
يأتي شهر رمضان، فيهرع الناس إلى المجمعات التجارية، يأخذون ما يحتاجونه، وما لا يحتاجونه، وكأنهم يستعدون لأزمة قادمة، يحملون معهم قائمة طويلة من مستلزمات الشهر، كما يتصورونها، قائمة لا تنسى شيئاً، ولا تبالي بثمن، تشاهد أفراد الأسرة يجرون عربات محملّة بأعداد وفيرة من المواد الغذائية والاستهلاكية تكفي لإطعام ألف جائع في العالم.
هذا المشهد يتكرر كل عام، وخاصة قبيل الإعلان عن رؤية هلال شهر رمضان، وكأن هؤلاء الناس يخزّنون هذه المواد لعدة أشهر قادمة، حتى تخال بأن المحلات ستخلو غداً من البضائع!!.. ويتكرر هذا المشهد في أواخر الشهر حين يبدأ الناس بالاستعداد لعيد الفطر السعيد، ويتكرر مرة أخرى عند كل عيد، وعند كل مناسبة عامة، حيث تتوجه ميزانية الأسرة بكاملها أحياناً إلى شراء ما لا تحتاجه، وأحياناً يتم شراء المواد الغذائية التي لا يمكن تخزينها، أو تلك القريبة من انتهاء الصلاحية، والتي تقوم بعض المحلات والمراكز التجارية بعمل تنزيلات عليها، بغية تصريفها سريعاً، ويقع ضحية هذا الأمر المستهلك الذي تغريه البضاعة، ويسيل لعابه العرض، ولا يهتم لقراءة تواريخ الصلاحية، نتيجة تسرّعه وعدم التخطيط المسبق لهذه المناسبات، حيث يكون تحت ضغط عامل الوقت، لذا يقع في العديد من الأخطاء التي ما كان عليه أن يقع بها لو تأنى قليلاً وقام بعمل خطة تسوّق واضحة ومناسبة تحميه من هذا التخبّط.
ولا شك أن مشكلة التخطيط في حياتنا هي مشكلة عامة، ليس على مستوى الاستهلاك فحسب، بل على مستوى الحياة ككل، وهذا ما يجعل كثيراً من مشاريعنا الحياتية متعثرة، ولا تأخذ في الاعتبار مبدأ المراحل، أو منطق الخطوة خطوة، وهذا ما نراه جليّاً في شهر رمضان، والمناسبات العامة، حيث يذهب المستهلك إلى المركز التجاري، وفي يده قائمة من الطلبات الزائدة عن الحاجة، ودون خطة واضحة للشراء، ودون نظرة أو رؤية لمفهوم الصوم كذلك، ومقاصده الدينية والحياتية.
ولأن الأمور تؤخذ بهذا الشكل العشوائي، فمن الطبيعي أن تكون النتيجة فوضوية كذلك، فمعظم ما تم شراؤه لا يستهلك، وإذا استهلك فإن أكثره سيذهب إلى سلة القمامة، وبذلك فقد الصوم الغاية الروحانية النبيلة منه، وكذلك فقد هؤلاء الناس فرصة عظيمة لترميم جزء من حياتهم، سواء على المستوى الديني، أو الصحي، أو الاجتماعي، أو الاقتصادي كذلك.
إن تغيير السلوك والنمط الاستهلاكي في شهر رمضان جزء من أهداف هذا الشهر وغاياته العظمى، والاقتصاد في المأكل والمشرب واحد من هذه المقاصد النبيلة، فقاعدة (خذ ما تحتاجه فقط) هي القاعدة التي يجب تطبيقها في ظل كثير من المتغيرات على المستوى السلوكي العالمي، وليس تكديس كل ما يقع تحت أيدينا من مواد استهلاكية قد لا نستفيد من معظمها، وخاصة المواد الغذائية، وذلك لعدة أسباب من بينها: سرعة التلف، وسوء التخزين، ورداءة التغليف، وغيرها من الأسباب، لذلك علينا تحويل هذا السلوك الاستهلاكي السلبي إلى سلوك حضاري واعٍ يساعدنا على إدارة أموالنا، وحياتنا، ونتحكم فيما نحتاجه، فالمراكز التجارية باقية، والمواد الاستهلاكية متوفرة ـ ولله الحمد ـ في كل وقت، لذلك علينا كبت هذا الشعور المرعب بالشراء (المرضي) الذي نراه في مناسبات هي بريئة مما نفعل، والتحكم في ما نريد، دون تقتير أو إسراف.
وكل رمضان والجميع بخير
Samawat2004@live.com
مسعود الحمداني