يشهد العالم مرحلة مثيرة للاهتمام، حيث تبذل كل دول العالم الجهود لتعزيز النشاط الاقتصادي وتمكين المواطنين من تحقيق مستقبل أكثر أماناً واستقراراً.
لقد تركت العوامل السياسية، والاجتماعية، والتكنولوجية والبيئية أثراً وأحدثت تغيرات سريعة في أنماط الحياة، وعادات المستهلك والممارسات التجارية – ومع ذلك فيمكن أن نجد العديد من الفرص للنظر بإيجابية إلى هذه التغيرات، وإنشاء سبل جديدة للمبادرات التي تدعم أهداف التنمية طويلة الأمد.
في وقت سابق من هذا العام، أطلق جهاز الاستثمار في سلطنة عُمان، صندوقاً برأس مال يبلغ 5.2 مليار دولار أمريكي، بهدف تشجيع الاستثمارات في شركات القطاع الخاص، والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة. ومن المتوقع أن يدعم هذا الصندوق الذي أطلق عليه اسم "صندوق عمان المستقبل"، قطاعات مثل السياحة، والتصنيع، والطاقة الخضراء والموارد البحرية والتكنولوجيا.
تعتبر هذه الخطوة مهمة جداً لدعم أهداف التنويع الاقتصادي - ومن المشجع أن يتم تسليط الضوء على قطاعات متنامية تتمتع بإمكانات إضافية، وأن يحظى رواد الأعمال - الحاليون والطامحون على حد سواء - بالدعم المالي وبدفع يزيد من ثقتهم.
يقال إن الشركات الصغيرة والمتوسطة تشكل العامود الفقري للاقتصاد والمحركات القوية للتنمية الاجتماعية، حيث تنشأ فيها حوالي 70% من الوظائف ومن الناتج المحلي الإجمالي في كل أنحاء العالم، وذلك وفقاً للبيانات التي نشرها المنتدى الاقتصادي العالمي في العام 2022.
ولكن الشركات الصغيرة والمتوسطة معرضة للتأثر بشكل أكبر ببعض التحديات والصعوبات، كالتضخم، وارتفاع التكاليف، وحتى أبسط التغيرات في سلسلة التوريد أو الطلب في السوق ستؤثر بشكل كبير على إيراداتها. كذلك، وبما أنّ هذه الشركات لديها عادةً أعداداً قليلة من الموظفين، فإنها ستشهد على الفور تباطؤاً في الإنتاجية في حال واجهت نقصاً في المواهب أو ارتفاعاً في معدلات تبديل الموظفين.
إن القدرة على توسيع نطاق الأعمال، والمنافسة وتأمين الأموال كلها تشكل تحديات تواجه الشركات الصغيرة والمتوسطة، ولهذا السبب فإنه من المهم جداً اعتماد النهج الاستراتيجي لدعم مثل هذه الشركات، كما نشهد في سلطنة عمان.
هناك العديد من المبادرات التي تدعم نمو الشركات الصغيرة والمتوسطة، إلى جانب عمليات التمويل. فتنظيم ورش العمل لأصحاب الشركات الناشئة بقيادة رواد الأعمال وأصحاب المشاريع المخضرمين، إضافةً إلى برامج التوجيه، وتعزيز التركيز في المؤسسات التعليمية على تعليم ريادة الأعمال، كل ذلك يمكن أن يساهم أيضاً في تحقيق هذا الهدف.
كذلك، تشكل الاتحادات الخاصة بالقطاع، وشبكات الأعمال منصة تسمح لرواد الأعمال بمعالجة التحديات المشتركة، والمرتبطة بارتفاع التكاليف، واستبقاء الموظفين ومتطلبات السوق معاً.
