويمة إلى كيان مثل الاتحاد الأوروبي في نهاية المطاف.
عندما كان يعتمد الناس على الزراعة، كانت رقعة تفاعلهم صغيرة: لم تكن لديهم الفرص للتحدث مع بعضهم البعض، ونتيجة لذلك، تباينت اللغات. هذا هو السبب في كون الكاميرون، وهو بلد أصغر من إسبانيا، وله 230 لغة. على النقيض من ذلك، زادت الثورة الصناعية من قيمة الأسواق الكبرى، إيطاليا (1861-1871) وألمانيا (1870-1871) تم إنشاؤهما عن طريق توحيد دويلات على أساس المشاعر القومية واللغة المشتركة، وكلا اللغتين تم إنشاؤهما لهذا الغرض.
ومن الواضح أن وجود شعور مشترك واحد يجعل الحياة أسهل بكثير بالنسبة للكيانات السياسية. دون ذلك، لصالح من ستتصرف الدولة - التي من المفترض أن تتخذ القرارات، وتحدد وتحمي حقوق الإنسان، وتفرض الواجبات والالتزامات؟ إذا كان «نحن» يشمل فقط، مثلا، العلويين في سوريا، والكيكويو في كينيا، أو هان الصينيون في الصين، سيكون لدى الجميع الحافز على التمرد. ومن الواضح أن البلدان التي لديها لغة مشتركة ودين واحد قــــــد تُطور الشعور بـ»نحن» بسهولة أكثر من غيرها. ولكن العـــــالم مليء بالدول المتنوعة جدا في هذين البعدين، وتقوم السياسة فيها بإعادة تعريف مفهوم «نحن» باستمرار.
في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، شمل معنى «نحن» في البداية فقط السكان البيض الأنجلو ساكسون والبروتستانت، وليس الأيرلنديين، أو الإيطاليين، أو البولنديين الكاثوليك أو اليهود - كما تم تهميش الأمريكيين من أصل أفريقي. إلى حد كبير من خلال السياسة، وأصبح الشعور بمعنى «نحن» أكثر شمولا.
في حالة عدم وجود لغة ودين مشتركين، ينبغي على معنى «نحن» في الاتحاد الأوروبي أن يقوم على القيم والثقافة المشتركة، التي تعود لقرون من التفاعل. وما أغنى هذا التراث: عصر النهضة، والتنوير، والعديد من الثورات الصناعية والعلمية الرائعة، والفن، ومعظم الألعاب الرياضية. ويتساءل المرء لماذا زينت الأوراق النقدية لعملة اليورو بزخارف غير واضحة، وليس بصور شخصيات ذات طابع كوني -دا فينشي، نيوتن، وفولتير، ورامبرانت، سرفانتس، شوبان، أو بيتهوفن- التي تمثل بشكل أفضل التراث الثقافي في أوروبا.
سينجح المشروع الأوروبي فقط عندما يوجد شعورا أوروبيا بـ»نحن» قوية بحيث يشعر، مثلا، البلغاري بالحق في العيش والعمل في برمنجهام. عندما يستطيع كل الأوروبيين العيش في أي مكان يشاؤونه في أوروبا. عندئذ قد تصبح أوروبا الفريق القوي الذي يمكنه الفوز.

وزير سابق للتخطيط من فنزويلا وكبير الاقتصاديين السابق في البنك الأمريكي للتنمية.