مسقط - العُمانية
مع الانتشار الواسع لثقافة الرياضة، وتوسّع مدارك أهميتها ونتائجها بكافّة تصنيفاتها، شهدت رياضة المُبارزة في سلطنة عُمان انتشارًا واسعًا بين الفتيات على وجه التحديد، وحقّقت عددًا من لاعبات المنتخب الوطني للمبارزة مراكز متقدّمة وحصدن جوائز وميداليات في مختلف مشاركاتهن المحليّة والدوليّة. وساعدت هذه النجاحات على كسر الصورة العامّة عن الرياضات القتاليّة خصوصًا، وأسهمت في إبراز قوّة ومهارة الجانب النسائي في المجال الرياضي إجمالًا.
"البداية كانت صُدفة بحتة، وهذه أجمل صُدفة حدثت في مسيرتي الرياضيّة"، هكذا بدأت اللاعبة جنى بنت محمد الشرجية حديثها عن نجاحاتها المتواصلة في رياضة المُبارزة، فتقول: "بدأت في المُبارزة وأنا في التاسعة من عُمري، كانت تشُدني أصوات السيوف وحركة اللاعبين حينما أمرّ على الصالة الرياضيّة، ومن هنا قررت أن أبحث عن طريقة للانضمام".
توضح الشرجية عن بداية مشوارها الرياضي: "في البداية، كان أكبر تحدٍّ هو نظرة الناس لرياضة المُبارزة وعدم معرفتهم بها، فقد كان يتكرّر سؤالي عنها، وكان يلزمني شرحها ووصفها بأنها ليست رياضة عنيفة كما يعتقد البعض، بل هي رياضة تتطلّب ذكاءً عاليًا وتركيزًا ذهنيًا مثل الشطرنج، بالإضافة إلى اللياقة البدنيّة، فهي رياضة أناقة وفكر وتناسب كافة الفتيات".
وأكدت أنّه رغم الصعوبات والمعيقات المجتمعيّة، فإنّ الدعم الأسري هو العمود الفقري لنجاح الفرد، فوالدتها آمنت بالبداية غير التقليديّة لانجذاب جنى إلى هذه الرياضة، وتحمّلت معها جدول التدريب المُكثّف والتنقلات المُستمرة، فكان أقوى وأهم دعم تلقّته الشرجية هو العائلة.
وتشهد على ذلك النجاحات المُثمرة التي حصدتها المُبارزة العُمانية الناشئة جنى الشرجية منذ بداية مسيرتها الرياضيّة في سبتمبر 2020، إذ نالت 28 ميدالية ذهبيّة، و10 ميداليات فضيّة، و7 ميداليات برونزيّة، إلى جانب الميدالية الفضية في الدوري الآسيوي للناشئين، والميدالية البرونزية في بطولة آسيا، كما تُوِّجت بلقب بطلة العرب، وبطلة غرب آسيا، وبطلة دورة الألعاب الخليجيّة.
وتصف جنى لحظات الفوز والحصاد الأول: "الإحساس في تلك اللحظة كان مربكًا جدًا، ولا يمكن اختصاره بكلمة واحدة، كان أشبه بصدمة عاطفية إيجابية. ففي اللحظة التي تأكدتُ فيها من الفوز وحسمتُ النقطة الأخيرة، لم يكن شعوري فرحًا صاخبًا بقدر ما كان هدوءًا عميقًا مصحوبًا بفيضان من الراحة؛ راحة من كل الضغط الذهني الذي عشته، ومن ساعات التدريب الطويلة التي شعرتُ فيها بالإحباط أحيانًا. تلك كانت لحظة إثبات داخلي بأنّ كل التضحيات كانت تستحق".
فالوصول إلى نقطة النجاح أشبه باجتياز حواجز من المطبّات والصعوبات، وليست كلّ المسارات متشابهة. ففي رياضة المُبارزة تُبيّن لنا الشرجية مرورها بهذه المحطّات فتقول: "أثناء التدريب أتجنّب التفكير في النتيجة النهائيّة للبطولة وأركّز فقط على التنفيذ المثالي للحركة الحاليّة أو التكنيك اللحظي، فهذا يقلّل من القلق ويجعلني أعيش اللحظة. قبل البطولة، أضع جدولًا ثابتًا وألتزم به، وهذا يعطي عقلي إشارة بأن كل شيء تحت السيطرة، ويقلل من الضغط النفسي. أمّا أثناء اللعب، فأحاول أن أفصل بين شخصيتي العاديّة وشخصية اللاعب "المُبارز" على البساط".
وأوضحت أنّ شخصية المُبارز يجب أن تكون شديدة التركيز، هادئة، ولا تتأثر بالخسارة أو بقرارات الحكم، فهذا يساعد على عدم أخذ الخسارة أو الخطأ بشكل شخصي، وإنّما كمعلومة تُستخدم للتصحيح في الجولة التالية. وتضيف جنى أن شعارها هو (الخسارة جزء من التعلّم وليست نهاية الطريق)، ممّا يمكّنها من تقليل الضغط النفسي الناتج عن الخوف من الفشل.
وبيّنت أنّ الدافع الحقيقي لتعلّقها واستمرارها في هذه الرياضة هو التحدّي العقلي للرياضة نفسها، فالمُبارزة بالنسبة لها هي "شطرنج حركي وسريع"، يتطلّب منها التفكير والتخطيط والتنفيذ في اللحظة نفسها، وهذا التوازن بين الذكاء والمنافسة هو أكبر دافع.