أعتقد أن رواد الأعمال العمانيون يملكون فرصة ممتازة للاستفادة من المكافآت العالمية التي تمثل تحدياً للعلامات التجارية الدولية التي قامت باحتكار العديد من الأسواق على المستوى الدولي. من شأن التسوق المحلي أن يؤمّن سلسلة من المكاسب والتي تتضمن الحد من البصمة الكربونية وكل ما يسبب التلوث، بموازاة استعمال المصادر التي تتوفر محلياً، وتقديم خدمة أفضل ومُوجّهة بشكل أكثر تخصصاً، وتهيئة الأرضية للنمو على صعد الوظائف المحلية والإنتاج والإيرادات.
تستفيد الشركات المحلية من أعلى مستوى من القدرة على الاتصال بأسواقها والترابط معها، وهي قادرة على التعامل بسهولة أكبر مع المستهلكين بغية ضمان تلبية الطلب في السوق بأفضل فعاليّة وكفاءة ممكنة.
أكثر من ذلك، تعزز الشركات المحلية المشهد السياحي العام لأي بلد، باعتبار أن المسافرين يحرصون على التعامل مع العلامات التجارية والتفاعل مع التجارب التي تمثل ثقافة وجهتهم وتعكس تراثها ومواردها الطبيعية.
وبطبيعة الحال، لا يجب أن يفهم هذا التوجّه بأنه دعوة لاقتصار عمل الشركات الصغيرة والمتوسطة على السوق المحلية - بل من الضروري أن نشجع روّاد الأعمال على التوسّع إلى أبعد من حدود دولهم، عبر المنطقة الإقليميّة وعلى المستوى الدولي. توجد إمكانات كثيرة على صعيد صناعة السياحة، ولا سيما من حيث عقد الشراكات مع اللاعبين الإقليميين وكذلك مع الشركات الدولية، فضلاً عن تقديم عروض متكاملة كفيلة بتأمين مجموعة متنوعة من التجارب للزوار.
يجب أيضاً حثّ الشركات الصغيرة والمتوسطة على أن تتكيف مع تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وأن تطبقها بأساليب مبتكرة، بهدف تقديم تجارب مُوجّهة وتخصّصية بنسبة أكبر من أي وقت مضى. بإمكان ما يُعرف باسم "الواقع المعزز" أن يطغى على التجارب الرقمية في العالم المادي، من خلال إضافة المزيد من العناصر والمكوّنات التفاعلية ضمن المساحات الرقمية، الأمر الذي من شأنه أن يؤمّن تجارب ممتعة ومشوقة مثل البحث عن الكنوز، واستعمال الواقع الافتراضي لوضع التجربة بتصرّف المستخدم مباشرة والتقليل بالتالي من وقت المطلوب للسفر.
توجد إمكانات ضخمة متاحة لشركات التكنولوجيا وللعاملين والمشغلين في ميدان صناعة السياحة، لكي يتعاونوا ويبتكروا معًا، مع الاستعانة بعناصر وبمواد من العروض السياحية الشهيرة في سلطنة عمان، لتأسيس تكنولوجيا كفيلة بتأمين تجارب جديدة ومحسنة ويسهل الوصول إليها بسلاسة.
أمام عُمان طريق طويل لتعبره بالنسبة إلى ما يرتبط بمسار النمو الاقتصادي والتنويع، لكن من الضروري أن نبقى أقوياء ومتحدين. لقد مهّد قادة البلاد والحكومة والقطاع الخاص والمواطنون الطريق، وعبروا مسارًا طويلاً بفضل اتحادهم وامتلاكهم رؤية طموحة لمستقبل مزدهر.
يجب أن نستفيد كلّنا من الموارد المتاحة إلى أقصى حدّ ممكن، وأن نواصل تنمية مواهبنا وتطويرها، بالتزامن مع التخطيط للمستقبل برؤية استراتيجية والاستفادة من أقصى قدراتنا. ولا أشك للحظة، بأن بلادنا لن تحقق أهدافها فحسب، بل ستتمكن أيضاً من فرض نفسها كنموذج وكمعيار للنمو والمرونة على مستوى العالم.
-انتهى-