إجازة الأمومة هي حق أساسي للمرأة والطفل، وتختلف فترات إجازة الأمومة من دولة لأخرى، حيث أن غالبية الدول الأوروبية تمنح فترات إجازة وضع مدفوعة الأجر طويلة بالمقارنة مع بعض الدول العربية.
فإجازة الأمومة ضرورية لكل أم لحاجتها لوقت من الراحة والتعافي لما بعد الولادة والعناية بالمولود، كما أن منظمة العمل الدولية ركزت على أهمية إجازة الامومة وتنصح بمنح 14 أسبوعاً على الأقل للموظفة كإجازة أمومة أي 98 يوم.
وفي السلطنة صدر قانون العمل الجديد بالمرسوم السلطاني رقم 53/2023 وتم تغيير إجازة الأمومة من 50 يوماً الى 98 يوماً لتغطية فترة ما قبل الولادة وما بعدها شاملةً الراتب بالكامل للأم، وينطبق ذلك حتى على الموظفة بعقد مؤقت أو حتى بعقد تدريب وتشمل الاجازة حتى المرأة التي تقوم باحتضان طفل يتيم حال لم يتجاوز ثلاث أشهر.
وزيادة على هذه الاجازة يجوز منح العاملة بناء على طلبها إجازة بدون اجر لرعاية طفلها لمدة لا تتجاوز عاما وذلك تعزيزاً لمكانة الاسرة وتماسكها.
كما أنه بعد انتهاء مدة الاجازة تستحق العاملة المرضعة ساعة يوميا لرعاية طفلها، تبدأ بعد انتهاء إجازة الوضع لمدة عام واحد ويترك تحديدها للعاملة، وتحسب هذه الساعة من ضمن ساعات العمل الفعلية.
ومقارنة بدول الخليج يتضح أن السلطنة هي أكثر دولة تقدم إجازة الامومة للموظفة، فمثلاً في مملكة البحرين طبقاً للمادة 32 من قانون العمل البحريني تحصل العاملة على إجازة وضع مدتها 60 يوم تشمل المدة التي تسبق الوضع بشرط تقديم شهادة طبية ويجوز تقديم إجازة مدتها خمسة عشر يوم فقط بدون أجر علاوة على الاجازة السابقة. أما في المملكة السعودية وفق المادة الحادي والخمسون بعد المئة من نظام العمل السعودي للمرأة العاملة الحق في إجازة وضع بأجر كامل لمدة 70 يوماً توزعها كيف تشاء وفي حال أنجبت طفل مريض أو من ذوي الاحتياجات الخاصة لها الحق بإجازة شهر بعد انتهاء مدة إجازة الوضع وممكن تمديد الاجازة دون أجر.
أما بالدول العربية الأخرى مثل جمهورية مصر العربية فإجازة الامومة تتجاوز ال 98 يوماً فتصل الى 4 أشهر أي 112 يوماً وذلك وفق المادة 50 من قانون العمل المصري.
ولكن بالمقارنة ببعض الدول الغربية مثل بريطانيا والنرويج وألمانيا واليونان والسويد واليابان والتي تعتبر الدول التي توفر اجازات سخية أكبر للأمومة والتي تتفاوت بين 270 يوماً وحتى 525 يوماً.
إجازة الامومة مهمة جداً للمولود، فهذه الاجازة توفر الوقت اللازم لرعاية المولود والتأقلم مع احتياجاته خلال الأسابيع الأولى من حياته وتمنح الأم الوقت الكافي لتنظيم حياتها الشخصية والمهنية بعد الولادة مما يعزز من قدرتها على الموازنة بين متطلبات العمل ومسؤوليات الاسرة.
فلو لم يخصص القانون إجازة للأمومة وبمدة كافية؛ فإنه ستواجه الأمهات صعوبة في التوفيق بين العمل والحياة الأسرية عند ولادة مولود جديد، مما سيسبب تقصير في حق المولود خاصةً إذا لم يكن هناك مساعدة من الاهل في رعاية الطفل وقت عملها، الآمر الذي يؤدي الاتكال على الحضانات الخاصة أو عاملات المنزل.
وفي كل الأحوال زيادة أيام إجازة الأمومة تعتبر نقطة إيجابية وفقاً ما جاء بقانون العمل الصادر بالمرسوم 53/2023، وتدل على مدى اهتمام السلطنة بالمرأة ومراعاةً لفطرتها ومكانتها المجتمعية من جميع النواحي.
وعلى الرغم من هذا التقدم الإيجابي في إعانة الامومة إلى أن النساء قد تواجه تأثيراً سلبياً على توظيفهن وترقيتهن والحصول على العلاوة السنوية المناسبة، وهذا طبيعي من منظور صاحب العمل حال غياب الموظفة فترة عن العمل بأنه قد تترتب أعباء وتكاليف إضافية على مؤسسته لتغطية غياب الموظفة أثناء إجازة الأمومة، ونقص الكادر الوظيفي كذلك، وهنا قد تحتاج الشركات الصغيرة الى تخطيط مالي مسبق وتوزيع المهام بشكل واضح لتفادي ذلك.
