ألمانيا تحاكم بقايا النازية

الحدث السبت ١٨/يونيو/٢٠١٦ ٠٠:٢٤ ص

ديتمولد (ألمانيا) –
بعد 71 عاما على انتهاء الحرب العالمية الثانية، أصدر القضاء الألماني أمس الجمعة حكمه على راينهولد هانينج الحارس السابق لمعسكر الاعتقال النازي في اوشفتيز الذي قد يكون آخر متهم يصدر عليه حكم لجرائم ارتكبها النازيون.

وكان هانينج (94 عاما) المحاسب السابق لمعسكر اوشفيتز، قال في اعتراف تلاه محاموه خلال المحاكمة «أشعر بالعار لأنني سمحت بوقوع هذا الظلم ولم أتحرك لمنعه». وكان الاتهام طلب السجن ست سنوات لهانينغ الذي قد يحكم عليه بالسجن بين ثلاث سنوات و15 عاما بتهمة «التواطؤ» في قتل مئة ألف يهودي على الأقل.
وأصدر محكمة ديتمولد (غرب ألمانيا) قرارها عند الساعة 12,00 بتوقيت جرينتش في قاعة أعدت خصيصا للمحاكمة بسبب العدد الكبير لوسائل الإعلام وأطراف الادعاء المدني الذين قدموا من الولايات المتحدة وكندا وإسرائيل.
ويؤكد محامو الناجين من محرقة اليهود خلال الحرب وأحفاد الضحايا أن هذه المحاكمة تشكل «خطوة كبيرة ولو متأخرة» في «الدراسة الكاملة لجرائم القتل الجماعية في اوشفيتز».
وهانينغ هو ثالث متهم يحاكم في إطار سلسلة قضايا بدأت في 2011 بإصدار حكم على جون ديميانيوك الحارس السابق لمعتقل سوبيبور، ثم الحكم على أوسكار غرونينغ المحاسب السابق لمعسكر اوشفيتز العام الفائت، بعد عقود من توقف هذه القضايا.
وعلى غرار ديميانيوك وغرونينغ، لا يوجه الاتهام إلى هانينغ أي تهمة بارتكاب عمل إجرامي محدد بل بالتواطؤ في قتل جماعي على نطاق واسع إلى درجة أن كل طاقم معسكر الاعتقال يتحمل مسؤوليته.
وكان يفترض أن يمثل متهمان آخران في قضايا مرتبطة بمحرقة اليهود هذه السنة أمام القضاء. لكن محاكمة أحدهما علقت بانتظار رأي خبراء طبيين بينما توفي الثاني قبل أسبوع من بدء محاكمته.

محاكمة سابقة

في أبريل من العام الفائت مثل موظف سابق في معسكر «أوشفيتز» النازي، أمام محكمة في ألمانيا بعد أن اتهمه الادعاء بأنه شريك في قتل 300 ألف شخص، على رغم عدم ضلوعه في شكل مباشر في أي عملية قتل في المعسكر سيئ السمعة. وتحمل هذه المحاكمة أهمية كبيرة، خصوصاً وأنها قد تكون إحدى آخر المحاكمات الكبيرة للمحرقة النازية، في ظل بقاء عدد قليل من النازيين الذين يشتبه بأنهم ارتكبوا جرائم أثناء الحرب العالمية الثانية، على قيد الحياة.
واعترف أوسكار غروينينغ (93 عاماً)، بأنه كان نازياً متحمساً عندما أرسل إلى العمل في «أوشفيتز» في العام 1942، وكان عمره آنذاك 21 عاماً. ويقول هانز هولترمان، محامي غروينينغ، إن أفعال موكّله لا تجعله شريكاً في القتل. وكان النظام القضائي الألماني يتّفق مع رأي المحامي حتى وقت قريب. وحضر المحاكمة بعض الناجين من «أوشفيتز» من أصحاب الدعوى القضائية، إذ تحدّث بعضهم في مؤتمر صحافي في مدينة ليونبيرج القريبة من هامبورج عشية بدء المحاكمة. وأكدت هيدي بوهم، وهي ناجية تعيش في نيويورك، أنها تريد سماع الحكم بإدانة غروينينج ولكن ليس بدافع الانتقام، إذ إنها لا ترغب في سجنه الآن خصوصاً أنه رجل طاعن في السن.
وأضافت: «يجب أن يعرف من يرتكبون الجرائم اليوم، أنهم سيخضعون للمساءلة في المستقبل، لذا لن يتمكنوا من التوسّل بالقول: أنا مجرد ترس في الآلة ولم أقتل».
وتعدّ القضية غير عادية، خصوصاً وأن غروينينغ، وعلى عكس كثر من الرجال والنساء الآخرين الذين كانوا يعملون في معسكرات الاعتقال، تحدث بصراحة عن الوقت الذي قضاه في «أوشفيتز» في مقابلات أجريت معه، وذلك للتصدي لمن ينكرون المحرقة النازية على حدّ تعبيره. وروى غروينينغ الجرائم الرهيبة التي شهدها في المعسكر، ووصف نفسه بأنه «ترس صغير في العجلة»، فيما أوضح أنه لم يقتل أحداً قط، لذا يعتبر نفسه بريئاً من الناحية القانونية.
وكانت وظيفة غروينينغ في المعسكر، جمع ممتلكات الأشخاص الذين يتم ترحيلهم لدى وصولهم، حيث يتم إخضاعهم لعملية فرز من الممكن أن تنتهي بإرسال كثر منهم إلى غرف الغاز.

