مسقط - ش
أصدرَ البنك المركزي العُماني تقريره السنوي لعام 2015م في 30 يونيو 2016م. يعرض التقرير تقييماً للتطورات الإقتصادية الكلية للسلطنة خلال عام 2015م، بالإضافة إلى تحليل لأداء القطاعات الإقتصادية الهامة وقد سجل الناتج المحلي الاجمالي للسلطنة تراجعاً في عام 2015م بعد خمسة اعوام متواصلة من النمو بمعدلات مرتفعة. ويُعزى هذا التراجع بشكل رئيسي إلى الانخفاض الملحوظ في اسعار النفط في الأسواق العالمية، بالإضافة إلى تباطوء الاقتصاد العالمي. وعلى الرغم من زيادة انتاج النفط، تراجع فائض الميزان التجاري في عام 2015م على نحو ملموس تبعاً للانخفاض في اسعار النفط. وسعياً لاحتواء العجز في الموازنة، تم اتخاذ عدة إجراءات على صعيد ضبط المالية العامة الأمر الذي أدى إلى انخفاض المصروفات الحكومية بشكل ملموس. فقد سجل الناتج المحلي الإجمالي للسلطنة تراجعاً بنسبة 14.1% في عام 2015م. ويعكس هذا التراجع أداء مكونين رئيسيين من مكونات الطلب الكلي، هما الإنفاق الحكومي الذي انخفض نتيجة الإجراءات التي تم اتخاذها لضبط المصروفات الحكومية، بالإضافة إلى تراجع الصادرات خلال عام 2015م بعد أن سجلت نمواً مرتفعاً خلال فترة الاعوام الخمسة (2010-2014م) بلغ في المتوسط 11.3%.
يجاد فرص عمل للعُمانيين
يُعتبر السعي لإيجاد فرص العمل الملائمة للعُمانيين احد الأهداف الرئيسية للحكومة على صعيد الاقتصاد الكلي خلال السنوات الأخيرة. في عام 2015م ، سجلت اعداد العُمانيين الذين تم توظيفهم في القطاع الخاص زيادة بنسبة 6.1%.
تراجعت حدة الضغوط التضخمية في السلطنة بشكل ملحوظ في عام 2015م، ويرجع ذلك اساساً إلى انخفاض اسعار السلع في الأسواق العالمية وتراجع المصروفات الحكومية في السلطنة بالإضافة إلى الارتفاع الملحوظ لسعر الصرف الحقيقي الفعلي للدولار الأمريكي منذ منتصف عام 2014م. وتشير الأرقام إلى تراجع نسبة التضخم السنوية مقاسةً بالتغير في متوسط الرقم القياسي لأسعار المستهلكين في السلطنة لتبلغ 0.1% في عام 2015م مقارنة مع متوسط سنوي بلغ 2.5% خلال الفترة (2010-2014م). يُعزى السلوك الذي شهدته مستويات الاسعار في السلطنة مؤخراً إلى تفاعل عوامل الطلب والعرض النابعة من مصادر محلية وخارجية على حد سواء. فمن جانب الطلب، يأتي تراجع الناتج المحلي الإجمالي الأسمي في السلطنة لعام 2015م والذي يعود أساساً إلى الانخفاض الحاد في اسعار النفط الخام في الأسواق العالمية وسياسة ضبط المالية العامة التي اتبعتها الحكومة. ومن جانب العرض، أدى الإنخفاض الذي شهدته أسعار الغذاء والمعادن في الأسواق العالمية بالتزامن مع انخفاض اسعار الواردات في عام 2015م إلى تراجع اسعار البضائع في السلطنة.
