بموجب المرسوم السُّلطاني السّامي رقم (2020/82) صدر نظام الأمان الوظيفي للعاملين العُمانيين لتحقيق الاستقرار المعيشي للمُسرّحين من الخدمة لأسباب غير تأديبية، ويحقّ للمواطن بموجب ذلك الحصول على 60 % من الأجر الشهري الذي كان يتقاضاه لمدة تصل إلى ستة أشهر
وبالفعل فإن النظام أسهم في تخفيف التبعات الحياتية للمُسرّحين عن العمل لمدة نصف عام على أمل أن يتمكنوا خلال هذه الأشهر من توفيق أوضاعهم الحياتية والمعيشية وحتى يحصلوا على وظيفة أخرى أو أن يتمكنوا من الدخول في عالم رواد الأعمال ليصلوا في نهاية المطاف إلى الأمل المرتجى وهو الراتب الذي كان يتقاضاه قبل التسريح أو قريبا منه. وبناءً على هذه المسلّمات اتكأ النظام باعتباره يمثل بعض الحل لا كلّه بطبيعة الحال.
إلا أنه إذا لم تتوافر الوظائف لهؤلاء المُسرّحين كيف ستكون أوضاعهم المعيشية؟ وماهي الفرص التي أتيحت لهم ولم يقبلوا بها لكي نقطع عنهم منفعة الأمان الوظيفي، الأمر الذي يتطلب إدارة هذا الجانب بشكل دقيق حتى لا نظلم أحدا في هذا النظام الذي يفترض أن يكون مستقلا، وتكون كافة الجهات المعنية ممثّلة فيه مثل وزارة العمل وهيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة واتحاد عُمّال سلطنة عُمان وأعضاء من مجلس الشورى وغرفة تجارة وصناعة عُمان لكي يسهم في حلحلة هذا الموضوع وفق أدلة وإثباتات تدل على رفض المُسرّح العديد من الفرص الوظيفية حتى نقطع عنه منفعة الأمان الوظيفي وتتم حوكمة الإجراءات لكي تكون أكثر وضوحا وشفافية للجميع.
بل يكون القطع عن أي مُسرّح بقرار من المحكمة بعد أن تُقدم الجهات المختصة ما لديها ما يثبت أنها عرضت الوظائف على المُسرّحين، وعليهم أن يدافعوا عن أنفسهم ليحكم القضاء بالقطع من عدمه، فلا يمكن أن تكون الجهات الحكومية المختصّة هي الحكم وهي الخصم في نظام تأميني يُدفع من جانب الموظفين العاملين في الدولة إلى المُسرّحين، وهو منذ إصداره قبل خمسة أعوام يُستقطع من الموظفين العاملين في أجهزة الدولة وفي القطاع الخاص بنسبة واحد بالمائة من رواتبهم، وبالتالي يدر مبالغ كبيرة شهريًّا ويعاد منحها إلى المُسرّحين عن العمل وفق النظام، بمعنى أن الحكومة لا تتكفل بأي مبالغ إضافية بل ربما هناك فائض في الصندوق، وهو ما يدفع باستمرار هذه المنافع دون نسب أو اشتراطات أسهمت في تراجع مخصصات الأمان إلى مستويات غير مقبولة للمُسرّح لا تفي بأدنى مستحقات الحياة الأساسية من جانب، ومن ثم من الضروري حوكمة التشغيل للمُسرّحين لكي نثبت للجميع أن هذا المُسرّح سوف تقطع عنه المنفعة لأنه لم يستجب لفرص العمل التي عرضت عليه من خلال لجان تمثل الجهات المختصة ذات الشأن وبذلك نكون قد اطمئننا أن هذا المُسرّح لا يستحق منفعة الأمان الوظيفي.
أما تخفيض المنافع وقطعها تدريجيًّا ودفتريًّا وفق افتراضات غير دقيقة واستنتاجات ليس لها علاقة بالواقع فهذا ليس عادلًا ولا يتماشى مع حقوق العامل أو المُسرّح بشكل عام، ويجب أن تكون كل الإجراءات لقطع المنافع واضحة ودقيقة وثابتة مثلها مثل أحكام المحاكم إذا أردنا أن تأخذ العدالة مجراها في هذا الوطن ولا نحمل القيادة مسؤوليات كهذا في نظام تأمين أو أمان وظيفي يكون من المواطن إلى المواطن في الأصل.
