التهرب الضريبي يفقد الدولة مبالغ طائلة!

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١٦/مايو/٢٠١٦ ٠١:١٦ ص
التهرب الضريبي يفقد الدولة مبالغ طائلة!

علي بن راشد المطاعني

تتعدد وسائل التهرب الضريبي في السلطنة في ظل عدم وجود جهات ضريبية فاعلة وأطر وتشريعات جادة تجرم التهرب الضريبي في البلاد، فصور التهرب الضريبي تمتد من إيجارات الشقق والبنايات وتقليل قيمة الأراضي والمنشآت، وتنتهي بأرباح الشركات وما بينهما الكثير من أشكال التهرب المبيّت عن دفع حقوق الدولة المهدورة من مؤسساتها الرسمية، وغير المراقبة من أجهزتها، وكأن الحكومة غير جادة بما فيه الكفاية في تطوير الأنظمة الضريبية بما يوفر للدولة مبالغ طائلة.
فهذا النظام المعروف عالميا بأنه يشكل مصدرا من مصادر الدخل القومي للدول، بل الكثير منها يعتمد بشكل كبير على الإيرادات الضريبية على اختلافها، فهل نحن لا نرغب في جباية الضرائب المستحقة للدولة؟، وهل التهاون مع دافعي الضرائب تدفعهم إلى التمادي في الهروب من دفع مستحقات الدولة؟، تساؤلات عدة تفرض نفسها في المرحلة الراهنة التي تتأزم فيها الظروف الاقتصادية في البلاد، بفعل تناقص الإيرادات النفطية وانعكاساتها على إيرادات الدولة وعدم تفعيل الأنظمة الضريبية في المراحل الماضية لتكون ذات فاعلية، وحزمٍ في الحد من الممارسات الخاطئة، الأمر الذي من الأهمية مراجعة الأنظمة الضريبية وكفاءتها وقدرتها على تحصيل الضرائب في البلاد والعمل على أن تكون رافدا مهما لخزينة الدولة.
فبلا شك إن الرسوم الضريبية تشكل مصدرا للدخل للحكومات في كل بلدان العالم، بل تزداد في البلدان الأوروبية بشكل كبير وتمتد حتى ضريبة الدخل على الأفراد، وكل الجوانب الحياتية عليها ضريبة للدولة، وتفرض قوانين وعقوبات صارمة على التهرب الضريبي للحدّ من التجاوزات أو الممارسات الخاطئة التي تحرم الدولة من حقوق مكتسبة بقوة القانون وصارمة الإجراءات في التحصيل، إلا أنه في دولنا كل حقوق الدولة مباحة ولا مراعاة لمدى أحقيتها من عدمه، فالكل يتهرب من دفع الرسوم والضرائب ويتحايل على الأنظمة الموضوعة، ويخفض وينقص من القيمة التي يجب أن يدفع عليها رسوم، بل يتمادى البعض وخاصة الشركات المغلقة في تصفير الأرباح، تلافيا من دفع حقوق الدولة المنصوص عليها في القوانين وهكذا دواليك تمضي الأمور في التملّص من دفع ما يجب دفعه وهو ما يفقد خزينة الدولة مئات الملايين من الريالات التي يجب أن تجبى من المقتدرين سواء أفرادا أو شركات ويعاد تدويرها في شكل خدمات يستفيد منها كافة المواطنين.
إن الضرائب كما وردت في النظام الأساسي للدولة تعد من المبادئ الاقتصادية، والاجتماعية عرفت بالآتي " الضرائب والتكاليف العامة أساسها العدل وتنمية الاقتصاد الوطني وإنشاء الضرائب العامة وتعديلها وإلغاؤها لا يكون إلا بقانون ولا يعفى من أدائها كلها أو بعضها إلا في الأحوال المبينة في القانون ولا يجوز استحداث ضريبة أو رسم أو أي حق مهما كان نوعه بأثر رجعي " و شرع الكثير من القوانين الخاصة بالضرائب لتنظيم الأعمال الضريبية، مثل ضريبة الدخل على الشركات وتعديلاته وقانون ضريبة الأرباح وغيرها من التشريعات، بهدف تنظيم دفع الضرائب من الجهة المختصة وهي الأمانة العامة للضرائب التي عليها مسؤوليات كبيرة في النهوض بأدائها والعمل على تنظيم فاعل لدفع مستحقات الدولة وإيجاد مصادر بديلة للإيرادات المباشرة، وسن آليات أكثر قدرة على التحكم في دفع الرسوم والضرائب وتشديد العقوبات على المتهربين.