دور هام للنفط في المشهد الاقتصادي
واصل قطاع النفط والغاز لعب دوره الهام في المشهد الاقتصادي في السلطنة خلال عام 2015م، فبعد أن شهد انتاج النفط الخام زيادة طفيفة في عام 2014م تمكن من النمو بنسبة 4% في عام 2015م ليبلغ 358.1 مليون برميل. كما سجل انتاج الغاز الطبيعي زيادة بنسبة 5.6% ليصل إلى 39801 مليون متر مكعب في عام 2015م مقارنة مع 37682 مليون متر مكعب في عام 2014م. ارتفعت الكميات المُصدّرة من النفط الخام بنسبة 5.6% لتصل إلى 308.1 مليون برميل في عام 2015م مقارنة مع 292.2 مليون برميل في عام 2014م. وبخلاف الإتجاه الذي سلكه الانتاج، سجل متوسط سعر خام النفط العُماني في عام 2015م تراجعاً بنسبة 45.3% وبلغ 56.5 دولار للبرميل مقارنة مع 103.2 دولار للبرميل في عام 2014م. ويُعزى هذا التراجع إلى وفرة المعروض على المستوى العالمي وتراجع الطلب الكلي في اقتصادات السوق الصاعدة وغيرها من العوامل. وانعكاساً لهذه العوامل، تراجعت مساهمة النفط والغاز في اقتصاد السلطنة بشكل عام في عام 2015م. فقد شكّلت القيمة المضافة لقطاعي النفط والغاز مجتمعين مانسبته 33.9% من الناتج المحلي الإجمالي، و78.7% من الإيرادات الحكومية و59.4% من إجمالي الصادرات السلعية في عام 2015م.
ضغوط ملموسة
شهد وضع المالية العامة للبلاد ضغوط ملموسة في عام 2015م، ويرجع ذلك اساساً إلى التراجع في الإيرادات نتيجة انخفاض اسعار النفط الخام وتباطؤ الاقتصاد بشكل عام. فبعد نمو متواصل خلال الفترة (2009-2014م) سجلت الإيرادات الحكومية في السلطنة تراجعاً بنسبة 35.7% في عام 2015م لتصل إلى 9067.5 مليون ريال عُماني. ومن أجل احتواء تداعيات هذه العوامل على أداء الميزانية، تم اتخاذ إجراءات لترشيد المصروفات الحكومية، الأمر الذي أدى إلى انخفاضها على نحو ملموس بنسبة 9.7% لتبلغ 13698.9 مليون ريال عُماني في عام 2015م. وفي هذه المعطيات، بلغ إجمالي عجز الميزانية في عام 2015م حوالي 4631.4 مليون ريال عُماني.
واصل البنك المركزي العُماني انتهاج سياسته النقدية الملائمة في ظل بيئة اقتصادية اتسمت بتدني معدلات التضخم ونمو محدود في الأنشطة غير النفطية. وانسجاماً مع أوضاع السيولة التي لا تزال مريحة، شهدت الإجماليات النقدية في السلطنة توسعاً بنسب معتدلة خلال عام 2015م. حيث سجل عرض النقد بمعناه الواسع نمواً بنسبة 10% في عام 2015م. وتشير الأرقام إلى أن حجم الإئتمان الممنوح من قِبل مؤسسات الإيداع الأخرى والتي تشمل قطاع البنوك التجارية بالإضافة إلى البنوك والنوافذ الاسلامية، قد بلغ 20.1 مليار ريال عُماني في نهاية ديسمبر 2015م، مسجلاً نمواً بنسبة 12% عن مستواه في نهاية العام الذي سبقه. وسجّل إجمالي الودائع لدى هذه المؤسسات زيادة بنسبة 8% خلال العام ليصل إلى حوالي 19.4 مليار ريال عُماني في نهاية ديسمبر 2015م. ونظراً لظروف السيولة المريحة نسبياً، تراجعت اسعار الفائدة على الودائع والقروض على حد سواء في السلطنة خلال عام 2015م.
