القاهرة- خالد البحيري
عشرة أيام مضت على انعقاد مجلس النواب المصري، شهدت العديد من حالات الشد والجذب مع الحكومة، وتفجرت العديد من المشاكل الخلافية مبكراً، في الوقت الذي تبرع أعضاء البرلمان بالموافقة على مئات القوانين التي صدرت في غياب السلطة التشريعية خلال الفترة الفائتة، وتحديداً القوانين التي صدرت في عهد الرئيسين، السابق عدلي منصور، والحالي عبدالفتاح السيسي.
قضايا خلافية
أول القضايا الخلافية كانت بسبب قانون الخدمة المدنية المعروف بالقانون 18 لسنة 2015 والذي أثار جدلا كبيرا في الشارع المصري منذ صدوره، وانتقل هذا الجدل إلى أروقة لجنة القوى العاملة، التي أوصت برفض القانون رفضا تاما، ولم يتبقَ سوى عرضه للتصويت بالرفض أو التمرير في جلسة عامة.
واعتبر الكثير من النواب أن القانون غير دستوري؛ نظراً لأنه لا يطبق على القضاء والشرطة والعاملين في قطاع البترول، ويحتسب ضرائب على العلاوات وليس على أساس الراتب، كما أنه لا يضمن تعيين العاملين بشكل مؤقت في الجهاز الحكومي.
ورغم محاولات وزير التخطيط أشرف العربي خلال الأشهر الفائتة شرح مميزات القانون، وأنه يضمن وصول الكفاءات إلى المناصب القيادية، ويسهل الترقيات التي لن تكون رهن مدير المصلحة أو المؤسسة، وإنما وفق ضوابط وقواعد معلنة تضمن الشفافية، إلا أن القانون لا يزال «سيئ السمعة» عند الكثير من منتسبي الجهاز الإداري للدولة.
وفي اتصال هاتفي لـ«الشبيبة» مع عدد من نواب البرلمان أكدوا أن عدد من رفضوا القانون 11 نائبا هم أعضاء اللجنة، والرفض ستترتب عليه أثار سلبية كثيرة منها إعطاء انطباع سلبي في الداخل والخارج عن خطوات الإصلاح الإداري في مصر، كما أن مراكز قانونية كثيرة ترتبت على صدور القانون منذ صدوره، فضلا عن أن الرفض يعني إعادة النظر في الموازنة العامة للدولة، ورد المبالغ التي تحصل عليها الموظفون نتيجة الاستفادة من بعض مواد وبنود القانون.
واقترح عدد من النواب أن يتم تمرير القانون على أن تتم مناقشته وتعديله بشكل كامل في الفصل التشريعي الأول، بدلا من إحداث مثل هذه البلبلة التي لا تخدم الوطن والمواطن، خاصة وأننا مقبلون على ذكرى 25 يناير والدولة في غنى عن أي صدام مع المواطنين.
أما التحالف صاحب اليد الطولى في البرلمان «دعم مصر» فقد بدأ مشاورات ماراثونية في العلن والخفاء من أجل حشد أغلبية الثلثين لتمرير القانون من خلال لتصويت عليه في الجلسة العامة قبل يوم الأحد المقبل موعد انتهاء المهلة الدستورية لإقرار أو رفض القوانين التي صدرت في غيبة البرلمان والتي حددها دستور 2014 بـ15 يوما من تاريخ انعقاد أولى جلسات البرلمان.
الثروة المعدنية
كما رفض نواب البرلمان قانون الثروة المعدنية خلال جلسة تصويت عامة، ولم يحظ القانون سوى بموافقة 164 نائباً عليه بينما رفض 180 آخرون القانون، وامتنع 14 عن التصويت.
إلا أن المستشار مجدي العجاتي ممثل الحكومة تدخل في الجلسة التالية وطلب من المجلس إعادة المشاورة والتصويت على القانون مرة أخرى، وهو ما رفضه النواب، إلا أن العجاتي تمسك برأيه مؤكداً أن اللائحة تؤكد هذا الحق، وطلب د.علي عبدالعال من النواب التصويت على رأي المستشار العجاتي فجاءت النتيجة بالموافقة مما يعني إعادة التصويت على القانون مرة أخرى.
وبحسب ما رشحت عنه جلسة البرلمان – والتي تعقد سرا- فإن نواب محافظة المنيا (جنوب العاصمة المصرية القاهرة بـ350 كم) هم من قادوا رفض القانون داخل البرلمان مؤكدين أنه تسبب في تدمير قطاع المحاجر، وتشريد نحو 200 ألف من العاملين به في محافظة واحدة فقط.
