بقلم: خالد عرابي
كثيرا ما كنا نسمع مقولة أن "المنحة في بطن المحنة" أو أن "المحنة تولد وفي قلبها المنحة" وكثيرا ما كنت أتوقف أمامها، كنت استشعر جزءا كبيرا منها في كثير من المواقف ما صغر منها أو كبر، وكنت وبكل صدق وصراحة استشعرها بقدر ضئيل حينا وبقدر أكبر أحيانا، غير أن المحنة الأخيرة أو الكارثة الكبرى التي حلت مؤخرا بالأمتين العربية والإسلامية عامة والتي حلت بدولة فلسطين والأشقاء الفلسطينيين خاصة، وهي محنة ونكبة بل وكارثة عظيمة، كارثة إنسانية بمعنى الكلمة إذ أنها أثبتت وبلا أدني دليل أو شك أن الضمير الإنساني العالمي قد مات، وأننا أصبحنا حقيقة في عالم الغاب القوي فينا يأكل الضعيف، وأنه لا مكان في هذا العالم عديم الاخلاق والضمير لضعيف. بل وأن كل ما كنا نسمعه من حقوق الإنسان والحرية والليبرالية والديمقراطية و"البطيخية" وخلافه وهم و زيف كبير أي "FAKE " كما يقول الغرب المتردي الذي أثبت لنا أنه كله وهم وبلا إنسانية أو ضمير إذ كشرت كثير من الدول الغربية وتحديدا الأوروبية ومعها كبيرهم أمريكا عن أنيابها وكشفت عن وجهها القبيح وأعلنت عن نصرتها ودعمها ووقوفها بجانب الكيان الصهيوني الغاصب المعتدي فقتل آلاف الأطفال في عزة شر قتلة ورملت النساء شر ترميل ومزق جزء كبير من غزة رمز العزة والصمود شر ممزق.
ومع كل ما سبق فإننا ما زلنا نرى أن هناك منحة في بطن المحنة، ومنها أن الشعب الفلسطيني الحر الأبي رغم وحدته، وقلت حيلته وموارده وبرغم الحزن والظلم والظلام القابع فيه ليل نهار استطاع وبلا ضعف أو هوان أن يعلم الكيان الصهيوني الغاصب درسا سيظل يذكره التاريخ، فبهذا الإمكانيات البسيطة ورغم قلت المال والسلاح والوقود ولا حتى الغذاء والدواء ولا المساعدات الإنسانية تمكن من أن يكسر شوكة العدو الغاشم، وأن يدمر العديد من مدفعيته وآلياته ودباباته، وباءت كثير من المحاولات الصهيونية المتغطرسة بالفشل ولم تتمكن من سحق غزة كما أرادت، ولولا أن إسرائيل ليست وحدها ولولا الدعم الأمريكي بل والعالمي لنكل بالكيان الصهيوني شر تنكيل.
وهذا يجعلنا نرى وبكل أسف أنه لم يعد في هذا الكون الظالم مكان لضعيف، ومن هنا فإن التعاضد والتلاحم والتكامل والتقارب والاندماج كلها أدوات للتقوية ولمواجهة شبح الغرب وأمريكا الغاشم الظالم، كما أن هناك أدوات أو لنقل بصراحة "سلاح" قوي أثبت جدواه جدارته وقوته وأهميته وهو "سلاح المقاطعة" وهذه هي المنحة الثانية، والتي أثبتت بلا أدنى شك أنها سلاح قوي في وجه العدو وفي وجه الغرب القبيح - وإن كانت لا تطبق وبكل أسف بالشكل المطلوب اي على مستوى كافة القطاعات والسلع و البضائع- فهي تطبق عربيا وإسلاميا على قدر محدود وضيق جدا قياسا على حجم رقعتنا وقوتنا وكثافتها السكانية، فهي تطبق على المقاهي فيما يخص القهوة، وفي بعض مطاعم الأغذية السريعة "fast food" وبعض المشروبات الغازية الشهيرة، وكأن الفهم محدود أو مقتصر على مثل هذه الأشياء أو أن البعض يأخذ منها رمزيتها فقط.
