
مسقط - خالد عرابي
تنطلق كل رحلة طيران من الأرض إلى السماء، وبالنسبة للمرأة في الطيران العُماني، فإن رحلتها تبدأ من قاعات الدراسة وحظائر الطائرات ومقصورات القيادة والمكاتب. لرحلة كلٍّ منهن إيقاعها الخاص، لكنهن جميعًا يتّجهن نحو الأفق ذاته، وقصصهن لا تسير في خطوط متوازية منفصلة، بل تتقاطع لتكوّن صورة واحدة للتقدّم الذي يتحقق عندما تصبح الشجاعة هي الثقافة السائدة.
وسط الضجيج والحركة الدائبة في حظيرة الطائرات، تعلّمت المهندسة نصرى الحارثية، مديرة إدارة صيانة الطائرات، أن التميّز يأتي من الاهتمام بالتفاصيل. وبعد أن قضت اثنا عشر عامًا في ضمان سلامة الطائرات أيقنت أن الإتقان يبدأ بالانضباط. واليوم، تحمل نصرى معها نفس الدقّة إلى اجتماعات الإدارة الإستراتيجية، لتكون جسرًا يصل بين المهندسين والإدارة.
وتقول: "حين تُكرّس المرأة العُمانية نفسها لعملها، بإمكانها أن تتفوّق على الأرض نفس تفوّقها على منصّة القيادة. لقد تعلّمت أن الإتقان الفني يمكن أن يتحوّل إلى قوّة تجارية". ثقة نصرى ترسم الطريق لغيرها، فيرون القيادة امتدادًا لإتقان العمل والاجتهاد.
وعلى الجانب الآخر من المدرج، تستعد المساعدة الأولى منال البلوشية للإقلاع، تدقّق في إجراءات ما قبل الرحلة بتركيز يمزج بين الاعتياد والشغف. تتذكّر حين قيل إن الطيران ليس للنساء. لكنها اليوم، تحمل سماعة الرأس، وتحمل معها مسؤولية مهنةً اختارتها بإرادتها ومسؤولية أمومتها معًا. تقول منال: "النجاح ليس فقط فيما تحققه من إنجازات، بل فيما تحافظ عليه ولا تفقده أثناء تحقيقها".
بالنسبة لمنال، النجاح هو أن تُثبت أن الأسرة والعمل يمكن أن يسيرا معًا جنبًا إلى جنب. وجود منال في قمرة القيادة دعوةٌ لغيرها ليحلقوا بأحلامهم أبعد وأعلى، وليعلموا أن الطموح في العمل ورعاية من نحب يمكن أن يحلّقا على الارتفاع نفسه.
وهذه هي القناعة نفسها التي تحملها غدير حسن، رئيسة قسم الحوكمة والمخاطر والامتثال، التي ترى في النزاهة طريقًا للتقدم. بدأت غدير مسيرتها في مجال الشؤون المالية، وهي واحدة من النساء العُمانيات القلائل في هذا المجال، وقد وجدت شغفها في رسم ملامح القيادة المؤسسية.
وتشرح هذا بقولها: "يرى الكثيرون في الحوكمة تقييدًا، لكنها في حقيقتها عامل تمكين إستراتيجي". فبالنسبة لغدير، الحوكمة هي بناء الثقة، وهي تذكّر الجميع من خلال دورها القيادي بأن المسؤولية ليست عائقًا أمام الطموح، بل هي القاعدة والأساس الذي يُبنى عليه.
وفي نهاية الممر، تُراجع زارين البلوشية، مديرة المقصورة، جدول الرحلات الجوية بزيّ رسميّ أنيق وحضور حازم. لقد صقلت الليالي الطويلة والمناطق الزمنية البعيدة قوّتها وشخصيتها، واليوم تقود طاقمها بتعاطف ولد من رحم التجربة التي خاضتها، وبنفس الحنان الذي تقدمه لبيتها وأبنائها. تقول زارين: "يرى الناس الزيّ الرسمي، لكنهم لا يرون التضحيات دائمًا... اللحظات العائلية الفائتة، والليالي الطويلة بعيدًا عن أرض الوطن. يحتاج الأمر إلى قوّة... وإلى حبٍّ كبير للموازنة بين الاثنين".
تتابع فاطمة المرهوبية، مسؤولة التطوير التجاري، مسيرة هؤلاء النساء بإعجاب وفخر. وهي إحدى أصغر الكفاءات في الطيران العُماني وخريجة برنامج قادة المستقبل في الشركة، وغالبًا ما ترى مكتبها محاطًا بمزيج من دفاتر الملاحظات والخطط والتفاؤل الهادئ لشخص يؤمن بأن الفرص والاحتمالات مورد وطني. تقول فاطمة: "رحلتي تدور حول التعلّم والمسؤولية... حول إثبات أن الشابات العُمانيات جاهزات للقيادة متى أُتيح لهن المجال". لقد رأت بنفسها كيف شكلت دقّة نصرى، وتوازن منال، ونزاهة غدير، وتعاطف زارين، الأساس الذي تقف هي عليه اليوم. شخصيتها واثقة هادئة، لكنها تحمل اليقين نفسه... أن القيادة تُكتسب بالمثابرة والفضول للمعرفة.
ومن رحلاتهن معًا، نرى لمحةً من شركة ووطن في حركة دائمة.. عصرية وطموحة. تتحدث نصرى عن "تحويل الدقة إلى إستراتيجية"، موضحةً كيف يمكن للفكر التقني أن يتطوّر إلى قيادة. وترى منال أن "النجاح ليس فقط فيما تحققه من إنجازات، بل فيما تحافظ عليه ولا تفقده أثناء تحقيقها"، وكلماتها هذه تتردد في أروقة الشركة. أما غدير فتنظر إلى الحوكمة باعتبارها "ثقافة تمكين"، مؤكدة أن النزاهة يمكنها أن تدفع المؤسسات إلى الأمام.
بالنسبة لزارين، تكمن القوة في العطاء، وصدقها يختزل معنى أن تمنح ضيوفك في السماء وأسرتك على الأرض القدر نفسه من الحب والاهتمام. وفي تفاؤل فاطمة يتجلّى المستقبل؛ ونرى جيلًا جديدًا مستعدًا لتحمّل المسؤولية.
يكفي أن تقضي يومًا واحدًا في الطيران العُماني لتشعر بهذا الإيقاع؛ إيقاع التغيير الذي ينبض في الأحاديث والاجتماعات وعمليات الإقلاع والهبوط. بين مهندسة شابة تعبّر عن فكرتها، وطيّارة تُرشد متدرّبة، وقائدة تُصغي قبل أن تتحدث.. هذه هي اللحظات التي تُبنى فيها الثقة، بين أشخاص يؤمنون بالغاية نفسها.
وهكذا، من قمرة القيادة إلى المقصورة، ومن قاعة الاجتماعات إلى حظيرة الطائرات، تًسطّر نساء الطيران العُماني فصول قصة الشركة... قرارًا بعد آخر، ورحلةً بعد أخرى، وعملاً شجاعًا تلو الآخر.