محاكمات النازيين الجدد

في مايو من العام 2013 افتتحت في ميونيخ واحدة من اكبر محاكمات النازيين الجدد بعد الحرب العالمية الثانية في المانيا، بعد تأجيلها بسبب جدل، للبت في تسع قضايا تتعلق بقتل اجانب وصفتها المستشارة انجيلا ميركل بأنها عار على ألمانيا.
وقبل أسابيع من موعد المحاكمة أثار تنظيم المحاكمة وخصوصا توزيع الأماكن المخصصة لوسائل الإعلام جدلا حادا في قضية تميزت أصلا بسلسلة فضائح حول التحقيق ما أدى الى تأجيل بدئها الذي كان مقررا في 17 أبريل، إلى السادس من مايو من العام 2013.
وفي البداية لم تخصص محكمة ميونيخ مقاعد لوسائل الاعلام التركية في حين أن ثمانية من الضحايا هم من الأتراك أو من أصل تركي، ما تسبب بأزمة دبلوماسية صغيرة بين برلين وأنقرة.
لكن بعد أن طلبت منها المحكمة الدستورية إعادة النظر في موقفها، قررت المحكمة في اللحظة الأخيرة تأجيل المحاكمة ووزعت بالقرعة المقاعد الخمسين المخصصة لوسائل الإعلام.
لكن الجدل لم يتوقف، لاسيما وأن مجلة نسائية وإذاعات موسيقية حصلت على أماكن وليس بعض ابرز الصحف الألمانية أو وكالات الأنباء الدولية. وهذه المحاكمة لا تضاهيها أخرى من حيث حجمها منذ محاكمة «عصابة بادر ماينهوف» قبل 36 عاما. وفي أواخر أبريل اعتذرت ألمانيا رسميا في الأمم المتحدة عن الأخطاء التي ارتكبت أثناء التحقيق، معترفة بأن عمليات القتل العنصرية هذه تشكل «بدون أدنى شك احدى اخطر انتهاكات حقوق الإنسان في العقود الأخيرة في ألمانيا». وواجهت المتهمة الرئيسية بياتي شابي (38 عاما) عقوبة قاسية بالسجن، وحوكمت للاشتباه بمشاركتها في تسع عمليات قتل لأجانب إضافة إلى قتل شرطية في 2007. كما اشتبه بضلوعها في اعتداءين على جاليات أجنبية و15 عملية سطو على مصرف، بحسب محضر الاتهام. وقد اعلن احد محاميها أنها لا تعتزم التعبير عن موقفها من الوقائع المنسوبة إليها فيما تلتزم الصمت منذ سنة ونصف السنة.
أما شريكاها اوفي بونهارت (34 عاما) واوفي موندلوس (38 عاما) وهما متهمان بالقتل فانتحرا في الرابع من نوفمبر 2011. وشكل الثلاثة خلية النازيين الجدد «سرية-القومية الاشتراكية». كما حوكم أربعة أشخاص يشتبه في تقديمهم مساعدة لوجستية لهؤلاء.
ويدعي ما لا يقل عن 77 شخصا بالحق المدني بمواكبة خمسين محاميا. وسيتم استدعاء 600 شاهد إلى المنصة للإدلاء بأقوالهم في إطار هذه المحاكمة التي قد تستغرق سنتين ونصف السنة.