محمد محمود عثمان يكتب: غزة.. بين الجوع وجحيم الدمار ومسؤولية العالم

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٣/يوليو/٢٠٢٥ ١٣:١١ م
محمد محمود عثمان يكتب: غزة.. بين الجوع وجحيم الدمار ومسؤولية العالم

مأساة إنسانية تسجل في صفحات التاريخ السوداء موت ضمير العالم أجمع شرقه وغربه من المسلمين واليهود والمسيحيين من العرب والعجم وكل الأديان من كل الأجناس، بعد أن فرضت إسرائيل وأمريكا الموت على سكان غزة والتدمير الشامل و المُمنهج للبشر الحجر وكل ما هو فوق الأرض ، وموثق بالصوت والصورة ويشاهده العالم أجمع لحظة بلحظة ـ فمن لم يمت بالجوع مات بغيرة من أسلحة الدمار الإسرائيلية – الأمريكية وفق الخطط التي تستهدف إخلاء غزة تماما من أهلها ليتسلمها ترامب خالية حتى من الأنقاض ليبدأ الاستثمار فيها "ريفيرا الشرق" والاستيلاء على مكنون النفط والغاز على شواطئها ،إلى جانب تمركزها بقاعدة عسكرية بها في مواجهة سواحل البحر الأبيض المتوسط

مع ملاحظة أن إسرائيل لا تستطيع الاستمرار في أي حرب اعتمادا على قوتها أكثر من عشرة أيام وفق التقارير الدولية ، لذلك تدعمها أمريكا بكل قوة ، التي تستطيع وقف الحرب على غزة من خلال مكالمة هاتفية لا تستغرق دقائق كما حدث مع إيران   ولسوف تفعل ذلك بعد التأكد من تنفيذ خطتها كاملة في تدمير غزة ، وتهجير من يبق من أهلها على الحياة طوعا أو يلقى حتفه جوعا أو قتلا وكلاهما مر.

 ومن هنا فهذه المجازر مسؤولية أمريكا بالدرجة الأولى ولابد من المطالبة بمحاكمة ترامب ونتنياهو كمجرمي حرب لأنهم شركاء في المجاعة، وفي الحصار، وفي الذبح ، وعار على العالم أن يظل متفرجا وصامتا أمام 

هذا القتل البطيء والمسرحية الدبلوماسية، والمفاوضات الشكلية المستمرة الخاوية من الصدق ، والتي تجعل من الجوع أداة حرب، بل هو السلاح الأكثر فتكًا للأطفال والكبار

ولنا أن نتساءل عن أي عالم متحضر هذا الذي يجعل من إطعام الأطفال الجائعين مسألة ضغط ومساومات تطرح للنقاش والتفاوض غير المجدي الذي يزيد من فترة الحصار والدمار ، وبعيدا عن الأخلاق والضمير والمثاليات ، فإن تحويل الجوع إلى سلاح، والدبلوماسية إلى شريك في جرائم الحرب، أمر غير قانوني، ينتهك ويدمر القانون الدولي و مبادئ العدالة والإنسانية، 

حيث أصبحت غزة سجلا موثقا ومرآة تعكس العار والتخاذل المذري لدول وشعوب العالم الحر أجمع الذي صار بصمته الم شريكا في هذه الجرائم التي ترتكب في حق أهل غزة والضفة الغربية

لأن الموقف العالمي يعكس إخفاقًا أخلاقيًا في نصرة القيم الإنسانية الأساسية، مثل الحق في الحياة والحماية من العدوان ، في ظل سقوط أعداد هائلة من المدنيين بين قتلى وجرحى، وانعدام سبل الحياة الكريمة.

لذلك الدول ملزمة بالتدخل – دبلوماسيًا أو اقتصاديًا و حتى عسكريًا في حالات الإبادة الجماعية أو الجرائم ضد الإنسانية، وهو ما يجعل الصمت الدولي نوعًا من التقاعس القانوني الجماعي ،وأن فشل مجلس الأمن والمجتمع الدولي في فرض وقف إطلاق نار عاجل يعكس عجز النظام الدولي عن حماية المدنيين ،يعد تقاعسًا عن الالتزامات الدولية و مشاركة ضمنية في انتهاك القانون الإنساني الدولي والمواثيق الأممية الملزمة.

 وإن استمرار الصمت يضعف النظام القانوني الإنساني بأكمله ويهدد جدوى الاتفاقيات الدولية ومبدأ عدم الإفلات من العقاب.

كما أن الدول الداعمة أو الممتنعة عن استخدام نفوذها لوقف الجرائم تتحمل مسؤولية المساهمة أو التواطؤ في الانتهاكات بموجب قواعد المسؤولية الدولية لأنها لم تتخذ إجراءات إيجابية لمنع الانتهاكات من قبل أطراف النزاع.

منذ أن تصاعدت هذه الانتهاكات في قطاع غزة في أكتوبر 2023، مخلّفةً آلاف القتلى المدنيين ودمارًا واسعًا في البنية التحتية، خاصة أن قمة الأمم المتحدة في 2005 ،أقرت التزام الدول الفردية والجماعية بحماية المدنيين من الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والتطهير العرقي، عبر التدخل الدبلوماسي أو الاقتصادي و حتى العسكري عند الضرورة.

ومن المهم بدلا من الصمت المُريب مطالبة المجتمع الدولي بتفعيل آليات المساءلة عبر المحكمة الجنائية الدولية أو لجان التحقيق المستقلة، وممارسة كل أنواع الضغط الدبلوماسي والاقتصادي لوقف القتال فورًا وضمان دخول المساعدات الإنسانية بدون عوائق ، وفتح ممرات إنسانية آمنة عاجلة تضمن وصول المساعدات إلى المدنيين المحاصرين، ثم إحالة ملف الجرائم المرتكبة إلى المحكمة الجنائية الدولية، وفقًا لاختصاصها بموجب النظام الأساسي لروما، حتى تتحمل الدول التزاماتها القانونية والأخلاقية