الجهود التي يبذلها المركز الإحصائي الخليجي لدول الخليج العربية كبيرة للارتقاء بالعمل الإحصائي الخليجي في كافة القطاعات التنموية الهادفة إلى عكس تعزيز المواطنة الخليجية والسوق الخليجية المشتركة، وتجسيد التعاون بين دول المجلس باعتباره واقعًا من خلال الإحصاءات التي تُظهر ما يُنجز في العديد من المجالات وما تحقق في مسيرة التعاون وبناء منظومة إحصائية خليجية يحق لأبناء دول المجلس الفخر بها بما تسهم في ترجمة ما يتحقق إلى بيانات تعكس ما يُبذل في البيت الخليجي، وتعمل جاهدة على توفير قاعدة بيانات لأعمال التخطيط والرؤى المستقبلية.
ولعل ما تمخض عنه الاجتماع الثاني عشر للجنة الدائمة لشؤون العمل الإحصائي بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الذي عُقد في الجبل الأخضر بسلطنة عُمان خلال الفترة من 3 إلى 5 سبتمبر الجاري بتنظيم من المركز الإحصائي الخليجي من موضوعات هادفة، يُسهم في بناء منظومة إحصائية حديثة تستوعب التحوّلات الكبرى في عالم البيانات والإحصاءات من الذكاء الاصطناعي إلى البيانات الضخمة وتوظيفها في دعم صناعة القرار الوطني والإقليمي. الأمر الذي يعزز منظومة العمل الإحصائي الخليجي ويرفد صانع القرار بالبيانات والمعلومات التي تساعده في رسم السياسات والاستراتيجيات التنموية واستشراف آفاق المستقبل بشكل أكثر واقعية وثبات.
والأهمّ من كل ذلك تعظيم الاستفادة من الإحصاءات في دولنا بشكل أكبر مما هو عليه والعمل على أن تكون هذه الإحصاءات هي الأساس في تطوير مشروعاتنا وبرامجنا التنموية واستفادة القطاع الخاص في أعماله واستثماراته من البيانات المفتوحة التي تتيحها أجهزة الإحصاء بدول المجلس كل في دولته، والمركز الخليجي على صعيد دول المجلس مجتمعة.
بلا شك إن الأجهزة الإحصائية الخليجية تشكل أهمية كبيرة في بلورة الخطط التي تساعد حكومات دول المجلس في برمجة أولوياتها وتنفيذ خططها بما توفّره من بيانات ومعلومات عن جوانب التنمية في دول المجلس من خلال الإحصاءات والتوقّعات المبنية على أسس علمية تأخذ في الاعتبار كلّ التطورات والمستجدّات ورسم ملامح المرحلة القادمة للتعاون الخليجي ككتلة واحدة قادرة على مساعدة حكومات دول المجلس على العمل برؤية أعمق وأشمل تساعد على بناء مستقبل أفضل لشعوبها وبناء قدرات قادرة على مواجهة التحديات وإيجاد منظومات عمل تقلل من هذه التحديات وتحوّلها إلى فرص واعدة لغد أفضل.
فالقضايا المحورية التي ناقشها الاجتماع وجدول الأعمال الثري، من شأنه أن يحدد بجلاء شكل العمل الإحصائي الخليجي خلال السنوات الخمس المقبلة، بدءًا من الخطة الاستراتيجية للعمل الإحصائي المشترك 2026–2030، مرورًا بإعداد التقرير الوطني الأول لرصد التقدم في أهداف التنمية المستدامة 2030، وصولًا إلى مشروعات قواعد البيانات الخاصة بالتجارة والبنية الأساسية والسياحة، وحتى الاقتصاد الرقمي.
فمثل هذه الخطة تمثل خارطة طريق طموحة لتعزيز منظومة إحصائية ذكية وموثوقًا بها، تستجيب لمتطلبات التنمية المستدامة وتعزّز التكامل الخليجي المشترك. وتأخذ في الاعتبار تطور الأدوات الحديثة في عمليات الإحصاء ومن بينها الذكاء الاصطناعي وما أحدثه من ثورة معلوماتية وحلول سوف تتم الاستفادة منها في الأعمال الإحصائية بما يختصر الوقت ويختزل الجهد المبذول.
إن ترسيخ العمل الإحصائي المشترك أصبح ركيزة من ركائز صناعة القرار الخليجي في العديد من القطاعات واستشراف المستقبل من خلال البيانات التي يصدرها المركز التي توجه القرار الخليجي المشترك وفي دراسة المستجدّات المتوقّعة بناء على قواعد بيانية دقيقة تسهم في وضع الخطط والاستراتيجيات التي تجعل مجلس التعاون الخليجي منظومة أكثر ديناميكية في مواكبة التطورات الحديثة ومعالجة التحديات المتوقعة من خلال استقراء الإحصاءات وما وراءها.
فهذا التكامل الإحصائي الخليجي والجهود المشتركة في عملية الإحصاء لها دلالات كبيرة على أن العمل في هذا المجال ماضٍ إلى مساره الصحيح للمزيد من العمل التخطيطي الإحصائي الهادف إلى بناء منظومات إحصائية تواكب التطورات المتسارعة التي تشهدها دول المجلس وتتماشى مع ما يشهده العالم من تطور في هذا المجال وتتوافق مع الأنظمة والمعايير الدولية في هذه المجالات.
بالطبع البيانات أصبحت هي الثروة التي تمتلكها الدول والحكومات وتسخرها في خدمة التنمية وتوظيفها أفضل توظيف لتكون بوصلة استراتيجية ترشد الحكومات والشركات والمستثمرين على حدٍّ سواء إلى جادة الصواب في أعمال التخطيط والبناء لمستقبل أفضل. وهو ما يجب وعيه والعمل عليه على كل المستويات والأصعدة لبناء مستقبل أفضل.
نأمل أن تكلّل الجهود التي يبذلها المركز الإحصائي الخليجي في النهوض بالعمل الإحصائي في دول المجلس إلى ما تتطلع إليه الدول والحكومات والشعوب معا لإظهار ما يتحقق خليجيًّا ويسهم في تعزيز البيت الخليجي الموحّد من خلال ما يظهره من مجالات تعاون ويفتح مجالات أوسع للمزيد من التعاون بين الأجهزة الإحصائية التي ترفد هذه المنظومة بالبيانات التي تعكس تطوّر العمل الخليجي المشترك.
علي بن راشد المطاعني