وأكد عدد من النواب أن مواد القانون تحمل استنزافا لثروات الدولة الطبيعية وبيعها بأسعار منخفضة ولا تتفق مع قيمتها الحقيقية وتعود إلينا في صور أدوات وأجهزة مصنعة بأسعار مرتفعة، كما أنه يساعد على عدم التنمية الصناعية بإقامة مصانع متخصصة لتصنيع هذه الخامات وتصديرها للخارج.
معركة المحاسبات
وفي سياق متصل تترقب قاعة مجلس النواب وصول تقرير لجنة تقصي الحقائق التي شكلها رئيس الجمهورية بخصوص تصريحات رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات (أكبر جهاز رقابي في مصر) المستشار هشام جنينة حول حجم الفساد وتكلفته في مصر والتي قال إنها تتخطى حاجز 600 بليون جنيه (76.61 بليون دولار أمريكي)، وكانت اللجنة قد سلمت تقريرها لرئاسة الجمهورية مؤكدة أن رئيس المركزي للمحاسبات تعمد خلط الأوراق وتضليل الرأي العام، مما أضر بالاقتصاد المصري وسمعة مصر الدولية وتسبب في تأخيرها في ترتيب التنافسية ومكافحة الفساد.
من جانبه أحال رئيس الجمهورية التقرير إلى مجلس النواب الذي ينظر أيضاً قانوناً يتيح لرئيس الجمهورية أن يعزل رؤساء الأجهزة الرقابية في حال إخلالهم بالأمن القومي المصري.
ومنذ قرار إحالة التقرير للبرلمان والانقسامات داخل وخارج المجلس حول مستقبل المستشار جنينة لا تتوقف والنقاشات الجانبية بين الأعضاء تؤكد أن الكثيرين منهم يؤيدون خطوة إحالة جنينة للمساءلة، ويتزعم هذا التيار النائب مصطفى بكري عضو تحالف «دعم مصر»، في حين يؤكد آخرون أن مساءلة جنينة تمثل تعدياً على سلطة الرقابة وأن المفروض هو مناقشة التقرير الذي استند إليه جنينة في حديثه عن الفساد.
حجم الفساد في مصر
وفي اتصال هاتفي مع «الشبيبة» قال د.عاصم عبدالمعطي الوكيل السابق للجهاز المركزي للمحاسبات، إن وظيفة الجهاز تتمثل في الرقابة المالية والاقتصادية وتقويم الأداء والتدقيق في البحث المستندي، بالإضافة إلى فحص كافة خطط مؤسسات الدولة ويقوم بإعداد تقارير، كما يراقب كافة أوجه الحياة الاقتصادية والإدارية بكافة المؤسسات العامة، ويسلم التقارير التي يصدرها إلى رئاسة الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس البرلمان.
وطالب العديد من المراقبين بضرورة علنية تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات باعتبارها وثائق عامة تخص مجموع المواطنين بعد عرضها على الجهات التنفيذية والتشريعية للوقوف على أسسها خاصة لدى المختصين، والذين بدورهم يمكنهم أن يقدموا تحليلات متنوعة عبر الصحافة والإعلام عامة للجمهور الأكبر بما يوفر الحد الأدنى من المعلومات ومن المعرفة لنقاش عام حول ظاهرة تؤثر على الحياة اليومية للملايين وهي الفساد.
وعلق الباحث د.عمرو الشوبكي على مسألة إعلان المستشار جنينة لقيمة حجم الفساد في مصر بـ600 بليون جنيه قائلا: لم يصدق البعض الرقم الذي أعلنه المستشار هشام جنينة بأن كلفة الفساد في مصر تقدر بـ 600 مليار جنيه، ولا يزال حتى الآن غير متخيل أن هذا الرقم غير مبالغ فيه، واعتبر أن الرجل قد يكون أخطأ في تقدير هذا الرقم، ومع ذلك وحتى لو كان هذا الرقم مبالغاً فيه فإن هذا لن يغير من الواقع شيئاً بأن حجم الفساد في مصر هائل وأن شبكة المصالح التي تحميه مرعبة، وأن مجرد الاقتراب منه ولو همساً يفتح أبواب جهنم، فما بالنا إذا كان من قام بهذه المغامرة هو رئيس أكبر جهاز رقابي في مصر مهمته وعمله هو مكافحة الفساد فعلاً وليس قولاً.