الإسباني المودفار في فيلمه «خولييتا» يتحيز للأمهات

مزاج الخميس ١٩/مايو/٢٠١٦ ٠٣:٣٣ ص
الإسباني المودفار في فيلمه «خولييتا» يتحيز للأمهات

كان –
حينما تذكر السينما الإسبانية فإن اسم المخرج بدرو المودفار يأتي في مقدمة تلك الأسماء لأسلوبه الطليعي واحترافيته في الذهاب إلى موضوعات وقضايا مثيرة للجدل.

وعبر مشواره المليء بالأعمال والإنتاج السينمائي الذي أوصله للفوز بأوسكار أفضل فيلم أجنبي عن فيلمه «السارق» نشير إلى عدد متميز من الأعمال ومنها «التعليم السيئ» 2004 و «من أجل أمي» 1999 و «كيكا» 1993 و «الكعوب العالية» 1991 و «ماتادور» 1986 وغيرها من الأفلام التي رسخته مبدعا يمتلك بصمته حيث أعماله السينمائية ثرية بالألوان المشرقة كما هي شمس إسبانيا المشرقة.

في أحدث أعماله «خولييتا» يأخذنا المودفار إلى حكاية السيدة «خولييتا» ايما سواريز.
تعيش في العاصمة مدريد مع ابنتها «انيتا» ادريانا يجارتي.
تمر حياتهما بمساحة من الصمت إثر رحيل «سوان» دانييل جارو زوج خولييتا ووالد انيتا.
ورغم أن الأزمات تجمع الناس إلا أن هذه الأزمة العاصفة أدخلتهما في صمت مظلم قاس فرّق بينهما، حيث تقرر أن تنفصل انيتا عن أمها دون أبداء أي سبب ما أزّم الأم وضاعف أحزانها، فهي من فقدت الزوج وها هي اليوم تفقد الابنة التي سهرت عليها الليالي واعتنت بها وربتها أفضل تربية ومنحتها كل شيء تريده.
ومن أجل تجــــاوز الذكريات تقرر خولييتا الانتقال إلى الإقامة في مكان مختلف حتى لا تعود بذاكرتها إلى زوجها أو حتى ابنتها العاقة.
وتمضي الأيام حيث تقوم خولييتا بكتابة كافة أحداث قصتها وعلاقتها مع سوان وإنجابها لانيتا وكم آخر من الحكايات.
حتى تلتقي بفنان تشكيلي ترتبط به يحاول أن يخرجها من ظلمة الأيام والعزلة السوداء وألم الوحدة والفراق ولكنها تصر أن تبقى بعيدة عن كل شيء.
ذات يوم تلتقي مع بإحدى صديقات أنيتا التي تخبرها أنها التقت بأنيتا وأن هذه الأخيرة غير سعيدة بحياتها وتعيش الألم والتعب خصوصا بعد أن أنجبت طفلين وفقدت أحدهما، هذا الحادث يجعل خولييتا تترقب من جديد عودة ابنتها التي تظل تحتفل في كل عام بعيد ميلادها رغم عدم حضورها.
وفي إحدى جولاتها وهي تمشي هائمة تفكــــر بابنتها تتعرض لحادث مروري تنقل على إثــــره إلى المستشفى حيث يحاول صديقها الفنــــان التشكيلي مساعدتها من أجل تجاوز ألم الإصابــــة وألم عقوق الابنة.
في تلك الأثناء تصلها رسالة وللمرة الأول من ابنتها تشير إلى العنوان وهو ما تفهمه خولييتا وصديقها الفنان التشكيلي دعوة لعودة المياه إلى مجاريها فتقرر خولييتا أن تسافر لها لينتهي الفيلم مع الاقتراب من المدينة التي تسكن بها خولييتا،متجاوزة عن كل ألمها ولوعة فراق الابنة التي لم تفارقها قط.
الفيلم منذ اللحظة الأولى يتحيز إلى الأمهات بل يظل يشتغل على هذا الموضوع الذي يمثل اليوم الموضوع الأبرز في العلاقات الاجتماعية في أوروبا على وجه الخصوص، حيث تحولت البيوت الأوروبية إلى العاطفة الجافة وعزلة الأبوين عن أبنائهم رغم كل التضحيات التي قدماها لأبنائهم عبر المراحل.
في فيلم «خولييتا» به اللون وبه القضية وأيضا الأداء عالي المستوى والشخصيات التي تثري الحدث بمضامين إنسانية.
الفيلم يعتمد على نص كتبه بدرو المودفار نفسه وهكذا هي عادته، حيث يأتي بالحكاية كذريعة لتمرير الأشكال الفنية التي يرديها وهي دائما مقرونة بلغة لونية مشرقة بالذات في مرحلة علاقة الحب بين خولييتا وزوجها وأيضا إنجابها لابنتها وفي مرحلة العزلة والفراق ذهبت الألوان إلى الرمادية والقاتمة حتى على صعيد الأزياء.
«خولييتا» فيلم ثري بالمضامين الاجتماعية والتأكيــــد على أن إسبانيا تظــــل تتمتـــع بالأسرة المتماسكة حتى رغم عذابات البعض وهو يدعو إلى تعميق قيم التلاحم الأسري حتى رغم انشغال البعض وإقامة البعض الآخر في مدن مختلفة، فالأسرة والعلاقات الاجتماعية والانتمـــاء إلى البيت والأسرة هي مفردات ومعان وقيم يفترض أن تظل حاضرة ونابضة.
في الفيلم مدير التصوير الرائع جان كلود لاريو الذي عمل في عدد من أعمال المودفار وهكذا الأمر مع الموسيقار البرتو اجليزا الذي صاغ عددا من تحف المودفار السينمائية البارزة.
يبقى أن نقول إن سينما المودفار هي سينما الإنسان بلغة فنية عامرة بالألوان.