الأيدي العاملة .. وتحسين الإنتاجية

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢١/يونيو/٢٠١٦ ٢٠:٠٤ م
الأيدي العاملة  .. وتحسين الإنتاجية

محمد محمود عثمان

توجد اعتبارات عديدة تتطلب تنمية الموارد البشرية حتي تواكب متطلبات التنمية الاقتصادية وتحقيق قيمة مضافة للدخل القومي ، من أهمها العنصر البشري الذي هو الأداة الفاعلة والأساسية للتقدم والتنمية ، حتى أصبح توفير الأيد العاملة الماهرة في المجالات الإنتاجية المختلفة من أكبر المشاكل والتحديات التي تواجه المجتمعات النامية ، التي لا تمتلك قاعدة عمالية مؤهلة ومدربة وقادرة على العمل والإنتاج والابتكار وتحسين الإنتاجية والقادرةعلى اقتحام محاور ومجالات تنويع مصادر الدخل خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها معظم الدول ولا سيما التي تعتمد على الريع النفطي كمصدر أساسي للدخل ، ومن الغريب أن الجميع يدرك هذه الاشكالية، والأغرب هو عدم القدرة على الوصول إلى جوهر المشكلة واقتحامها بجدية ومنهجية تبدأ من وضع المعايير التي تعني بتوصيف الوظيفة ومتطلباتها الذهنية والجسمية والعلمية ، وهى مسؤولية مشتركة بين الحكومات والقطاع الخاص ورجال الأعمال من منطلق المصلحة العامة ، ولا شك أن ذلك يتطلب وجود قاعدة بيانات عن المهن والوظائف الفنية التي يحتاجها سوق العمل خلال الخطة الخمسية أو العشرية المعتمدة ، وقاعدة بيانات حول الأيد العاملة التي لديها دافعية ورغبة حقيقية في التعلم والتدريب واكتساب المهارات ، وقاعدة بيانات أخرى حول المراكز والكليات والمعاهد الفنية والتدريبية القائمة وسعتها التدريبية وتجهيزاتها ومدي قدرتها على توفير البرامج الفنية والتدريبية المناسبة للتخصصات المطلوبة ، إلى جانب دراسة إمكانية إيفاد عدد من البعثات الخارجية في التخصصات غير المتوافرة على المستوى المحلي ، ولا شك أن هذه المهمة لا يمكن أن تتم بالشكل المطلوب بدون التعاون والشراكة الحقيقية بين القطاع الخاص ومؤسساته والحكومة ومؤسساتها ، مع إيجاد آليات للرقابة المبكرة والتوجيه والمتابعة والتقييم المستمر، خلال فترات الدراسة والتدريب ، وبعد التخرج والانتقال إلى العمل الميداني ، لإفساح المجال أمام الكفاءات الحقيقية وأصحاب المهارات والخبرات لتحقيق ذاتهم وبناء أوطانهم ، في إطار الحرص على زيادة الإنتاج وتنويع مصادر الدخل والاستفادة القصوى من ساعات العمل، وهو جانب مهم وعلينا أن نركز على ذلك ليس في القطاع الخاص فقط بل في الوزارت والمؤسسات الحكومية أيضا ،التي يهدر فيها الوقت ، حتى نتغلب على نواحي القصورالشديدة في مجال تنمية الموارد البشرية الحكومية وتشغيلها ومدى استثمار الوقت وبذل الجهد في تطوير الذات والتمكن من آليات العمل المكلف به العامل أو الموظف الحكومي ، نظرا لافتقاد المعايير الدقيقة التي يمكن أن تقيس الأداء قياسا صحيحا ومستمرا ،ولا سيما مع افتقاد التوصيفات التي تحدد واجبات الوظيفة أو المهنة واختصاصات كل موظف أو عامل ، مما يجعل الأداء اجتهاديا ،أو كيفما يتراءى للموظف ،وهذا جعل العمل بلا منظومة ويؤدى ارتجاليا وبدون ضوابط معيارية ، مما يجعل من الصعوبة رقابته أو تقييمه موضوعيا ،وقد انعكس ذلك على الإنتاجية ، خاصة أن هناك تقارير من المنظمات الدولية المعنية تشير إلى أن ساعات العمل الفعلية للموظف الحكومي في عالمنا العربي لا تزيد عن نصف ساعة يوميا ، مما يؤثر على مستوى الإنتاجية ومعدلات التطوير والتنمية ، وقد نشر الاتحاد العربي للتنمية الإدارية في دراسة له إن معدل إنتاجية الموظف العربي 18 دقيقة في اليوم، بينما يبلغ معدل العمل الفعلي للموظف في اليابان وفرنسا وألمانيا أكثر من 7 ساعات يوميا ، وهذا يفسرالفرق بيننا وبينهم ويوضح لماذا يتمسك الشباب العربي بانتظار الوظيفة الحكومية ، بل ويهرب ويتهرب بشتى الطرق من وظائف القطاع الخاص التي قد تفوق في مميزاتها عن بعض الوظائف الحكومية ، والمؤلم في هذا الشأن هو القناعة بأن المستقبل في الوظيفة الحكومية ، ومن هنا تأتي المخاطرعلى التنمية والتقدم في بلادنا العربية التي تحتاج إلى تسارع الخطى وأن تسابق الزمن لتعويض الفجوة الحضارية التي نعاني منها ، خاصة أنه بالمتابعة الميدانية للتعرف على الأداء الظاهري لبعض العاملين ، نجد أن معظمهم ,إن لن يكن جميعهم يحتاج إلى فهم جيد للقوانين المطبقة وإلى كيفية التعامل بروح القانون بما يحقق الصالح العام وانسيابة العمل وتسهيل المعاملات، وهذا يجعلنا نؤكد على أننا تحتاج إلى الكثير من البرامج التدريبية المكثفة على "حالات ومشكلات مختارة من واقع الممارسة الفعلية " تنمي مهارتهم وثقافتهم لتحسين الأداء والإنتاج ، وتنمي الرغبة في التطوير والابتكارللتفاعل مع احتياجات المجتمع ، وأن يكون ذلك هو الأساس للترقيات والعلاوات السنوية.