غير إننا نعود ونؤكد أن المقاطعة الحقيقية ينبغي أن تكون من الأمتين العربية والإسلامية للغرب وأمريكا، كما ينبغي أن تكون أعم وأشمل، فمن وجهة نظري المقاطعة ليست مرتبطة بـ ساندوتش برجر ولا كوب قهوة أو علبة مشروب غازي، وإنما ينبغي أن تكون مقاطعة شاملة، أي في كل شيء، فأي نعم تكون في المقاهي والمطاعم والمشروبات الغازية، ولكن يجب أن تمتد للصناعة والتجارة والملابس، ومنتجات التجميل، و الفنادق والاستيراد والتصدير وحتى في الوظائف والعمالة وغيرها.
قد يخرج علينا متفلسف أو واحد من أياهم ويقول: "عن أي مقاطعة تتحدث، وأين أنت من هذا العالم وماذا تملك لكي تقاطع، وهنا نرد عليه ونقول هناك الكثير والكثير ممن نملكه نحن الأمتين العربية والإسلامية، فنحن أمة قوامها 400 مليون عربي، وقرابة ملياري مسلم أي تصل إلى ثلث العالم تقريبا ونحن نملك تنوع كبير من المنتجات في كل شيء، فإذا كنا لا نملك المقاطعة في كل شيء فعلى فأقل الاحتمالات أن نوسع دائرة هذه المقاطعة، فإذا كانت مقاطعتنا لبعض المنتجات الغربية والأمريكية المحدودة أثرت وأسقطت أسهم شركات كثيرة وكبيرة في مجالها وهزت اقتصادياتهم -ويكفي على سبيل المثال لا الحصر أن شركة واحدة للقهوة من الشركات الداعمة للكيان الصهيوني في أقل من شهرين خسرت 10 مليارات دولار- فما بالك لو وسعنا الدائرة في قطاعات أكبر كالصناعة والتجارة والاستيراد والتصدير والعمالة وأعطينا الأولويات لما بيننا كأمتين (العربية والإسلامية) من تكامل.
في المقابل أيضا وفي ظل هذه المحنة وجدنا أيضا عشرات بل مئات المنتجات المحلية في كل دولة تبرز وتنمو وتكبر في المطاعم و المقاهي وحتى في التكنولوجيا وجدنا أفكار محلية ووسائل لدفع الأموال على سبيل المثل أيضا تضرب بالقاضية شركات الدفع العالمية الشهيرة، واكتشفنا كم المليارات التي كانوا يحصلون عليها منا نحن العرب في مجرد أسماء فقط.. أتمنى أن نستمر في هذه المقاطعة وأن نتوسع شيئا فشيئا فيها حتى نجعلها خانقة حارقة لهم ولمن شايعهم وناصرهم ودعمهم.
فكرة بسيطة يمكن تطبيقها أرى أنها ستصنع فارقا كبيرا، لدينا العشرات من الصناديق السيادية والاستثمارية الكبرى في العديد من بلداننا و أرصدتها بعشرات بل ومئات المليارات، تستثمر في الغرب وأمريكا أن تعتبر وبكل أسف داعمة كبرى لها، بل تصل بها الأمور أنها تخسر عشرات المليارات في صفقات مشبوهة نشعر في كثير من الأحيان وكأنه قد حدث تحايل حولها من الدول والصناديق والشركات الغربية التي استثمرت فيها.. تلك الصناديق السيادية والاستثمارية العربية لو استثمرت في منتجات وصناعات محلية نحتاج إليها كضرورة لكي تسد عجز حاجتنا إلى منتجات غربية تبيع لنا بالمليارات مثل صناعات في الملابس ومنتجات التجميل وفي المواد الغذائية ومنتجات التنظيف وغيرها العشرات من النماذج، ألم نكن كما يقال قد "ضربنا عصفورين بحجر واحد" فأولا نكون قد حققنا استثمار داخلي ومكاسب لبلداننا بدلا من خروج الكثير والكثير من الأموال في منتجات غربية، والأمر الثاني نكون قد بدأنا نخرج من عباءة وسيطرة الغرب المتوحش الذي لا يرى فينا إلا أسواق استهلاكية يسيطر عليها في حين، بل ومكبات يلقي فيها نفاياته في أحيان أخرى.. ومثال على ذلك أرى في بعض دولنا مصانع لمساحيق التنظيف أو الغسيل وحتى وإن كانت لاستثمار أجنبي ولكن ينافس ويبيع ويجعلنا نستغني عن شركات كبرى شهيرة غربية و أمريكية، فعلى هذا النموذج والقياس يمكن أن نبني ونحن قادرون ولدينا العشرات بل والمئات من العلامات التجارية العربية والإسلامية التي تنافس في مجالها.