كما اختلفت الآراء حول تحديد كفة المسؤولية تجاه هذه الظاهرة، فهناك من حمل المسؤولية لأولياء الأمور حيث أرجع هذا السلوك للتربية، وهناك من استنكر المشاهد الحاصلة في بعض المقاهي وجعلها دليلا على عدم الالتزام بالأخلاق والعادات والتقاليد حيث أصبحت الحرية الشخصية الآن تتعارض مع عادات وتقاليد المجتمع الأصيلة، ففي مجتمعاتنا هناك أفعال ممنوعة بقوة العرف والعادات والتقاليد لا القانون، وهناك من حمل المسؤولية على الدولة وأخذها من الناحية القانونية، وفي هذا التحقيق سنتناول هذه الظاهرة وتباين الآراء ومواقف البعض حولها.
أعداد تتضاعف
أصبحت مقاهي الشيشة واجهة لكثير من المطاعم والمناطق السياحية والمواقع التراثية في السلطنة بسبب انتشارها والإقبال عليها، بل أصبحت الشيشة تقدم حتى في الأماكن التي ترتادها العائلات بمن فيهم الأطفال. وتشير الإحصائيات إلى أن عدد مرتادي مقاهي الشيشة يتضاعف بشكل حاد في السلطنة في ظل غياب واضح للحملات التوعوية التي تتحدث عن خطورة التدخين.
صحبة السوء
س.م يقول: إن تجربته مع تدخين الشيشة جاءت من خلال دعوة من أحد الأصدقاء لتجربة تدخينها وبعدها استمرت معه كعادة لم تُجد معها الحلول للتخلص منها أو الإقلاع عنها، ويقول: إنه بالرغم من إدراكه التام لمضار الشيشة وخطورتها إلا أنه مستمر في تدخينها بسبب التعود وأنها أصبحت المتنفس لقضاء وقت الفراغ والاجتماع بالأصدقاء، لكنه لم ينكر أنه يعاني من ضيق في التنفس ومشاكل تتعلق باللثة والجهاز التنفسي.
وفي هذا السياق يؤكد على أن نوع الأصدقاء يحدد قابلية الشخص لإدمان الشيشة حيث إن بعض الشباب يرفضون الجلوس معك إلا في مقاهي الشيشة مما يؤدي إلى أن بعضهم -وبسبب جو التجمع الشبابي- يضطرون لتدخين الشيشة كنوع من تعديل المزاج!
ويعلل تفضيله لها بأنها أقل ضررًا من غيرها، وبالتأكيد هذا فهم خاطئ فالشيشة لا تقل خطرًا عن خطر تدخين السجائر بل تفوقه حيث أثبتت الدراسات العلمية والطبية ذلك.
الرفاهية تجذب
يقول م.ن: إن مقاهي الشيشة توفر بيئة جاذبة للاسترخاء، وتوفر خدمات هامة كخدمة الإنترنت المجاني، ويشير إلى أن حبه وولعه بمتابعة مباريات كرة القدم جعله يدمن عادة «التشييش» حيث إن مقاهي الشيشة تنقل المباريات العالمية من خلال توفير شاشات النقل التلفزيوني العملاقة والتي تعتبر المحفز الأول لكثير من الشباب لارتياد هذه المقاهي والاستمتاع بالخدمات المقدمة والتي تجعل المستهلك يتناسى المضار والأخطار الجسيمة المترتبة على تدخين الشيشة.
مخاطرها الجسيمة
بدوره يشير د. أحمد بن جمعة الفارسي من المركز العماني للاختصاصات الطبية إلى أن تدخين الشيشة والسيجارة يكون عن طريق حرق مواد كيميائية كثيرة تصل إلى أكثر من 300 مادة كيميائية من أبرزها الجار والكربون والنيكوتين الذي يسبب الإدمان، وبالرغم من اختلاف الدراسات حول هذه الحقيقة إلا أن أغلبها اتفقت على أن تدخين رأس واحد من الشيشة يعادل تدخين 40 إلى 45 سيجارة، كما أن أغلب الأضرار الصحية العضوية لها علاقة بممارسة التدخين وعلى رأسها أمراض السرطان، حيث يؤثر التـــــــدخين -بشكل حاد- على كفاءة الجهاز التنفسي فهو يقلل كفاءة الرئتين حيث يخفض تبادل الأوكسجين وثاني أكسيد الكربون من وإلى الدم والرئة بسبب ترسبات الكربون التي تحدث في الشعيرات الهوائية، كما أن الجهاز الهضمي يتأثر بشكل بالغ وينجم عن ذلك سرطان المريء والمعدة وسرطانات القولون واللثة واللسان وغيرها، وثبت بالدراسات أيضا أن تدخين الشيشة يقصر من عمر الشخص. ويظهر تأثير تدخينها على القلب أسرع من غيره من أجهزة الجسم بزيادة في ضربات القلب وعدم انتظامها وارتفاع ضغط الدم، ولذلك فإن التدخين يعتبر من أشد الأشياء خطرًا على الإنسان. وينصح د.الفارسي بضرورة الإقلاع عن تعاطي الشيشة لما لها من آثار صحية بالغة الخطورة.
