الدكتور محمد حمدان البادي يكتب: سد الثغرات بين التعليم الأكاديمي التقني ومتطلبات العصر الرقمي

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٠٦/ديسمبر/٢٠٢٣ ١٦:١٠ م
الدكتور محمد حمدان البادي يكتب: سد الثغرات بين التعليم الأكاديمي التقني ومتطلبات العصر الرقمي
الأستاذ الدكتور محمد حمدان البادي، مدير الجامعة العربية المفتوحة في عُمان

تتمثل إحدى الأولويات الرئيسية للعصر الرقمي متسارع الخُطى بتبني نهج جديد في مجال إنشاء علاقات أكثر انفتاحاً وتماسكاً بين أنظمة التعليم التقني الأكاديمي وسوق عمل قطاع تقنية المعلومات والاتصالات. وبات من الضروري أن تتوافق مناهجنا الدراسية الجامعية مع التطورات المتسارعة للقطاع ومختلف الاحتياجات الناشئة في سوق عمله بسلطنة عُمان، بحيث يكون التعليم الأكاديمي رديفاً حقيقياً لاحتياجات العصر الرقمي المستجدة. فوجود فجوة أو ثغرات بين الوسطين قد يحدّ من إمكانات الطلاب وقدراتهم بالتماشي مع المتطلبات الفعلية للرقمنة ويحرم اقتصادنا الرقمي المستقبلي من قوة عاملة عالية الكفاءة تسعى للحصول على فرص عمل لتترك بصمة إيجابية واضحة في صياغة مستقبل تطوير مختلف القطاعات والصناعات بدعم التكنولوجيا الحديثة. كما أن استمرار وجود مثل هذه الثغرات قد يحرم أيضاً أصحاب العمل من الاعتماد على ذوي المهارات والكفاءات الحقيقية. لذلك، ترتفع الأصوات المُنادية بضرورة إعطاء أولوية قصوى لسدّ هذه الفجوة بما يصب في صالح مستقبل مؤسساتنا التعليمية، وقطاعات أعمالنا، وجيل شبابنا وتطور مجتمعاتنا واقتصادنا ككلّ.

تتبنى الجامعة العربية المفتوحة في عُمان نهجاً رائداً في المواءمة بين القطاع التقني والتعليم الأكاديمي من خلال لجنة "الصناعة والمشاركة" المتخصصة بتعزيز التعاون مع القطاع. وتساهم مكانتنا المميزة كمؤسسة أكاديمية غير تقليدية في ترسيخ حضورنا في مجال التعليم العالي والمردود الذي نستهدفه للمجتمع. ونثق أن المواءمة الناجعة بين القطاع والوسط الأكاديمي تبدأ بإطلاق برامج أكاديمية يشترك في تصميمها أصحاب العمل والصناعات ذات الصلة، لضمان مواكبتها لمتطلبات سوق العمل المتطور باستمرار.

تحت مظلة العصر الرقمي الديناميكي الذي نعيشه حالياً، بات لزاماً علينا إعادة تدقيق ومراجعة البرامج الأكاديمية لتواكب التوجهات المحلية والإقليمية والدولية. وهذا يستلزم المشاركة الفاعلة من أصحاب العمل وممثلي القطاع في المجالس الاستشارية للبرامج، والاستفادة بشكل منتظم من آراء وخبرات مختلف الجهات المعنية لإجراء التغييرات اللازمة.

علاوةً على ذلك، يحتاج الطلاب لخوض غمار تجارب عملية من واقع متطلبات القطاع التقني في إطار التدريب الذي يتلقونه كجزء من مناهجهم الدراسية. ويضمن ذلك حصولهم على تجربة تعليمية شاملة وإعدادهم لبيئة العمل السريعة والتنافسية التي تنتظرهم بعد تخرجهم. وتعدّ أنظمة التدريب النظرية التقليدية غير كافية غالباً نظراً لعدم اتساق مهامها مع الواقع وعدم حصول المتدربين على تجارب عملية واقعية تعرفهم بأدائهم بشكل أفضل. ولمعالجة هذه المسألة، تعاونت الجامعة العربية المفتوحة مع برنامج "إعداد" الهادف إلى جسر الفجوة بين التعليم ومخرجات القطاع، وتوفير فرص تدريبية مدروسة طورت وفقاً لمتطلبات سوق العمل التقني الفعلية، وترسيخ التعاون بين التعليم العالي وقطاع تقنية المعلومات والاتصالات والقطاع الخاص.

