الشبيبة - العمانية
تُعدُّ ولاية نزوى بمحافظة الداخلية من أبرز الوجهات السياحية والثقافية في سلطنة عُمان، لما تملكه من إرث تاريخي عريق ومعالم أثرية شاهدة على فصول متعددة من التاريخ العُماني، إلى جانب ما تزخر به من معالم معمارية وتراثية تجسد الهوية العُمانية الأصيلة.
وتتصدر قلعة نزوى قائمة أبرز المعالم التاريخية والثقافية في سلطنة عُمان، والتي تعكس الطراز المعماري العُماني التقليدي وبراعته، ويجاور القلعة سوق نزوى، حيث يضم الكثير من الصناعات التقليدية المحلية كصناعة الخناجر والفضة، وبيع المواشي والأسماك والخضار والمشغولات اليدوية.
ويُعدُّ فلج دارس -المدرج ضمن قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونيسكو- من أكبر الأفلاج في سلطنة عُمان، حيث يسهم في ري مساحات واسعة من الأرض الزراعية بولاية نزوى، مشكلاً بذلك نموذجًا فعّالاً في دعم الزراعة التقليدية المستدامة، ويجسّد الفلج براعة العُمانيين في ابتكار نظم ري تقليدية مستدامة تتلاءم مع طبيعة المنطقة الجغرافية، ويوجد بداخله حديقة عامة كوجهة سياحية طبيعية لكثير من الزوار، مما عزّز من القيمة البيئية والسياحية للولاية.
وتتمتع ولاية نزوى بموقعها الاستراتيجي المميز بالنسبة لمحافظة الداخلية، حيث تتنوع تضاريسها بين الأودية والجبال والواحات الخضراء، مما جعلها وجهة لعشاق الثقافة والطبيعة، وقد أسهمت المقومات البيئية في جعلها محور اهتمام الكثير من المستثمرين في المشروعات التنموية والسياحية.
وتشهد ولاية نزوى تقدمًا ملحوظًا في مجال التنمية المستدامة، حيث تُنفذ مشروعات استراتيجية تُعزّز من بنيتها الأساسية وتُحسن من جودة الحياة للمواطنين، بالإضافة إلى اهتمام الولاية بالاقتصاد البنفسجي، الذي يُعزّز الاستفادة المستدامة من الموارد الطبيعية ويُسهم في حماية البيئة.
وتتجلى هذه الجهود في مشروعات عديدة أبرزها ميدان الداخلية الذي انطلقت أعماله مع مطلع العام الجاري، ومشروع تطوير محطة النقل العام التكاملية بتكلفة تصل إلى 7 ملايين ريال عُماني، كما تتواصل أعمال تبليط ممرات حارة العقر وترميم سور العقر، حيث بلغت نسبة الإنجاز نحو 20 بالمائة و65 بالمائة على التوالي، في إطار إحياء المواقع التاريخية وتحسين تجربة الزوار، إضافةً إلى مشروع الحديقة العامة الذي حقق نسبة إنجاز بلغت 40 بالمائة، وتسعى هذه المبادرات إلى وضع ولاية نزوى في مقدمة الوجهات السياحية والثقافية في سلطنة عُمان، مما يفتح المجال أمام المستثمرين والزوار للاستفادة من الفرص الاقتصادية المتاحة.
وشهدت حارة العقر بولاية نزوى تحوّلًا كبيرًا في مجال تمكين الشباب ودعم المبادرات الريادية، فقد أصبحت مركزًا حيويًّا يضم أكثر من 78 مشروعًا رياديًّا ووفّرت أكثر من 300 وظيفة شبابية، وقد لعبت هذه المشروعات دورًا محوريًّا في تنمية المجتمع المحلي، من خلال تحفيز الاقتصاد وخلق بيئة حاضنة للابتكار والعمل الحر، بما يعزز من مكانة الحارة كأنموذج ناجح للتنمية المستدامة المرتكزة على المشاركة المجتمعية وريادة الأعمال.
ومن أبرز الأمثلة على هذه المبادرات: إنشاء مشروعات سياحية وتراثية داخل الحارة، شملت المقاهي التراثية والمحلات الحرفية، والمتاحف الخاصة، وتنشيط قطاع النزل التراثية وبيوت الضيافة، وتفعيل أنشطة السيارات الكلاسيكية، إلى جانب تنظيم فعاليات ثقافية أسهمت في رفع قيمة الأراضي والعقارات من 10 ريالات للمتر إلى 1500 ريال عُماني، واستقطبت أكثر من 20 زيارة رسمية سنويًا، في مؤشر واضح على نجاح نموذج الاستثمار في الشباب وتنمية الاقتصاد المحلي من خلال تحفيز القطاعين السياحي والاجتماعي.