فالإحصائيات تشير إلى أن عدد الشركات التي تدفع ضريبة لا تتجاوز 4 آلاف شركة فقط من أصل أكثر من 300 ألف شركة تعمل في البلاد مما يشير إلى أن هناك نسبة كبيرة جدا من الشركات لا تؤدي هذه الخدمة للدولة في حين تتمتع بمزايا عدديدة في استغلال المقومات والمناخ الاستثماري والخدمات المدعومة والتسهيلات، ولعل التسهيل والإعفاءات التي سنتها الحكومة في السنوات الماضية هي منهيات لكثير من الشركات وعدم الالتزام بدفع الضرائب ووجود ثغرات في النظم والقوانين ساعد الكثير على التملص من دفع هذا الالتزام الوطني؟.
وحسب البيانات فإن إيرادات الدولة إلى نهاية شهرنوفمبر من 2015م بلغت 7مليارات و 981 مليونا و 800 ألف ريال بانخفاض قدره 36 بالمائة مقارنة مع نفس الفترة من عام 2014م ، منها 5 مليارات و 21 مليونا و 700 ألف ريال إيرادات نفطية ، ومليار و285 مليونا و 700 ألف ريال إيرادات الغاز، أما الإيرادات الضريبية الجمركية فبلغت 197 مليونا و 200 ألف ريال ، وأما ضريبة الدخل على الشركات فقد بلغت 427 مليونا و500 ألف ريال بارتفاع بلغ 4.5 بالمائة، وبلغت الإيرادات الرأسمالية 11 مليونا و100 ألف ريال بانخفاض قدره 9 بالمائة، في حين بلغت الإيرادات الأخرى مليارا و38مليونا و800 الف ريال بانخفاض 11.8 بالمائة، وتكشف هذه الإحصائيات العديد من الجوانب التي يمكن الوقوف عليها منها انخفاض الإيرادات بشكل عام بنسبة 36 بالمائة نتيجة انخفاض أسعار النفط، وانخفاض الإيرادات الضريبية والرسوم بشكل عام إلى مستويات متدنية لا تساعد في تغطية تراجع الإيرادات النفطية على عكس المفترض أن تكون مساهمتها كبيرة حيث إن نسبة 12 بالمائة من الأرباح تعد ضئيلة بالمقارنة من العديد من الدول ومع ما توفره الدولة للشركات من تسهيلات غير محدودة، فضلا عن الخلل في آليات تحصيل الضرائب من الشركات والأفراد وإيجاد النظم التي تجرّم التهرب كما هو معمول في الكثير من دول العالم وهو ما يساعد الكثير على اللجوء لأساليب ملتوية في عدم دفع الالتزامات الضريبية المفروضة عليه.
إن المرحلة القادمة تقتضي سن الضرائب والرسوم مقابل تسهيلات غير محدودة للقطاع الخاص والأفراد لممارسة الأنشطة الاقتصادية في البلاد وحفز الاقتصاد الوطني، وتعزيز ديناميكية السوق بشكل أكبر مما هو عليه وتحسين المناخ الاستثماري والقضاء على أوجه البيروقراطية والتراخيص وإنهاء تداخل الاختصاصات بين الجهات الذي يعيق العمل في الكثير من الجوانب.
بالطبع هناك من يلتزم بدفع الالتزامات الضريبية المعمول بها ووفق أنظمة محاسبية معروفة عالميا، إلا أن السواد الأعظم من الشركات والسكان يتهربون من الرسوم والضرائب ويتم التحايل عليها بالعديد من الطرق والوسائل التي تخفض من الإيرادات الضريبية.
نأمل أن تسنّ القوانين الملزمة والآليات الفاعلة التي تفرض الالتزام بحقوق الدولة وعدم التهاون أمام المتهربين من أداء هذه الحقوق والتوعية بخطورة التهرب، بل وتجريمه كأحد السبل التي يفترض العمل عليها لتلافي الممارسات الخاطئة في هذا الشأن وغيره.