تم تطوير برنامج "إعداد" بشكل منظم ومدروس مع أهداف ومهام واضحة من أجل تعزيز التعاون والتكامل بين قطاع التعليم العالي وقطاع تقنية المعلومات والاتصالات والقطاع الخاص. وتشمل أهداف البرنامج توفير فرص التدريب العملي لطلاب الجامعات. وتندرج جميع برامجنا الجامعية اليوم تحت مظلة "إعداد". ويقدم برنامج تقنية المعلومات والاتصالات في الجامعة حالياً دورة تدريبية للطلاب قبل تخرجهم. كما تعكف الجامعة العربية المفتوحة حالياً على إدماج دورات التدريب الداخلي في جميع برامجها، نظراً لأهمية اختبار الطلاب لبيئة العمل العملية لضمان امتلاكهم جميع المهارات اللازمة.

مؤسسات التعليم العالي مطالبة اليوم بالاستفادة من الدورات المهنية والشهادات المتنوعة التي تقدمها الشركات والهيئات المهنية، والتي يتوفر الكثير منها مجاناً. ونحن نتعاون مع روّاد تقنية المعلومات والاتصالات العالميين مثل "هواوي" لضمان اقتران برامجنا بدورات تدريبية عملية مرتبطة بالشهادات المهنية، والتأكد من امتلاك خريجينا للمهارات ذات الصلة بواقع الخبرات المطلوبة في سوق العمل، بحيث يكونوا على أهبة الاستعداد لدخوله بعد التخرج.

تقدم "هواوي" طيفاً واسعاً من الدورات في إطار برنامجها لتطوير المواهب التقنية. وتقدم أيضاً شهادات معتمدة معترف بها على نطاق واسع في القطاع. ويعدّ برنامج "أكاديمية هواوي لتقنية المعلومات والاتصالات" ثمرة التعاون بين "هواوي" والمؤسسات الجامعية حول العالم، ويهدف إلى توفير تدريب عملي على تقنيات الشركة في مجال تقنية المعلومات والاتصالات، وتشجيع الطلاب على الحصول على شهادة موثقة من "هواوي"، وتحفيز نهج الابتكار لديهم والارتقاء بمواهبهم وخبراتهم العملية بما يواكب متطلبات قطاع تقنية المعلومات والاتصالات والمجتمع المدني ومجتمعات الأعمال.

تجربة هواوي في مجال التعاون مع الوسط الأكاديمي جديرة بتسليط الضوء عليها. في نهاية عام 2022، أسست "هواوي" أكاديميات تقنية المعلومات والاتصالات بالتعاون مع أكثر من 2,200 جامعة حول العالم، ودربت من خلالها ما يزيد عن 200,000 طالب بالمتوسط سنوياً. وفي السلطنة، تقدم أكاديميات هواوي لتقنية المعلومات والاتصالات سنوياً الدعم لـ 45,000 طالباً. كما توفر المبادرات والبرامج الأحرى للشركة في إطار المسؤولية الاجتماعية للشركات مثل مسابقة هواوي لتقنية المعلومات والاتصالات منصة دولية تستقطب طلاب الجامعات من حول العالم للتنافس وتبادل الأفكار. واجتذبت النسخة السادسة من المسابقة لعام 2022 نحو 150,000 طالباً جامعياً من 85 دولة. وفي عام 2022، احتلّ طلاب الجامعة العربية المفتوحة في عُمان المرتبة الثانية على المستوى الوطني للمسابقة.

بناء جسور التواصل والتفاعل بين الطلاب وأصحاب العمل

تشكل المعارض السنوية المخصصة للتوظيف منبراً مفيداً للطلاب وأصحاب العمل في آنٍ معاً، حيث تساهم في تعزيز التفاعل البنّاء بين الطرفين وتسهيل إيجاد الوظائف. وتوفر للطلاب أيضاً فرصاً لفهم القدرة التنافسية الموجودة في سوق العمل، مما يمنحهم زخماً أكبر للتفوق. ويجب على الجامعات أن تستضيف متحدثين بشكل دوري لتقديم حلقات دراسية وورش عمل للطلاب تعزز التفاعل الهادف مع الصناعات. كما يجب أن يخضع برنامج الدورات التدريبية لمراجعة منتظمة لضمان تزويد الطلاب بمهارات مرغوبة وضرورية. ويمكن تسهيل ذلك من خلال إدراج القضايا المعاصرة ودراسات الحالات النموذجية الواقعية المرتبطة بمجالات دراسة الطلاب في مناهجهم، إلى جانب تنظيم رحلات ميدانية لتعريف الطلاب بالتطبيقات العملية لمعارفهم النظرية، مما يعزز فهمهم لمجال دراستهم.

