الرياض - وكالات
640 مليون دولار قيمة صفقة إطلاق الأقمار الاصطناعية السعودية الأمريكية
30 قمراً خلال خمس سنوات عدد الأقمار المزمع إطلاقها ضمن الصفقة
تواصل المملكة العربية السعودية خطواتها الطموحة نحو الفضاء، مدفوعة برؤية استراتيجية تسعى لتعزيز مكانتها في مجالات الاتصالات والتقنيات المتقدمة.
وفي ظل شراكات دولية متنامية، تدخل الرياض في تحالفات نوعية تفتح أمامها آفاقاً جديدة للابتكار وبناء بنية تحتية رقمية متطورة، ما يجعل الفضاء ساحة جديدة للتنافس الاقتصادي والتقني بين القوى الصاعدة.
شراكة فضائية
وفي إطار مساعيها لتوسيع قدراتها التقنية وتعزيز حضورها في قطاع الفضاء، اتجهت السعودية إلى إقامة شراكات استراتيجية مع شركات عالمية رائدة، بما يضمن نقل الخبرات وتطوير مشاريع متقدمة تلبي احتياجاتها المدنية والدفاعية.
وكشفت صحيفة "عكاظ"، في 10 أغسطس 2025، عن خطط سعودية لنشر شبكة من الأقمار الاصطناعية للاتصالات في المدار المنخفض، بهدف توفير خدمة إنترنت آمنة وبث البيانات في المنطقة.
ووفقاً لموقع "سيمافور"، توصلت شركة "سبايس بيلت كي إس إيه" السعودية إلى اتفاق مع شركة "آي روكيت" الأمريكية، بقيمة 640 مليون دولار، لإطلاق ما يصل إلى 30 قمراً اصطناعياً، خلال خمس سنوات، بما يتيح بناء شبكة متكاملة لخدمة العملاء التجاريين والدفاعيين.
وكانت هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية قد أعلنت أن اقتصاد الفضاء في المملكة بلغ 8.7 مليارات دولار أمريكي بحلول 2024، شاملاً جميع الأنشطة والصناعات ذات القيمة المضافة المرتبطة بتقنيات وخدمات الفضاء.
ووفق تقرير "سوق الفضاء السعودي 2025"، يبلغ حجم السوق حالياً 1.9 مليار دولار، مع توقعات بالنمو إلى 31.6 مليار دولار بحلول 2035 بمعدل نمو سنوي مركب 12%، مدفوعاً بزيادة الاستثمارات في البنية التحتية الفضائية.
وفي أكتوبر 2023، استثمرت شركة "ASPACE" الصينية مليار ريال (266.5 مليون دولار) لإنشاء مصنع أقمار صناعية متقدمة بالمملكة، مستفيدة من موقعها الجغرافي لتعزيز حضورها في سوق يشكل 70% من قطاع الفضاء العالمي.
فرص وتحديات
ويؤكد المحلل الاستراتيجي وخبير الشؤون الإقليمية والدولية محمد عيد الشتلي أن الصفقة السعودية الأمريكية لإطلاق 30 قمراً فضائياً ستعزز قدرة المملكة في المجال الفضائي.
ويرى في حديثه مع "الخليج أونلاين" أنها خطوة ممتازة ضمن توجه استراتيجي للاستثمار في هذا القطاع، حيث ستدعم قوة خدمة نقل البيانات وبثها وتوفر شبكة متطورة وآمنة وفعالة في المنطقة.
ويضيف الشتلي أن هذا المشروع الفضائي سيساعد المملكة في تلبية احتياجاتها التجارية من خلال دعم سرعة الإنترنت وانتقال البيانات بسلاسة. كما سيعزز الاحتياجات الدفاعية عبر توفير شبكة آمنة ومشفرة لتبادل المعلومات والمساعدة في عمليات الاستكشاف الدفاعي.
ويشير إلى أن منصة الرصد الفضائي ستتيح للمملكة الوصول إلى البيانات وتحليل المعلومات وتبادلها، ما سيعزز دقة البيانات في مختلف القطاعات.
ويلفت الشتلي إلى أن هذه المنصة تهدف مباشرة إلى دعم رؤية المملكة 2030، وترسيخ مكانتها كمركز إقليمي لبيانات الفضاء.
ويرى أن هناك تحديات قد تواجه المملكة في تحقيق طموحاتها الفضائية، منها عدم استقرار منطقة الشرق الأوسط من الناحية الخارجية.
أما داخلياً، فيوضح الشتلي أن التحديات تشمل توفير الكوادر البشرية المدربة بكفاءة عالية، إضافة إلى تحديات تقنية ولوجستية أخرى.
رصد فضائي
وفي موازاة مساعيها لإطلاق الأقمار الاصطناعية، تعزز السعودية بنيتها التحتية الرقمية عبر تطوير منصات متقدمة لتحليل بيانات الفضاء، بما يتيح الاستفادة منها في مجالات متعددة تدعم التنمية المستدامة وتسرّع من تحقيق مستهدفات رؤية 2030.
