روبرت باكستون
لقد أصبحت الفاشية مرة أخرى سنة 2015 أكثر الألقاب السياسية قوة في الإستخدام العام . بالطبع فإن الرغبة في إطلاق صفة الفاشية تصبح كبيرة عندما نواجه لغة وتصرفات تشبه ظاهريا لغة وتصرفات هتلر وموسوليني وفي الوقت الراهن يتم إستخدام تلك التسمية في حالات مختلفة ومتفاوته مثل دونالد ترامب وحزب الشاي والجبهة الوطنية في فرنسا والقتلة الإسلاميين المتشددين ولكن بالرغم من أن الرغبة بإطلاق لقب "فاشي" على هولاء هي رغبة مفهومة ، إلا أنه يتوجب علينا مقاومتها.
عندما تم إنشاء الفاشية في العشرينات من القرن الفائت (أولا في إيطاليا ومن ثم في ألمانيا) كانت الفاشية ردة فعل عنيفة على ما كان ينظر اليه على إنه تجاوزات الفردية . لقد إدعى موسوليني وهتلر أنه قد تم إحتقار إيطاليا وهزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى لأن الديمقراطية والفرديةإستنزفت من تلك البلدانهويتها الوطنية وإرادتها .
وعليه جعل القائدان أتباعهما يرتدون الزي الرسمي وحاولوا فرض نظام صارم على أفكارهم وأفعالهم وعندما وصلوا للسلطة حاولوا توسيع دكتاتوريتهم لتشمل جميع مجالات الحياة وحتى الرياضه تحت حكم موسوليني كان يتم تنظيمها والإشراف عليها من قبل هيئة حكومية تدعى الدوبولافورو.
لقد نصب الفاشيون أنفسهم ( واكتسبوا دعم من النخبة) كحاجز فعال وحيد في وجه الحركة السياسية الأخرى والتي زاد نفوذها بعد الحرب العالمية الأولى وهي الشيوعية. لقد عارض الفاشيون الإشتراكية الوطنية وبينما قاموا بسحق الأحزاب الإشتراكية وإلغاء النقابات العمالية المستقلة ، لم يشككوا في أي لحظة بإلتزام الدولة بالمحافظة على الرعاية الإجتماعية (بإستثناء الأعداء الداخليين مثل اليهود بالطبع ).
قد يبدو أن الحركة التي تطلق على نفسها إسم الدولة الإسلامية تلائم هذا النموذج جيدا فهوية وإرادة الأفراد تخضع للحركة حتى النهاية ولدرجة تصل الى نكران الذات المطلق من خلال الإنتحار ولكن هناك خلافات جوهرية أيضا.
إن حركة الدولة الإسلامية هي عبارة عن خلافة منتظرة أكثر من كونها دولة وهي حركة كرست نفسها لسيادة دين ما بطريقة تتجاوز الدول الحالية وتهددها . ما تزال السلطة المركزية غير واضحة والسياسات والمبادرة العملياتية مشتته بين الخلايا المحلية بدون الحاجة إلى مركز جغرافي .
لقد كان الفاشيون وطنيون يؤمنون بالدول حيث كرسوا أنفسهم لتقوية وتعظيم هذه الدول. لقد بذل القادة الفاشيون والأنظمة أقصى الجهود من أجل إخضاع الدين لخدمة أهداف الدولة. إن من الممكن أن ننظر إلى حركة الدولة الإسلامية على أنها تتفرع من الحكم الشمولي الديني ولكنها مختلفة تماما عن النظام السلطوي الفاشي المركزي العلماني وقادته الذين يتمتعون بالجاذبية.
إن حزب الشاي هو أبعد ما يكون عن الطبيعة الفاشية التي تسعى لتعزيز الدولة فحزب الشاي يعارض جميع أشكال السلطة العامة ويرفض بغضب أي التزام بالآخرين حيث من الأفضل أن نطلق على مثل هذا النهج فوضوية الجناح اليميني فهي فردية خارجة عن السيطرة وتعارض أية التزامات بالمجتمع فهي العكس تماما للدعوة الفاشية المتمثلة في تفوق الإلتزامات الإجتماعية على الإستقلال الذاتي للفرد.
تعود جذور الجبهة الوطنية الى فرنسا تحت ظل حكومة فيشي كما كان مؤسسها جان ماري لوبين يعبر دائما عن احتقاره للتقليد الجمهوري الفرنسي ولكن النجاح الصاعد لهذا الحزب هذه الأيام تحت حكم إبنة لوبين ماريان يعود جزئيا على أقل تقدير الى جهود الحزب للنأي بنفسه عن ماضيه المتمثل في قتال الشوارع وإنكار المحرقة النازية.
إن دونالد ترامب هو حالة خاصة تماما فظاهريا يبدو أنه أقتبس عددا من الأفكار الفاشية لحملته الإنتخابية مثل كراهية الإجانب والتعصب العنصري والخوف من الضعف والإنحدار الوطني والعدائية في السياسة الخارجية والإستعداد لتعليق حكم القانون من أجل التعامل مع حالات طارئة مفترضة. إن نبرة الغطرسة لديه وبراعته في التعامل مع الجماهير ومهارته في إستخدام أحدث تقنيات الإتصالات تذكرنا كذلك بموسوليني وهتلر.
لكن هذه الصفات هي في الغالب مشتقة من الإفكار والأساليب الفاشية ولكن المحتوى الأيدولوجي الضمني مختلف تماما حيث تلعب إستحقاقات الثروة دورا أكبر من ما كانت تتحمله الأنظمة الفاشية بشكل عام. إن إعتناق ترامب لهذه الأفكار والأساليب هو في غالب الأمر وسيلة من اجل تحقيق النفعية التكتيكية – وهو قرار تم إتخاذه بدون أدنى إعتبار لتاريخها البشع. إن من الواضح أن ترامب لا يبالي بأصداء كلماته وأسلوبه الخطابي وهذا ليس مفاجئا نظرا لعدم إهتمامه الواضح بتأثير الشتائم التي يلقيها .
إن من السيء للغاية أننا لم نستطع حتى الأن أن نجد وصف آخر يحمل نفس القوة السامة للفاشية من أجل أن نطلقه على هولاء الحركات والناس البغيضين . يجب علينا أن نكتفي بإستخدام كلمات أكثر إعتيادية مثل التعصب الديني بالنسبة لحركة الدولة الإسلامية والفوضى الرجعية بالنسبة لحزب الشايوالغوغائية المنغمسة في حب الذات نيابة عن الأوليغارشية بالنسبة لدونالد ترامب. إن هناك حركات هامشية اليوم مثل حركة الشعوب الآرية في الولايات المتحدة الأمريكية والفجر الذهبي في اليونان التي تستخدم بشكل علني الرموز النازية والعنف الجسدي وعليه فإن من الأفضل أن نترك لفظ "فاشية " لهم .
أستاذ فخري للتاريخ في جامعة كولومبيا، وهو مؤلف كتب: "تشريح الفاشية"
و "فرنسا الفيشية: الحرس القديم والنظام الجديد" و "1940-1944"
و "المسيرات والسياسة في فيشي" و "فرنسا الفيشية واليهود".