الدكتور خالد الزدجالي يكتب: النقد السينمائي في سلطنة عُمان: بين التيه الجمالي وبوادر التأسيس

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٠١/سبتمبر/٢٠٢٥ ١٢:٣٩ م
الدكتور خالد الزدجالي يكتب:  النقد السينمائي في سلطنة عُمان: بين التيه الجمالي وبوادر التأسيس

 

---

ملامح الحراك السينمائي

يشهد المشهد السينمائي العُماني حراكًا متزايدًا، لكنه ما يزال في مرحلة التجريب، بعيدًا عن الصناعة الاحترافية الراسخة. فجميع الأعمال تقريبًا تندرج ضمن فئة الأفلام القصيرة أو الطلبة، باستثناء ستة أفلام روائية طويلة ضمن الإنتاج السينمائي الاحترافي. ومع ذلك، يعكس هذا الحراك تعطش الأجيال الجديدة للتجريب، ورغبتهم في البحث عن لغة بصرية تعبر عنهم.

على المستوى العالمي، أصبح الذوق العام هو المحرك الأساسي للإنتاج السينمائي، موجّهًا السوق نحو أفلام الحركة والإثارة والتشويق وأفلام الشباب التجارية التي تركز على الإبهار البصري والسرعة والنجومية المؤقتة. أما الأفلام ذات البعد الفني والنقدي العميق، فقد انحصر حضورها في المهرجانات السينمائية المتخصصة، حيث ما زالت تحظى بالتقدير النقدي والجماهيري الواعي هناك، بعيدًا عن شباك التذاكر الذي يلهث وراء الربح السريع.

وعلى مستوى النجوم، تراجع حضور النجوم الكبار مثل روبرت دي نيرو وآل باتشينو وميريل ستريب أمام صعود نجوم شباب أكثر جاذبية وأقل عمقًا. أصبح وجود المخضرمين ثانويًا، وهو ما أضعف العمق الدرامي في كثير من الأعمال المعاصرة، بينما واجه هؤلاء الكبار أزمات مهنية واجتماعية، في ظل هيمنة نجوم المنصات الرقمية الذين يكتسبون شعبية هائلة رغم محدودية موهبتهم، فقط لقربهم من اهتمامات الأجيال الجديدة.

---

مسار التجارب النقدية العُمانية

أما النقد السينمائي في سلطنة عُمان، فلا يزال يتوزع على ثلاثة اتجاهات رئيسية:

الاتجاه الأول هو النقد التأملي الرمزي الذي ينظر إلى الفيلم بوصفه حالة وجودية أو جمالية عميقة، لكنه يغفل أحيانًا التحليل التقني للبنية البصرية والسردية للأعمال.

الاتجاه الثاني هو النقد الثقافي الذي يقرأ الأفلام بوصفها نصوصًا اجتماعية أو سياسية تعبّر عن السلطة والهوية والذاكرة، لكنه قد يتجاهل أحيانًا أن السينما لغة بصرية متكاملة.

أما الاتجاه الثالث فهو النقد الأكاديمي، حيث تُقدّم مقاربات فلسفية وجمالية عميقة في الدراسات الجامعية، لكنها تبقى محصورة في القاعات الدراسية أو المحاضرات النظرية، من دون تفاعل حقيقي مع الأفلام العُمانية المنتجة حديثًا.

أما التجربة التطبيقية غير المدوّنة للنقد في سلطنة عُمان فقد بدأت منذ بداية التسعينيات عبر التلفزيون الرسمي من خلال برنامج "نادي السينما" الذي كان يعرض أفلامًا مميزة ويستضيف نقادًا من داخل السلطنة وخارجها لمناقشتها بعمق. لكن هذه التجربة توقفت مبكرًا بعد عرض الحلقة الثانية من فيلم "غاندي"، حين خشي المسؤولون من تأثيرات الفيلم السياسية، في قرار يعكس جهلًا بقيمة التجربة النقدية آنذاك. كانت تلك فرصة ضائعة لترسيخ وعي نقدي مبكر يساهم في تشكيل جيل أكثر إدراكًا للغة السينما.

لاحقًا، جاءت تجربة "نادي السينما" في نادي الصحافة، حيث نظمنا عروضًا ودورات نقاشية للأفلام، وخلقت تلك التجربة حوارات نقدية ثرية، لكنها توقفت أيضًا بعد فترة قصيرة بسبب النقاشات الحادة التي أثيرت حول بعض الأفلام التجارية أو ما يُعرف بـ"أفلام المقاولات".