وذكرت وكالة الأنباء السعودية، في 5 أغسطس 2025، أن مجموعة نيو للفضاء (NSG)، إحدى شركات صندوق الاستثمارات العامة والرائدة في خدمات الاتصالات الفضائية وتقنيات الفضاء، أطلقت منصة الرصد الفضائي للأرض (EO)، وهي أول سوق مخصص لبيانات الرصد الفضائي في المملكة.
وتشغّل المنصة شركة UP42 التابعة لـ(NSG)، بهدف تلبية الطلب المتزايد على حلول الرصد الفضائي المتقدمة.
وتضم المنصة شبكة واسعة من مزوّدي بيانات وصور الأقمار الصناعية عالية الدقة، إضافة إلى مقدمي خدمات القيمة المضافة المعتمدة على أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي والتحليلات، ما يمكّن الجهات الحكومية والشركات المحلية والعالمية من الوصول إلى بيانات متكاملة تدعم التخطيط واتخاذ القرار.
وتغطي التطبيقات المستفيدة من هذه البيانات قطاعات حيوية مثل البيئة، والبنية التحتية، والطاقة، والعقارات، والتعدين، والنقل، والزراعة، والخدمات اللوجستية، وهو ما يتماشى مع مستهدفات رؤية المملكة 2030.
ويأتي هذا الإطلاق بعد استحواذ مجموعة نيو للفضاء على شركة (UP42 GmbH) من "إيرباص"، في ديسمبر 2024، حيث توفر المنصة بنية رقمية سحابية تتيح معالجة الصور والبيانات على نطاق واسع، ضمن بيئة آمنة ومتوافقة مع الأنظمة السعودية.
وأكد الرئيس التنفيذي لمجموعة نيو للفضاء مارتين بلانكن لـ"واس" أن المنصة تمثل أداة استراتيجية لدعم مشاريع البنية التحتية والتوسع العمراني واستثمار الموارد على مساحة المملكة الشاسعة.
بينما أشار مسؤولون بهيئة الاتصالات والفضاء والتقنية إلى أن الجمع بين الذكاء الاصطناعي وبيانات الفضاء سيعزز قدرات المملكة ويدفع نحو تبني التقنيات الفضائية بوتيرة أسرع.
تعاون دولي
ومع توسع برامجها الفضائية وتطور بنيتها التحتية التقنية، تتجه السعودية إلى تعزيز شراكاتها الدولية في مجالات الفضاء والأمن، بما يفتح المجال أمام اندماج أعمق بين قدراتها الوطنية والمنظومات الدفاعية العالمية، ويعزز حضورها كفاعل موثوق في الساحة الفضائية الدولية.
وأشارت صحيفة "العرب" اللندنية، في 6 أغسطس 2025، إلى أنّ المملكة تشهد تحولاً نوعياً في موقعها ضمن سباق الفضاء العالمي، إذ لم تعد طموحاتها تقتصر على الاستكشاف العلمي، بل باتت ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالأمن والتكنولوجيا والاستثمار الجيوسياسي.
وضمن هذا الإطار، يبرز تعاون محتمل مع حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ما يعكس اتجاهاً نحو دمج القدرات الفضائية الوطنية ضمن منظومات أمنية ودفاعية دولية.
وتضخ المملكة استثمارات كبيرة في بنية تحتية متطورة للأقمار الصناعية وتقنيات مراقبة الأرض، إلى جانب برامج تدريب وبحث بالتعاون مع وكالات فضاء عالمية.
وقد شكلت خطوة إرسال أول رائدة فضاء سعودية ريانة برناوي إلى محطة الفضاء الدولية عام 2023، والانضمام إلى "اتفاق أرتميس" بقيادة الولايات المتحدة، دليلاً على جدية الرياض في بناء قدرات بشرية وتقنية متقدمة.
وتتوافق هذه التوجهات مع استراتيجية الناتو الفضائية التجارية التي أُطلقت في قمة لاهاي 2025، التي تدعو إلى التعاون مع شركاء موثوقين من خارج الحلف، مثل السعودية، لتعزيز مرونة البنية التحتية الفضائية وتوسيع قاعدة الموردين.
ويتيح ذلك فرصاً لشركات سعودية للدخول في مبادرات الحلف مثل "بوابة الفضاء الأمامية" ومنصة "سبيس نات"، التي تجمع مئات الشركات الفضائية حول العالم، مع إمكانية المشاركة في إنشاء "احتياطي فضاء مدني" لدعم العمليات في أوقات الأزمات.
هذا الانفتاح يضع السعودية في موقع استراتيجي، حيث يمكنها الاستفادة من خبرات الناتو وشركائه في الأمن الفضائي، مع الحفاظ على خصوصية برامجها الوطنية وتوجيهها بما يخدم مستهدفاتها الاستراتيجية.