علي المطاعني يكتب: البعض يجدف عكس مكافحة التجارة المستترة

مقالات رأي و تحليلات السبت ٠٥/أغسطس/٢٠٢٣ ١٤:١٥ م
علي المطاعني يكتب: البعض يجدف عكس مكافحة التجارة المستترة
على بن راشد المطاعني
رغم أن النقاش حول قرار مكافحة التجارة المستترة يعد صحيا وإيجابيا ويعمق الحوار بين الجهات المختصة والمجتمع، ويفرز حلولا ومعالجات من شأنها أن تسد بعض الثغرات السوداء التي قد يتسلل منها المتستر والمتستر عليه، إلا أن البعض يجدف عكس التيار عندما يزعم بأن هكذا تنظيما يمس المواطن ويضر بمصالحه، ثم يذهب بعيدا ليشكك في إمكانية تنفيذ القرار بعد أن يلقي بهالة ضبابية حول أهميته في معالجة المشكلة إلى غير ذلك.

القرار وفي الواقع وفي نهاية المطاف يهدف لتحقيق المصلحة العامة، إذ لا يعقل ولا يمكن إبقاء الأمور هكذا تسبح في بحور التيه دون تصحيح وتقويم وتعديل إقرار بأن الركون وعدم التصدي للظاهرة يعني السماح لدابة الأرض لتستبيح جسد اقتصادنا الوطني وتحيل المواطن صاحب الوجع والوديعة للافتة لا أكثر ولا أقل، وذاتها اللافتة ستقوده يوم مكره لا بطل لقاعات المحاكم كمتهم (أول) ليواجه قضايا ومخالفات لأناقة له فيها ولأجمل، ولو أقسم بأغلظ الأيمان فلا مجال لتصديقه فالمستندات تؤكد بأنه بالفعل كذلك، تأكيدا على أن القانون لا يحمي المغفلين والمستغفلين في الأرض، وفي نهاية المطاف سيدخل السجن محكوما عليه في جريرة لم يرتكبها ولا علم له بها أصلا، ولكنها اللافتة اللعينة هي السبب، وللأسف فاللافتة لا تنطق لتشهد بأن صاحبها بريء براءة الذئب من دم يوسف- عليه السلام-.


وفي ذات الوقت فإن ذات اللافتة توفر للوافد المتستر عليه المكاسب والمغانم والعطايا والأمنيات والريالات الجولات، ومع كل هذا الريع فإنه يساهم في رفع أسعار السلع بالأسواق والتحايل على المستهلك وصولا للمزيد من الأرباح الهوجاء عديمة البركة إضافة للتحويلات الخارجية والتهرب الضريبي إلى غير ذلك من ممارسات خاطئة ودون أن يتسنى للحكومة فرصة للتدخل لوقف هذا العبث فالأمور في ظاهرها سليمة ولا غبار عليها وفي باطنها الويل كله، الأمر الذي يتطلب من الجميع التعاون في تنفيذ القرار وإنهاء مرحلة صعبة عانى منها الجميع دون استثناء وإطلاق العنان للتفاؤل لا التساهل إزاء إمكانية الانتقال للمرحلة الإيجابية الهادفة لمعالجة الأوضاع الاقتصادية وبما يتواكب مع متطلبات المرحلة وإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح.


وفي هذا المنعطف يجب علينا أن نوقن بأن الأخطاء لا يمكن أن تستمر إلى الأبد دون معالجة، وعلينا تحمل المسؤولية الوطنية في هذا الشأن حكومة ومواطنين، وكذلك مقيمون، ذلك من بعد استتباب اليقين لحقيقة أن الاقتصاد لا يمكن أن يمور ويتطور تحت الظلال السوداء لهذه الظاهرة الضارة والمضرة، فدول العالم والمنظمات الاقتصادية الدولية جميعها تقر بفداحتها وحتمية اجتثاثها وبدأت بالفعل في سن القوانين وتفعيل الإجراءات الكفيلة بالتصدي لها.


الجانب الآخر لا بد من بذل التضحيات لمعالجة أي وضع غير قانوني ولا يتسق والتوجهات الاقتصادية في البلاد، ومن سخرية القدر أن المواطن صاحب اللافتة إياها يتقاضى الفتات من المبالغ الشهرية الضخمة التي تدخل جيب الوافد المتستر عليه، أليس من الأجدى عقلا ومنطقا وحصافة أن يعمل المواطن في تجارته بنفسه ويحصل حلال طيب على كل الريع لا الفتات وبما يسهم في تعزيز دخله وتوفير حياة كريمة لأفراد أسرته، لنا أن نتخيل بأنه ومع مرور السنين وتوالي الأجيال والظاهرة قائمة أصبح أبناء المواطنين المتسترين باحثين عن عمل ومنهم حملة شهادات علمية رفيعة، وفي الوقت الذي تزعم فيه اللافتة بأن والدهم صاحب تجارة تسد عين الشمس، بيد أن الحقيقة المؤسفة تقول بأن الوالد هو الذي يعمل كأجير لدى الوافد وإن واجباته الوظيفية تحتم عليه إكمال كل المعاملات الرسمية لدى الجهات الرسمية، كل ذلك في مقابل ثمن بخس يناله كعامل مواطن لدى صاحب عمل وافد!...


هذا الوضع غير المريح والشاذ والنشاز يجب أن لا يستمر مهما بلغت التكلفة، فالصحيح هو الذي يجب أن يستتب له الأمر في نهاية المطاف، ولا نعتقد بأن هناك عاقلا أستوعب كل الشرح الذي قدمناه ثم يقف محايد أو معترض على هذه الجهود الوطنية النبيلة.


هناك بالفعل تجارب لدول بالمنطقة واجهت حالات شبيهة لحالة التجارة المستترة وبتضافر الجهود تمكنت من معالجتها وضبط المخالفين وتعديل المسارات الخاطئة التي تئن منها اقتصادياتهم مثلنا، فلا يجب أن نضع العقبات أمام أي تشريع لمعالجة هذه القضايا، وإلا سنظل تحت شجرة لا أوراق فيها ولا أغصان وبالقطع لا ظل لها يحمي من هجير الشمس.


بالطبع التحديات لتنفيذ القرار كبيرة ومعقدة لتشابك المصالح الشخصية مع العامة، غير أن تفهم المجتمع يعد حيويا لاجتثاث الظاهرة من خلال التبليغ الحميد عن حالات التستر ارتكازا لحقيقة وجود مواطنين يمارسون أعمالهم الحرة بأنفسهم ويحققون نجاحات تستحق الاحترام، هؤلاء هم الأولى بالإتباع والاقتداء.


وغير بعيد وعلى الجانب الآخر فإن منظومة الاستثمار واضحة للمستثمرين الأجانب الراغبين وفق الضوابط التي تحقق قيمة مضافة للبلاد والعباد ويمكن للجادين منهم الدخول عبر بواباتها الواسعة وفي كل الأنشطة المسموح بها وجهارا نهارا.


نأمل أن نسهم جميعا في إنهاء هذه المشكلة التي يعاني منها اقتصادنا الوطني وتضر بمصالحنا وتكبل من انطلاقتنا لرحاب مستقبل أفضل لنا ولأبنائنا ولاقتصادنا، والمطلوب بسيط كما أوضحنا وهو التفهم لا أكثر ولا أقل.