والسؤال هنا هل سنرى تقليل في توظيف النساء بشكل عام مستقبلاً بسبب طول الاجازة؟ وهل سيكون هناك تأثير حول تعيين النساء المُقدمات على الزواج وحصرهن بين العمر 23 وحتى 30؟ وهل سنتوصل الى قرار يحدد نسبة محددة اجبارية لتوظيف النساء؟ الآمر الذي يجعل الشركات مجبورة لتعيينهن حسب معايير الأفضلية والكفاءة وليس الجنس.
ولما أكد النظام الأساسي للدولة ان المواطنين جميعهم سواسية أمام القانون، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، ولا تمييز بينهم في ذلك، ولكن من الطبيعي لصاحب العمل خاصة لدى الشركات الصغيرة أن يرى كل الجوانب السلبية والإيجابية التي قد تؤثر عليه في توظيف أي شخص سواء كانت امرأة أم رجل، ومن الطبيعي أن تكون ضمن هذه السلبيات للمرأة هي إجازة الامومة 98 يوماً هي فهذه المدة ستكون ضمن الاعتبارات التي ممكن ان يُقاس عليها حين نظر طلب التوظيف المُقدم خاصة المرأة الحامل والذي يحق لها ما يقرب أكثر من ثلاثة أشهر من الغياب، بجانب أن لديها الحق في التقدم بطلب إجازة لمدة عام كامل بدون أجر وفق ما نصت عليه المادة (83) من قانون العمل الجديد، وحين وضع هذه المادة بجانب إجازة الأمومة فإن ذلك يعني أن المرأة ممكن أن تأخذ إجازة لمدة 463 يوم تقريباً، وبالتالي لا يمكن أن يكون هذا الأمر إيجابياً في كل الأحوال.
ورغم أن الاجازة توفر الدعم للأمهات الجدد خلال الفترة الحاسمة في العناية بالمولود الجديد، إلا أن الواقع يمكن أن يعطل استمرارية عملهن بشكل مؤقت مما يعكس ذلك على إستحقاقهن للترقية والعلاوات السنوية والعمل بشكل عام.
فالانقطاع المؤقت عن مكان العمل يؤثر على المشاريع والمهام المستمرة التي تقوم بها المرأة، كما أن الاجازة إذا استمرت أكثر من ثلاثة أشهر قد تكون هناك حاجة لمواكبة التطورات والتغيرات عند العودة، مما قد يؤثر على إنتاجيتها المباشرة وتحتاج الى وقت للتأقلم، فمن الطبيعي أن العمل قد يحتاج إلى التكيف مع غياب وعودة أحد أعضاء الفريق، مما قد يؤثر على سير العمل والتعاون مؤقتاً لحين أن يعتاد الشخص على ذلك وعلى مواكبة طبيعة العمل من جديد، وقد يتطلب هذا التحول التواصل والتنسيق الفعال بين الموظفين، وقد يحتاج أصحاب العمل إلى التخطيط لبدائل مؤقتة أو إعادة توزيع عبء العمل خلال فترة إجازة الأمومة لدعم سير العمل بسلاسة.
بجانب تأثير إجازة الأمومة الممتدة أيضاً على الجداول الزمنية للتقدم الوظيفي - مثلما أسلفنا، وهذا أمر لا مفر منه وهنا تحتاج النساء إلى التفكير في كيفية وضع أهدافهن المهنية على المدى الطويل.
ولتجنب السلبيات أعلاه، أصدرت بعض الدول الأوروبية سياسات بمنح إجازة للوالدين مقسمة بينهم، مما يسمح لكلا الوالدين بتقاسم فترة الإجازة بعد ولادة الطفل، هنا تتجنب الأم التأثير على عملها بشكل أقل خاصة اذا كان دخل الأم أعلى من دخل الاب وهي العائل الأكبر للأسرة.
وعلى الرغم من أن المجالات أصبحت مفتوحة للمرأة الى أنها وحتى اليوم تطالب بالمساواة في المراكز القيادية والإدارية رغم تمكينها من ذلك.
ومع مرور الوقت سيتضح لنا مدى تأثير إجازة الامومة على تعيين النساء في الوظائف، فمن المهم لأصحاب العمل إنشاء سياسات وبيئات عمل داعمة تسمح للمرأة بالموازنة بين مسؤولياتها المهنية والشخصية، وتعزيز قوة عاملة متنوعة وشاملة.
وفي النهاية أوجه كل التحية لكل امرأة وصلت الى مناصب قيادية وناجحة في عملها وأثبتت فعلاً أنها قادرة على مواجهة جميع الظروف رغم المسؤوليات التي تتحملها تجاه عائلتها ، فالوصول الى القمة والبقاء عليه ليس سهلاً.