وأكّد سعادة الشيخ صالح بن ذياب الربيعي والي نزوى لوكالة الأنباء العُمانية على أهمية المشروعات التنموية التي يجري تنفيذها في الولاية من خلال دورها الحيوي في تعزيز التنمية المحلية وتوفير بيئة جاذبة للمستثمرين، مشيرًا إلى أنّ الولاية تملك إمكانيات كبيرة للاستفادة من هذه المشروعات، مما ينعكس إيجابيًّا على تنشيط الحركة التجارية والسياحية، ويسهم في تحسين مستوى المعيشة للمواطنين.
وأضاف سعادته أنّ الولاية بما تملكه من تاريخها العريق وتراثها الثقافي، ستظل دائمًا ملتقى للثقافة والتاريخ، مشيرًا إلى أنّ المشروعات التي تشهدها الولاية تجسّد رؤية شاملة تهدف إلى تعزيز الهُوية العُمانية وتعزيز الاقتصاد المعرفي، خاصة في مجال ترميم وتطوير الحارات القديمة.
ووضّح سعادته أنّ ترميم الحارات القديمة يمثل جزءًا أساسيًّا من استراتيجية التنمية الاقتصادية في ولاية نزوى، إذ تعد الحارات مراكز تاريخية، ونقاط جذب للسياح والزوار، مما يسهم في تطوير القطاع السياحي وخلق فرص عمل جديدة، مؤكّدًا أنّ هذه المشروعات توفر منصة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، مما يعزّز من المحتوى المحلي وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وأشار سعادته إلى أنّ جهود تطوير الحارات القديمة تعكس حرص الحكومة بالحفاظ على التراث الثقافي، وفي الوقت ذاته تُسهم في بناء اقتصاد معرفي يتسم بالاستدامة، موضحًا أنّ إشراك المجتمع المحلي في عمليات الترميم والتطوير يُسهم في توفير فرص عمل، ودعم المهارات الحرفية التقليدية، مما يُعزّز من قدراتهم التنافسية في السوق، مؤكّدًا أنّ الولاية تسعى لتكون نموذجًا يُحتذى به في التنمية المستدامة عبر الموازنة بين الحفاظ على الهوية الثقافية وتطوير البنية الأساسية.
وتحوي مدينة نزوى الصناعية التابعة للمؤسسة العامة للمناطق الصناعية "مدائن"، ما يقارب من 186 مشروعًا صناعيًّا على مساحة إجمالية تبلغ 7.2 مليون متر مربع، وتجاوز إجمالي حجم الاستثمار التراكمي 504 ملايين ريال عُماني، كما وفرت هذه المشروعات نحو 6100 فرصة عمل، وبلغت نسبة التعمين فيها حوالي 45 بالمائة.
ووضّح المهندس إسحاق بن إبراهيم الخروصي، القائم بأعمال مدير عام مدينة نزوى الصناعية لوكالة الأنباء العُمانية أنّ "مدائن" تستعد لافتتاح مجمع مدائن الريادي في المدينة الصناعية بتكلفة تصل إلى 1.2 مليون ريال عُماني. وأضاف أنه يجري حاليًّا العمل على إعداد الدراسات الاستشارية لمشروع إنشاء منطقة سكنية داخل المدينة الصناعية، كما تمّ الانتهاء من إعداد المخطط العام للمرحلة الخامسة التي تمتد على مساحة 4 ملايين متر مربع.
من جانبها قالت أحلام بنت حمد القصابية مديرة إدارة التراث والسياحة بمحافظة الداخلية لوكالة الأنباء العُمانية إنّ وزارة التراث والسياحة تولي اهتمامًا خاصًا بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، باعتبارها ركيزة أساسية لتنمية القطاع السياحي، مشيرة إلى أنّ الوزارة تعمل على تقديم تسهيلات للحصول على التراخيص، إلى جانب برامج تدريب وتأهيل، وحزم تحفيزية للشركات العاملة في مجالات النزل التراثية والإرشاد السياحي.
وأكّدت على أهمية الحفاظ على الموروث الثقافي العُماني، حيث تبذل الوزارة جهودًا متواصلة في ترميم القلاع والحصون، وتوثيق المعالم التاريخية لتعزيز الحرف التقليدية، مشيرةً إلى أنّ هذه المبادرات تأتي في إطار دعم السياحة المستدامة وتحسين تجربة الزوار.
ووضّحت أن تحويل البيوت القديمة إلى نُزل تراثية يمثل نموذجًا واضحًا لتطبيق مفهوم الاقتصاد البنفسجي (المعرفي)، الذي يجمع بين الحفاظ على الهوية الثقافية وتحقيق قيمة اقتصادية أسهمت في تنشيط الحركة السياحية، حيث استقبلت حارة العقر وحدها نحو 600 ألف زائر خلال الربع الأول من العام