إجراءات منظمة وفاعِلة
المفتش الصحي ببلدية مسقط محمد بن صالح العلوي يوضح أن البلدية تلعب دورًا بارزًا في تقنين وجود مقاهي الشيشة من خلال وضع اللوائح والضوابط القانونية التي تراعي سلامة المواطنين من خلال أماكن إقامة هذه المقاهي بعيدًا عن الأحياء والمناطق السكنية والمدارس والمرافق العامة، كما أنها تراقب عن كثب النظافة والاشتراطات الصحية على مقاهي الشيشة كالمواد المقدمة في الشيشة كما أنه لا بد أن تكون تلك المقاهي مجهزة بنظام تهوية صحي يساعد على التخلص من الأدخنة وهذا يدل على أن كافة الإجراءات تسعى -في المقام الأول- للحد من الضرر والخطورة الصحية على المواطن.
فواتير شراء
من جهته يؤكد مساعد مدير دائرة تنظيم ومراقبة الأسواق بهيئة حماية المستهلك عيسى بن مسلم بن جمعة الهنائي على أن الهيئة تراقب عن كثب التزام هذه المقاهي بعدم التلاعب بالأسعار التي وضعتها الهيئة وعدم المبالغة في الأسعار للخدمات الأخرى التي تقدمها هذه المقاهي كالوجبات والمشروبات وإلزام هذه المقاهي بتوفير فواتير الشراء لضمان عدم حدوث استغلال في أوقات الذروة.
دور الإعلام
وللإعلام دورٌ كبيرٌ في انتشار ظاهرة تدخين الشيشة، فقد اعتادت الدراما العربية على تقديم صورة يراها الشباب إيجابية وجذابة للمدخن، في الوقت الذي تفتقد فيه البرامج الخاصة بالتوعية ضد التدخين لعوامل الجذب. فوسائل الإعلام والأفلام لها دور مؤثر في جذب الشباب إلى التدخين، والمواقف التي تعرض أمامهم محفزة لهم حيث إنها تعتمد على مخاطبة رغبة الإنسان في المتعة «عنصر يقال له العقل الباطن»، وهي كذلك وسائل دعائية يدفع لها الملايين دون أن نشعر بأنها موجهة لنا، لذلك يرى العديد من المواطنين ضرورة تشديد الرقابة وتكثيف الحملات التوعوية عبر وسائل الإعلام المختلفة للعمل على تقليل هذه الظاهرة والقضاء عليها تماما، وأن يراعي أصحاب هذه المسلسلات وشركات الإنتاج ضمائرهم وعدم الترويج لهذه الظاهرة الخطيرة.
ويجب التأكيد هنا على ضرورة تقنين إعطاء التصاريح من خلال منع إقامة هذه المقاهي في المناطق السكنية بسبب الأضرار الصحية جراء الدخان المنبعث من مداخن هذه المقاهي وكذلك لكي تكون بعيدة عن الفئات العمرية التي تقل أعمارهم عن 18 سنة، وكذلك تسيير حملات رقابية وتفتيشية لمراقبة الفئات العمرية التي ترتاد هذه المقاهي ووضع قوانين صارمة تجرم وتمنع الفئات العمرية التي تقل عن 18 سنة من ارتياد هذه المقاهي.
ومن الحلول المقترحة لمعالجة مشكلة انتشار مقاهي الشيشة والإقبال عليها إقامة حملات توعوية تستهدف كافة فئات المجتمع والتعريف بالأضرار المترتبة على تدخين الشيشة، وهناك اقتراح بسيط أيضًا يتمثل في إلزام محلات ومقاهي الشيشة بوضع ملصقات مضار الشيشة في جميع محلات ومقاهي الشيشة -على أن تكون واضحة- لعل أحد هذه الملصقات يؤثر في أحد المدخنين فيقلع عنها!
ويتحتم على المجتمع معالجة تدخين الشيشة من خلال محاولة الاستفادة من أوقات فراغ الشباب من خلال إقامة الفعاليات والمناشط الشبابية كالمسابقات الرياضية والفنية التي تصرف تفكير الشباب عن ارتياد مثل هذه الأماكن.
غير متناسين في ذلك الأسر وما لها من دور بالغ الأهمية في الرقابة والحرص على معرفة أماكن تواجد أبنائها خارج المنازل ومواطن صرف نقودهم، إن تزايد وانتشار الشيشة في صفوف هؤلاء الشباب والمراهقين يحتاج إلى وقفة جادة لقطع دابر هذه العادة السيئة.