ومن اللاعبات البارزات أيضًا في رياضة المُبارزة اللاعبة إسراء بنت سيف السيّابية، التي حصدت منذ بداية مسيرتها الرياضيّة في يونيو 2019 على 26 ميدالية ذهبيّة، و10 ميداليات فضيّة، و13 ميدالية برونزيّة، إلى جانب الميدالية الفضية في بطولة العالم المدرسية، والميدالية البرونزية في بطولة آسيا، كما حققت لقب بطولة العرب، وبطولة غرب آسيا، ودورة الألعاب الخليجيّة للشباب، والدوري الآسيوي للناشئين، وبطولة العالم للألعاب القتاليّة، وبطولة البحر الأبيض المتوسط.
وكانت إسراء السيّابية أول لاعبة تنضم إلى المنتخب العُماني للمُبارزة، والحاصلة على أول ميدالية نسائية في هذه الرياضة، حيث بدأت في رياضة المُبارزة من خلال دورة صيفيّة في (صيفي شبابي) الذي نظّمته وزارة الثقافة والرياضة في عام 2019، ومن ثم تم اختيارها كلاعبة في المنتخب.
وعن الصعوبات التي واجهت السيّابية في بداية مشوارها الرياضي تقول: "لم أُواجه صعوبة كبيرة سوى صعوبة السفر مع المنتخب الذي كان جميع أفراده من فئة الذكور، كوني أول فتاة تلتحق بالمنتخب. استمرّت هذه الصعوبة لمدة سنة، ومن ثم بدأت الفتيات ينجذبن إلى هذه الرياضة ولله الحمد".
وفيما يخص مشاركتها الأولى، تذكر لنا إسراء: "شاركت في أول بطولة لي (بطولة الاتحاد) في دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة بعد 6 أشهر من التحاقي بالمنتخب، واستطعت الحصول على أول ميدالية برونزيّة للمنتخب العُماني في هذه الرياضة، وكنت حينها أصغر مشاركة في هذه البطولة".
الكثير من لحظات الفخر والإنجاز التي تشعُر بها اسراء في كُل محفلٍ ترفع به علم سلطنة عُمان، واستمرار مشاركاتها في المُعسكرات المحلّية والمسابقات الدوليّة دليلٌ كافٍ على سعيها الدؤوب في النجاح، وها هي تؤكد على ذلك وتقول: "شعاري دائمًا التميّز في مشاركاتي، وأطمحُ بأن أحصل على الميدالية الأولمبيّة في هذه الرياضة".
وفي هذا السياق، يقول المدرب هشام بن علي كرشود – مدرب المُنتخب العُماني للمُبارزة ورئيس اللّجنة الفنيّة: "رياضة المُبارزة في سلطنة عُمان تُعد من الرياضات الحديثة نسبيًا مقارنة بالرياضات التقليديّة، وقد واجهت في بداياتها عدّة تحديات تم التغلب عليها".
وبيّن أنه من أبرز التحديات التي واجهت دخول رياضة المُبارزة قلّة الوعي والمعرفة باللعبة، فالمُبارزة ليست رياضة منتشرة في المُجتمع العُماني مثل كرة القدم أو ألعاب القوى، لذلك واجهت هذه الرياضة صعوبة في التعريف بها على المُجتمع وكسب اهتمام الناشئين والأهالي. كما أن عدم توفر البُنية الأساسية والأدوات بسهولة منذ البداية كان تحديًا أيضًا، فهذه الرياضة تحتاج إلى تجهيزات خاصة مثل: (الأسلحة، البدلات الواقية، أنظمة التحكيم الإلكترونية).
وأضاف أن من التحديات أيضًا عدم توفر عدد كافٍ من المدربين والحكّام المُؤهلين محليًا، مما أعاق سرعة انتشار اللعبة، وكان من التحديات أيضًا إقناع الأسر والمجتمع بملاءمة هذه الرياضة للفتيات نظرًا لطبيعتها التي تعتمد على القوّة والاحتكاك.
وفي الحديث عن الكيفية التي تم التغلّب بها على هذه التحديات، يقول المدرب: "تم ذلك بتأسيس اللجنة العُمانية للمُبارزة التي وضعت خططًا لتطوير اللعبة ونشرها في المدارس والجامعات، كما تم الاستعانة بخبراء ومُدربين من الخارج لتأهيل اللاعبين والحكّام محليًا، وإقامة دورات تدريبية معتمدة، وتم تنظيم مهرجانات وبطولات طلابيّة للتعريف بالرياضة وتشجيع الناشئين على ممارستها".
الجدير بالذكر أن رياضة المُبارزة تُعدّ من الرياضات القتالية التي تعتمد على السلاح الأبيض، وتُقام داخل حلبة طويلة مع الالتزام بالمساحة، حيث يتنافس اللاعبان بهدف توجيه الضربات بطريقة قانونية لتحقيق نقاط محددة حسب السلاح.
وتعتمد هذه الرياضة على السرعة والتركيز، حيث تُساعد اللاعب على تحسين اللياقة البدنية، وكسب القوّة والتوازن، كما تُساهم ذهنيًا في تعزيز التركيز وسرعة اتخاذ القرار والتخطيط الاستراتيجي. أمّا من الناحية المجتمعية، فتُعلّم هذه الرياضة الانضباط والروح الرياضية.