موسى الفرعي يكتب للشبيبة: غزة بين مثالية ما يُمكن وتراجيديا الواقع

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٢/يوليو/٢٠٢٥ ١٢:٤١ م
موسى الفرعي يكتب للشبيبة: غزة بين مثالية ما يُمكن وتراجيديا الواقع

الإنسانية هي ذلك الخيط الذي يشد اختلافاتنا لبعضها البعض جاعلاً منها عالماً واحدا ومصيرا مشتركا، رغم تعدد الألسنة والوجوه نقف على جوهر واحد، الأمل والفرح والترقب والألم، ففي البدء كان الإنسان الذي يدفعه الحنين إلى الآخر، وفي البدء كانت الأرض هي الوطن الواحد، وبعدها جاءت الفرقة والشتات، وليس في هذا الأمر أي مثالية واهمة، بل ضرورة وجودية تدفعنا إلى المصير الواحد بعيدا عن التشرذم والانقسام، وها نحن نرى الصورة الأكثر إيلاما، لا بصفتها حادثة طارئة بل جريمة ترتكب على مهل، وعلى مرأى ومسمع العالم، حيث ينقض الجوع على الأبرياء في #غزة وعلقت مخالب الخيانة في قلب العالم، إن أول المدانين بهذه الجريمة هو الضمير البشري الصامت إزاء هذا المجاعة التي تأكل الأجساد النحيلة، هذا الصمت الموغل في انهيار القيم وموت الضمير، وثاني المتهمين هي هذه العروبة التي لم يعد يدل على وجودها شيء، عروبة خانعة لا تقاس إلا بأعداد براميل النفط، عروبة قد جفت الدماء في عروقها، وتسلل الصدأ إلى روحها، عروبة تسحق كرامتها دون أن يهتز بها جفن، لم تهزها جيرة ولا يعد قلبها إلى إيقاعها الطبيعي دين أو إنسانية، حتى لم يعد بالإمكان رؤية الأمل ببقاء العدل على هذه الأرض، وكأنما العالم قد اعتاد الظلم كما يعتاد العابرون أضواء الطرق واللافتات، كيف لا وما نشهده في #غزة يقدم إثباتا بأن القتل والجوع مجرد خبر في جريدة، ودموع الأمهات وصراخ الرجال مشهد تلفزيوني، فأي بقاء للعدل ذلك الذي نأمل، وأي إنسانية يمكن أن يدعيها العالم بهذا الامّحاء التام للقيم والأخلاق، وأي حياة تلك التي ينبغي أن تُعاش حين تكون حياة مزدحمة بالبشر فارغة من الإنسانية، #غزة تؤكد أنها الحيُّ الوحيد، وأما العالم فمقبرة كبيرة جدا يتحرك فيها الأموات.