فاليوم قد بلغ عدد المُسرّحين 17 ألفا في أحدث إحصائية ولم يثبت لدى الجميع أنهم رفضوا الوظائف البديلة لهم خلال الأشهر الستة الماضية، ولم تعلن الجهات المختصة أن المُسرّحين رفضوها وبالتالي كيف تُقطع عنهم المنفعة؟، وما هو الأساس الذي اعتمد عليه صندوق الحماية الاجتماعية في ذلك؟.
كما أن الجهات الحكومية المعنية التي سنّت نظام الأمان الوظيفي هي الآن بين المطرقة والسندان، بين إصدار الأطر الملزمة وبين القطع غير العادل من جانب آخر، وبين ضغط المجتمع والحرج الذي تسبب فيه قطع منفعة الأمان الوظيفي مما جعل الجهات في وضع يتطلب فيه أن ترفع التماسًا للقيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم /حفظه الله ورعاه/ لتمديد المنفعة، وهكذا يستمر الحال دون معالجات واقعية وإجراءات دقيقة ومحوكمة، وكان عليها أن تعمل بطرق أكثر عملية وتوازن بين كل المعطيات التي أمامها كواقع سوق العمل وكفرص وتطبيق اشتراطات المنفعة حتى لا تقع في هذا الموقف المحرج.
لقد وجدت الجهات المختصة نفسها في إطار أزمة جديدة اسمها المُسرّحون عن العمل وليست لديهم أي مصادر دخل تُذكر، وهم بالطبع يعولون أسرًا ولديهم مسؤوليات اجتماعية وبعضهم يتعين عليه دفع أقساط للبنوك وغيرها من الجهات الدائنة، وذلك يعني توقفهم تلقائيًّا عن الوفاء بتلك الالتزامات واجبة السداد، وقد يتعرضون لمحاكمات وقد يدخلون السجن أيضا لفشلهم في دفع ما عليهم من التزامات مالية. وبالتالي تُضاف هذه الأزمة إلى أزمة الباحثين عن عمل أيضا لتضغط كلها في اتجاه واحد يجب حلحلته بشكل جذري.
فنحن أمام كرة ثلج تتدحرج من أعلى لأسفل وتتضخم مع كل متر تقطعه في طريقها للقاع، وحتى تصل لمستقرّها ومستودعها تصبح ضخمة وقادرة على أن تشكل هاجسًا اجتماعيًّا حقيقيًّا.
فيجب أن تبلور الجهات الحكومية المختصة سياسات واضحة لمنفعة الأمان الوظيفي والباحثين عن عمل وتقوم بمنح هذه المنافع حتى تُصحّح الأمور بشكل أفضل ممّا هو عليه وتفسح المجال أمام الكوادر الوطنية أن تعمل في وطنها من خلال الإحلال الممنهج وحوكمة الإجراءات التي تضبط إيقاع سوق العمل بإحلال كل الوظائف والمهن التي يمكن أن يشغلها المواطنون دون أي نقاش أو تساؤلات، وبعدها نقطع منفعة الأمان الوظيفي، ودون ذلك نحن ندور في حلقة مفرغة لا نعرف إلى أين ستنتهي بنا.
وبالطبع إجراءات كهذه تتطلب جهودا كبيرة ومتكاملة بين الجهات الحكومية المعنية والمزيد من الوقت لمعالجة هذه الاختلالات، لكنه في المقابل هذا دورنا كحكومة نرغب في توفير الحياة الكريمة للمواطنين وفي إصلاح منظومة العمل التي تتيح للمواطن العمل قبل غيره، وفوق هذا وذاك التشوهات في السوق نتيجة أعمال واجتهادات سابقة في إدارة سوق العمل فعلينا تحمّل تبعات تصحيحها.
نأمل أن لا تُقطع منفعة الأمان الوظيفي إلا بحكم من المحكمة تعرض فيه الجهات المختصة كل الدلائل التي تثبت أنها قدمت فرص العمل للمواطنين ورفضوها، ويدافع المُسرّح عن قضيته حتى تكون أكثر عدالة في القطع، ما دام أن الأمان الوظيفي هو من المواطن الموظف إلى المواطن المُسرّح، مثله في ذلك مثل التأمين. ويُعاد النظر في كل إجراءات خصم المنفعة لأنها لا تستند إلى نظام تمت فيه مراعاة مصالح كل الأطراف المعنية وإنما كانت من جانب واحد فقط، وهو ما يعيب هكذا إجراءات قانونًا.
علي بن راشد المطاعني