ويمكن لمؤسسات التعليم العالي أن تذهب إلى أبعد من ذلك وتدعو ممثلي القطاع لاقتراح مواضيع الأطروحات البحثية ومشاريع الطلاب، وتصميم المشاريع الجامعية ذات الصلة. كما يساهم دمج ممارسي وخبراء القطاع كمشرفين مشاركين على هذه المشاريع في إثراء تجارب تعلم الطلاب وإعدادهم لسوق العمل. وقد تشكل مشاركات الطلاب في مسابقات القطاع أيضاً فرصة لصقل مهارات مهنية ضرورية وللقاء المهنيين العاملين والتعرف على التحديات العملية التي تواجههم. فعلى سبيل المثال، تدأب "هواوي" على التعاون مع الجامعات ومعاهد الأبحاث حول العالم، بما في ذلك الجامعة العربية المفتوحة، للتعامل مع تحديات قطاعنا ودفع عجلة التقدم العلمي والتكنولوجي. وتدعم الشركة الأكاديميين لدمج أحدث التقنيات مثل الاتصال والسحابة وتقنيات تقنية المعلومات والاتصالات الأخرى في المناهج الدراسية لمساعدة الجامعات والمدارس المهنية على تنمية المواهب المبتكرة، وتسريع وتيرة الابتكار المتعلق بالتدريس والبحث العلمي، وسد الفجوة الرقمية.

ويعدّ برنامج هواوي العالمي "بذور من أجل المستقبل" أحد أهم منصات إعداد وتنمية المواهب العالمية في مجال تقنية المعلومات والاتصالات، وقد كان للطلاب العمانيين مشاركة فاعلة فيه. وقد تم إطلاق البرنامج عام 2008، ويهدف إلى دعم الجيل القادم من المواهب الرقمية وقادة التكنولوجيا الجدد ورفع مستوى حضورهم للتعامل مع تحديات العالم الرقمي الحقيقي. وقد استفاد من هذا البرنامج حتى اليوم أكثر من 2.43 مليون طالب من أكثر من 150 دولة.

لتوسيع التعاون بين قطاع تقنية المعلومات والاتصالات والمؤسسات التعليمية، يجب على الجامعات تنظيم ورش عمل وندوات ومحادثات تقنية يديرها خبراء ورواد القطاع لتزويد الطلاب برؤى واقعية. ونحن في الجامعة العربية المفتوحة في عُمان نشجع على الانضمام إلى الجمعيات المهنية سواء من خلال أعضاء هيئة التدريس أو بشكل فردي. إذ توفر هذه العضويات منصات لتعزيز التفاعلات الهادفة بين أعضاء هيئة التدريس والقطاع، والتي تدعم بدورها مشاركة الطلاب.

في حقبة يطغو عليها طابع التحولات الرقمية السريعة، تعتبر مسألة جسر الفجوة بين قطاع تقنية المعلومات والاتصالات والوسط الأكاديمي ضرورة حتمية وأولوية لا يمكن وصفه بمجرد الخيار المرغوب به أو المفضل اتباعه. وتساهم جهود سد الثغرات التي لا تزال قائمة بين التعليم الأكاديمي التقني ومتطلبات سوق العمل الرقمي في إعادة صياغة نهجنا لتطوير البرامج، ودمج التجارب الواقعية، وإقامة علاقات أوثق مع القطاع، ودعم سعي الجامعات لتزويد طلابها بالمهارات والمعارف اللازمة للتفوق في سوق العمل. ويتعين على المؤسسات التعليمية في السلطنة والمنطقة تبني نهج مرن ومنفتح ومبتكر يتبع أفضل الممارسات والمعايير الدولة المثبت جدارتها على طريق تأسيس علاقة متناغمة بين قطاع التعليم والصناعة لضمان مستقبلٍ أكثر إشراقاً لطلابنا وقطاعات أعمالنا ومسيرة التنمية الاجتماعية والاقتصادية