النزوح من الفلوجة ليس آمنا

الحدث الاثنين ٣٠/مايو/٢٠١٦ ٢٣:٤٣ م
النزوح من الفلوجة ليس آمنا

عامرية الفلوجة – ش – وكالات

تمتد ثماني أياد إلى الطبق المعدني فهو وجبة الأرز الأولى التي تتناولها هذه الأسرة العراقية منذ عامين بعد هربها من سيطرة تنظيم داعش على مدينة الفلوجة في غرب العراق.
نصبت الخيمة للتو وعلى الأرض فرش بساط من ورق الفقاعات المستخدم للف، ورغم الحر الشديد إلا أن الابتسامة تعلو وجوه ناصرة نجم وابنتها وأحفادها.
وتقول ناصرة المسنة بوجهها الموشوم "كنا نحلم بمثل هذه اللحظة. لم أعد واثقة أن الأرز لا يزال موجودا لهذا لما رأينا الطبق لم نصدق أنفسنا"، وكانت ناصرة بلغت المخيم في عامرية الفلوجة قبل 12 ساعة بعد أن سارت مع عائلتها طوال الليل تقريبا حتى لا يرصدهم حراس التنظيم المتطرف.
وبدأت القوات العراقية قبل أسبوع الاستعداد لعملية واسعة لتحرير الفلوجة في محافظة الأنبار (غرب) وأعلنت صباح أمس الاثنين اقتحام هذه المدينة من ثلاث نقاط.
وحث تقدم القوات العراقية بعض المدنيين على الفرار من مشارف المدينة. ويؤمن المجلس النروجي للاجئين الذين يدير العديد من المخيمات في عامرية الفلوجة المأوى والمساعدات لنحو ثلاثة الاف شخص هربوا في الاسبوع الماضي.
وتكشف شهاداتهم الظروف الصعبة التي يعاني منها نحو 50 ألف شخص لا يزالون عالقين في المدينة شبه المعزولة عن سائر العراق منذ أشهر، والفرار والنزوح في ظل تلك الحرب الطاحنة ليس آمنا.
في خيمة ناصرة، يختصر ماهر صبيح وهو رجل طويل القامة في متوسط العمر الوضع قائلا "كان وزني 103 كيلوغرامات اما اليوم فأنا أزن 71 كلغ". ويقول جميع الوافدين مؤخرا من مدنيي الفلوجة انهم عانوا من انقطاع الخبز والارز.
وتروي مديحة خضير وهي تجلس في خيمتها الفارغة مع ابنتيها "كانت معاناة. اضطررنا إلى طحن نوى التمر لصنع الطحين". وتابعت مديحة التي كانت تسكن في قرية خاضعة لسيطرة المتطرفين بالقرب من الفلوجة "طعمه حامض جدا ولا أحد يريد أكله".
وعندما بدأت تستذكر رحلة الهروب اغرورقت عيناها الغائرتان بالدموع. وقالت مديحة التي غطت راسها بوشاح أحمر "أوكلنا أمرنا إلى الله وحملنا متاعنا ومضينا. عندما لمحنا إحدى شاحناتهم أنحنينا أرضا لكننا نجحنا في النهاية".
تقول رسمية عباس وهي مسنة تلتف بعباءة سوداء بينما تحمل حفيدها البالغ من العمر خمسة أيام بين ذراعيها إن مقاتلي تنظيم داعش كانوا يوزعون حصصا قليلة على الأهالي ويحتفظون بالطعام الجيد لأنفسهم.
وتضيف "بلغ ثمن كيس من السكر (يحتوي على بضعة كيلوغرامات) 50 ألف دينار (40 دولارا) أما الأرز فكانوا يوزعون ربع كيلو أحيانا وهو بالكاد يكفي لإعداد وجبة للاطفال".
وتروي "لم يكن لدينا سوى خبز الشعير الأسمر لو رأيتمونه لرفضتم أن تأكلوه. داعش احتفظ بالأرز والخبز الجيد"، وصلت كل العائلات البالغ عددها 252 أسرة إلى مخيم الفلوجة الجديد مع تدشينه السبت.
وفي الخيم المصفوفة بترتيب نام بعض الأطفال في الظل ليستريحوا من عناء الرحلة وللوقاية من قيظ الظهيرة. أما الأطفال الباقون فملاوا قناني بلاستيكية بالماء او وقفوا في طوابير مع أمهاتهن أمام سيارة إسعاف توزع أدوية.

*-*
محطات من تاريخ مدينة الفلوجة

تقع الفلوجة على نهر الفرات على بعد 50 كيلومترا إلى الغرب من بغداد وشكلت محطة تجارية مهمة رغم حجمها المتواضع نسبيا لكنها كانت كذلك احد مراكز انطلاق شرارة الثورة على الاستعمار البريطاني مع اغتيال ضابط بريطاني عام 1920. وظلت القبائل قوية في هذه المدينة التي كانت مركزا للاضطرابات حتى قبل الاجتياح الأميريكي في 2003.

شبح الغضب
وفي خريف 2004، واجهت القوات الأمريكية مقاومة شرسة وفقدت لدى تنفيذ عملية "شبح الغضب" عشرات الجنود خلال مواجهات ضد الجماعات التي اتخذت في ما بعد تسمية "تنظيم داعش".

مدينة المساجد
تعتبر الفلوجة مركزا مهما في العراق وتسمى "مدينة المساجد" نظرا لانتشار مئات المساجد فيها. وقد لجأ الرئيس العراقي السابق صدام حسين إلى سجن أئمة المساجد المتطرفين رغم أن المدينة لم تكن معادية لنظامه إذ استفادت من سياسات حزب البعث.

جسر بلاكووتر
نصب متمردو الفلوجة في 31 مارس 2003 كمينا لموكب ينقل اربعة رجال أعمال أمريكيين من شركة "بلاووتر" الأمنية الخاصة. تعرض هؤلاء الأربعة للضرب حتى الموت وتم سحلهم في الشارع ثم علقوا على جسر على الفرات. وبات الجسر منذ ذلك الحين يعرف باسم "جسر بلاكووتر".

"فيتنام جديدة"
في 7 نوفمبر 2004 وخلال عملية "فانتوم فيوري" هاجم أكثر من عشرة الاف جندي أمريكي والفي جندي عراقي الفلوجة معقل المقاتلين المعارضين للاجتياح الأمريكي. وكان الهدف من الهجوم استعادة السيطرة على المدينة التي اعتبرت معقلا لتنظيم "القاعدة" في العراق لكنه تحول إلى معركة دامية سجل فيها الجيش الأمريكي اكبر الخسائر منذ حرب فيتنام.
وتفيد مختلف التقديرات أن 95 جنديا أمريكيا قتلوا في هذه المعركة وأصيب أكثر من 500 بجروح. وقتل في المعركة ما بين ألف و1500 مقاتل بالإضافة إلى المئات من المدنيين.

السيطرة على المدينة
سيطر داعش على المدينة في يناير 2014 بعد انسحاب قوات الأمن منها. وكانت المرة الأولى منذ الغزو الأمريكي الذي تسيطر تنظيمات معادية للحكومة على مدينة عراقية. شن بعدها المتطرفون هجوما واسعا في يونيو واستولوا على 40 بالمئة من اراضي العراق وبينها مدينة الموصل ثاني مدن البلاد.