علي المطاعني يكتب: تقليم أظفار التجارة المستترة

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٣١/يوليو/٢٠٢٣ ١٢:٤٧ م
علي المطاعني يكتب: تقليم أظفار التجارة المستترة

مسفط - الشبيبة 

الكل عانى من التجارة المستترة طوال السنوات الماضية اقتصاديا واجتماعيا وماليا وأمنيا وعلى كافة مناحي الحياة، كما ضجت الساحة المحلية وخاصة المهتمين بالجوانب التجارية من الأوجاع والآلام التي سببتها وما مازلت تسببها إلى اللحظة.

اليوم أصدرت وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار قرارا وزاريا بالرقم 54/2023 لمكافحتها، ووضع عقوبات رادعة على طرفي المعادلة المعتلة المتستر والمتستر عليه. ويأتي ذلك في إطار جهود الحد من هذه الظاهرة وانعكاساتها السالبة على الفرد والمجتمع بعد أن استكملت الجهات المختصة المنظومة التشريعية والاقتصادية التي تتيح للأجانب الاستثمار في الأنشطة التجارية عدا المحظور منها؛ ومن ثم لم يعد هناك مجال أمام المستثمرين الأجانب إلا الاستثمار وفقا للنظم الاقتصادية المحفزة والمشجعة لكل الجادين.

الأمر الذي يتطلب من الجميع التعاون لإنهاء هذه الظاهرة وما سببته وتسببه من تشوهات اقتصادية واختلالات في سوق العمل ومنافسة غير متكافئة مع رواد الأعمال عبر تحويلات نقدية هائلة تقدر بمليارات الريالات سنويا فضلا عن التهرب الضريبي وغيره من الإشكاليات والعاهات التي عاني منها الجميع.

بلاشك أن قرار مكافحة التجارة المستترة جاء ليخلص الاقتصاد الوطني والمجتمع من معضلة اقتصادية شائكة ظلت تثير جدلا واسعا لسنوات طويلة‏، مقترنة بمطالبات واسعة من كل فئات المجتمع للحد منها والقضاء عليها واقتلاعها من الجذور، إلا أنه لم يصدر أي تشريع أو إجراء يسهم في تصحيح الأوضاع وبقدر كاد معه القنوط واليأس أن يتسلل للنفوس عبر قناعة مفادها ألا حل ولا مهرب منها إلا إليها.

غير أن القرار الصادر جاء لإحياء الآمال السرابية وتحويلها لنهر ماء حقيقي يجري ويُرى بالعين المجردة، وعبر بصوت مسموع وجهور بأن هناك معالجات يمكن أن تغير المشهد الاقتصادي في البلاد وبنحو صحيح متى ما تعاونت كل الجهات والمواطنين والمقيمين من أجل تلافي ما تسببه هذه القضية المقلقة للدولة والمجتمع على حد سواء، فصدور القرار وما يحمله بين ثناياه من معالجات دقيقة وواضحة سوف يحدث أصداء واسعة في المجتمع وخاصة مجتمع الاقتصاد والمال والأعمال، وما يشكله من بادرة طيبة لمعالجة العلل والأمراض التي سببها هذا الداء الوبيل العنيد.

فالتأثيرات التي تلحقها التجارة المستترة بالاقتصاد الوطني بالغة ومتشعبة ولعل من أهمها الغش التجاري، والتحويلات الخارجية للأموال التي تقدر بخمسة مليارات ريال سنويا معظمها ناتج عن ممارساتها والأرباح الزائدة، هذا بجانب هجرة رؤوس الأموال للخارج، واحتكار العمالة الوافدة لبعض القطاعات الاقتصادية والقيام بتكتلات تحت الطاولات وما تفرزه من منافسة غير مشروعة ومتكافئة مع رواد الأعمال والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، مع التهرب من دفع الضرائب والرسوم المستحقة للدولة، فضلا عما تسببه من تأثيرات سالبة على السياسات النقدية والضغوط باتجاه استنزاف العملات الأجنبية، ناهيك عن الآثار الاجتماعية التي قد تُسببها والضربات تحت الحزام التي يتلقاها كل باحث عن عمل.

القرار إجاز للوزارة عند مخالفته توقيع أحد الجزاءات منها  

شطب النشاط من السجل التجاري، أو غرامة إدارية مقدارها (5.000) خمسة آلاف ريال عُماني أو غرامة إدارية مقدارها (10.000) عشرة آلاف ريال في حالة ارتكاب المخالفة للمرة الثانية، مع وقف النشاط لمدة (3) ثلاثة أشهر، أو غرامة إدارية مقدارها (15.000) خمسة عشر ألف ريال في حالة ارتكاب المخالفة للمرة الثالثة، مع شطب النشاط من السجل التجاري، ولا يجوز إعادة قيد النشاط إلا بعد مضي عام من تاريخ الشطب.

وشدد القرار على أن الشخص الاعتباري يكون مسؤولا بالتضامن عن الوفاء بما يُحكم به من جزاءات إذا كانت المخالفة قد ارتكبت من أحد العاملين معه باسم الشخص الاعتباري أو لصالحه.

 ومع ذلك يجوز لوزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار تخفيف الجزاءات المنصوص عليها في هذا القرار أو الإعفاء منها إذا بادر المتستر أو المتستر عليه بالإبلاغ بنفسه عن وقائع حدوثها. مما يعني أن الهدف ليس الغرامات بحد ذاتها بقدر ما هو إيقاف للتجارة المستترة بأي شكل لما تسببه من كوارث متعددة التأثيرات. 

هذه العقوبات الرادعة وكما يقال فإن آخر العلاج الكي جاءت بعد أن تم استنفاد كل المحاولات لمعالجة هذا الداء توعويا وقانونيا وأمنيا... إلخ.

بالطبع الجهود مستمرة في معالجتها وبتعاون الجميع؛ ولعل من بينهم أو أهمهم المواطن نفسه الذي عليه أن يصحح أوضاع مؤسسته بما يعود بالفائدة عليه وعلى الوطن برمته، وأن يمارس الأنشطة الاقتصادية بنفسه.

 

نأمل أن تكلل هذه الجهود بالتوفيق في معالجة قضية تُعد من أعقد القضايا الاقتصادية على الإطلاق والتي يعاني منها اقتصادنا الوطني وتفتح آفاقا أوسع أمام ممارسة تجارية صحيحة تتسق والأنظمة المعمول بها في البلاد والاستفادة من المناخ الاستثماري المتاح وفق الضوابط المعمول بها، فاليوم الباب مفتوح على مصراعيه للأجانب إذا رغبوا حقا في الاستثمار، فليس هناك حواجز تذكر تمنعهم من ذلك.

وللحديث بقية..

علي بن راشد المطاعني