ومع بداية الألفية، جاء تأسيس مهرجان مسقط السينمائي الدولي (2001 – 2016) ليشكّل نقلة نوعية في الحراك النقدي التطبيقي. فقد أتاح المهرجان عبر عروضه ونقاشاته المفتوحة مع المخرجين والنقاد مساحات رحبة للنقد، وأسهم المهرجان بجوائزه المختلفة، مثل جائزة الجمهور وجائزة النقاد وجائزة الصحافة، في ترسيخ ثقافة الحوار النقدي، ورفع مستوى التلقي البصري، ومهّد لولادة جيل جديد من الأصوات النقدية. كما ساهمت النقاشات المفتوحة في توسيع أفق المبدعين الشباب وتعزيز ثقافة التلقي النقدي لدى الجمهور المحلي. غير أن توقف المهرجان لاحقًا حرم المشهد من هذه الدينامية، فغابت التجربة التطبيقية الفاعلة.

وعند المقارنة عربيًا وعالميًا، نجد أن نقادًا عربًا مثل سمير فريد وطارق الشناوي وعلي أبو شادي أسسوا لمقاربات نقدية جمعت بين التحليل الفني العميق وفهم السياق الاجتماعي للأفلام. أما عالميًا، فقد ترك روجر إيبرت وديريك مالكوم إرثًا نقديًا ضخمًا يدرَّس حتى اليوم، بينما يواصل جوناثان روزنباوم ومارك كيرمود تقديم قراءات تعكس حيوية النقد العالمي.

---

الحاجة إلى نقد نزيه وشجاع

لكن في سلطنة عُمان، لا يزال النقد السينمائي يفتقر إلى تيار موحّد يجمع بين هذه الاتجاهات الثلاثة ويستجيب لتطورات المشهد المحلي. ويعاني أحيانًا من انتقائية واضحة؛ إذ تتعرض بعض الأفلام لنقد قاسٍ، بينما تمر أعمال أضعف فنيًا دون أي مساءلة، بسبب العلاقات الشخصية أو النفوذ. ومع تداخل الحسابات السياسية والاقتصادية، يتحول النقد أحيانًا إلى أداة صمت أو إلى هجوم انتقائي، بدل أن يكون أداة تحليل وتطوير تدعم الصناعة وتدفعها للأمام.

وقد أدت هذه الأجواء المرتبكة إلى انسحاب عدد من النقاد والمبدعين من المشهد، أو إلى انزواء بعضهم بعد هجمات شخصية أو مهنية. هذا الفراغ النقدي ترك فجوة واسعة بين المنتجين والجمهور، وأضعف النقاشات الجادة التي تعزز وعي المتلقي بالصورة واللغة السينمائية.

في المقابل، لجأ بعض النقاد إلى الكتابة عن تجارب بعيدة مثل السينما الإيطالية والسوفييتية والأسترالية والمغاربية. ورغم أن هذه القراءات تثري المعرفة وتوسع الفهم السينمائي، فإنها تبقى بعيدة عن واقع المشهد العُماني ولا تسهم في تطوير أدوات الجيل الجديد من المخرجين، الذين يحتاجون إلى خطاب نقدي يواكب إنتاجهم ويناقشه بعمق.

---

الخاتمة

النقد السينمائي في سلطنة عُمان ليس ترفًا فكريًا أو مساحة للترف الثقافي، بل حاجة معرفية ومجتمعية لدعم صناعة سينمائية حقيقية. يبدأ هذا النقد من المدرسة، ويمتد إلى الجامعات والفضاءات الثقافية، ليصبح أداة وعي وتحليل، لا مجرد تعليق هامشي.

ما نحتاجه اليوم هو نقد نزيه وشجاع يخرج من قاعة العرض، ينطلق من وعي المتلقي، يُنير الطريق، يرافق ولا يقصي.

كما أن ترسيخ النقد السينمائي يبدأ من التعليم؛ عبر إدراج مناهج تحليل الأفلام في أقسام الأدب والإعلام والصحافة، وتدريب طلاب المدارس على التذوق السينمائي وفهم البنية الفنية للأفلام الروائية والتسجيلية لبناء وعي بصري متين للأجيال الجديدة.