بعض الضغوط
انعكاساً لانخفاض اسعار النفط العالمية خلال عام 2015م، شهد وضع ميزان المدفوعات بعض الضغوط حيث سجّل الحساب الجاري عجزاً ملحوظاً مقارنة مع فائض في الأعوام السابقة. وتراجع الفائض في الميزان التجاري السلعي على نحو ملموس بنسبة 64.5% ليبلغ 3.5 مليار ريال عُماني في عام 2015م مقارنة مع 9.9 مليار ريال عُماني خلال عام 2014م، وذلك انعكاساً لتراجع قيمة الصادرات وخصوصاً من النفط الخام. وهنا تجدر الإشارة إلى أن تراجع الواردات بنسبة 4.8% في عام 2015م قد ساهم في الحد من تأثير الانخفاض الكبير في الصادرات على أداء الميزان التجاري السلعي. وقد بلغ مجمل العجز في حسابات الخدمات والدخل والتحويلات الجارية حوالي 7.7 مليار ريال عُماني في عام 2015م مقارنة مع 8.3 مليار ريال عُماني في عام 2014م. وبناءاً على هذه التطورات، سجّل الحساب الجاري عجزاً بمبلغ 4.2 مليار ريال عُماني في عام 2015م مقارنة مع فائض بمبلغ 1.6 مليار ريال عُماني في عام 2014م. وعلى صعيد الحساب المالي والرأسمالي، سجل صافي تدفق للداخل بمبلغ 4741 مليون ريال عُماني في عام 2015م مقارنة مع صافي تدفق للخارج بحوالي 701 مليون ريال عُماني في العام الذي سبقه. وتعكس هذه التطورات الفجوة بين مستويات الادخار المحلي وبين الطلب الاستثماري. اسفر الميزان الكلي للمدفوعات عن تسجيل فائض بمبلغ 235 مليون ريال عُماني خلال عام 2015م، مما أدى إلى زيادة احتياطيات البلاد من العملة الأجنبية بنفس المقدار. هذا، وقد بلغ حجم الأصول الأجنبية الإجمالية للبنك المركزي العُماني حوالي 6745.8 مليون ريال عُماني في نهاية عام 2015م، وهو مستوى يكفي لتغطية واردات السلطنة من السلع لفترة 8 شهور.
الرؤية المستقبلية
ولقد تبنت السلطنة ومن خلال "رؤية 2020م" والخطط الخمسية للتنمية التي تضمنتها هذه الرؤية، استراتيجية للتنويع الاقتصادي وتعزيز دور القطاع الخاص وتحسين مُناخ ممارسة الأعمال من أجل جذب المزيد من الاستثمار الأجنبي المباشر. وقد شهدت فترة الأعوام العشرة ارتفاع حصة الأنشطة غير النفطية في الصادرات السلعية من 16% إلى 41%، في حين نمت مساهمة الإيرادات غير النفطية في إجمالي الإيرادات الحكومية من 14% إلى 22%. وعلى مر السنين، قامت السلطنة بتطبيق سياسات حكيمة على مستوى الاقتصاد ككل الأمر الذي أدى إلى تحقيق نسب نمو مرتفعة في الناتج المحلي الإجمالي بالتزامن مع تضخم محدود بالإضافة إلى نشوء نظام مالي مستقر. تقوم خطط الحكومة لتمويل عجز الميزانية على استخدام الاحتياطيات العامة والإقتراض من السوق المحلي بدون مزاحمة القطاع الخاص بالإضافة إلى الوصول للأسواق المالية العالمية سواء من قِبل الحكومة أو من الشركات التابعة لها. وضمن هذا السياق، نجحت السلطنة عن طريق الأسواق المالية العالمية في جمع 1 مليار دولار أمريكي في عام 2015م بالإضافة إلى 2.5 مليار دولار أمريكي في يونيو 2016م، الأمر الذي يشير إلى الإقبال الكبير من قِبل المستثمرين.
وعلى صعيد القطاع الخارجي، تخطط الحكومة لاتخاذ تدابير في الأمد المتوسط لتعزيز إيرادات السياحة وتعزيز قطاع الصناعة التحويلية وإقرار قانون جديد للاستثمار من أجل اجتذاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية للسلطنة.