قال عـاطـف بن محمد الزدجالي، الباحث بسلك الدكـتـوراه في العلوم الاقتصادية، كلية العلوم القانونية والاقتصادية إن السياسات الإدارية هي مجموعة من التوجيهات والإرشادات والإجراءات المطبقة في إدارة المؤسسات والمنظمات والتي تحدد السلوك المتوقع للموظفين، واتخاذ القرارات اليومية في إطار محدد ومنسق، وتشمل السياسات الإدارية مجالات واسعة من أهمها سياسات الموارد البشرية، وإدارة الموارد والمالية، وسياسات العمل والسلامة، وسياسات الاتصال الداخلي والخارجي، وسياسات التكنولوجيا والمعلومات، والتي ساعدت على التأثير الإيجابي الملحوظ في تحقيق أهداف المؤسسات بالمرونة القادرة على التغيير، وفقاً للغايات والأهداف مما أدى إلى زيادة الإنتاجية بشكل عام وجذب جمهور المستفيدين، الأمر الذي مكن المؤسسات من التوسع في مجال عملها، مما انعكس ذلك على الموظفين وشعورهم بالرضا الوظيفي ومنحهم كافة المميزات الخاصة بالموارد البشرية.
كما أثـرت الثورة الرقمية والتقدم التكنولوجي الذي شهدته كل المؤسسات التي أصبحت تتعامل وفقاً للذكاء الاصطناعي الذي طُبق في السياسات الإدارية، ولكن هناك ثمة اختلاف في النظريات التي تشير إلى واقع الاستغناء عن العنصر البشري في ظل الذكاء الاصطناعي أم يظل كما هو؛ فالاتجاه الأول يؤيد أن الثورة الرقمية في ظل الذكاء الاصطناعي واستخدام التكنولوجيا حل محل الموارد البشرية، والاتجاه الثاني يؤيد أن الموارد البشرية تظل كما هي وتصبح التكنولوجيا عامل مساعد لتحقيق الأهداف وفقًا للسياسات الإدارية، ولكن يجدر الإشارة إلى هذا الاختلاف الذي تحدده طبيعة عمل المؤسسة ووجهة نظرها التي تتبناها في إطار هذا الموضوع؛ فهناك مؤسسات تعتمد السياسات الإدارية بشكل رئيسي على الموارد البشرية وتطويرها وفقاً لاستراتيجيات الذكاء الاصطناعي، وأخرى تعتبرها بديل عنها وتستغني عنها تماماً وإحلال العنصر التقني التكنولوجي بدلاً من العنصر البشري؛ فتؤثر الثورة الرقمية على السياسات الإدارية من خلال إدخال الذكاء الاصطناعي ودمج تلك التكنولوجيا الرقمية في كافة أنشطة المؤسسات ومجالات أعمالها المختلفة، ولهذا أدى إلى إحداث تغييرات جذرية في طبيعة عمل المؤسسات من التعامل مع المستفيدين والاختلاف في تقديم الخدمات والاعتماد على التقييم المستمر؛ لضمان القيم المعنوية والتي تتمثل في المرونة في تلبية احتياجات المستفيدين المتغيرة باستمرار والاعتماد على الابتكار؛ فيُمثل هذا التحول الرقمي أهمية كبيرة في مجال السياسات الإدارية، وذلك في إمكانية توظيف كافة الأنشطة والإجراءات التقنية نحو العمليات؛ لضمان الحفاظ على القدرات التنافسية تحت أي ظرف؛ كتوظيف الذكاء الاصطناعي للتعرف على اتجاهات وأنماط المستفيدين، وتقديم توصيات واقتراحات للقرارات المستندة إلى بيانات وتحليلات محددة مثل الاستثمار وإدارة المشاريع والتخطيط الاستراتيجي، كما يمكن توظيف الذكاء الاصطناعي في تنفيذ المهام الروتينية والمكررة باستخدام الروبوتات الذكية في تنفيذ المهام الروتينية، والواقع الافتراضي المعزز بالشخصيات الافتراضية، مما يعزز العمليات الإدارية.
ولعل من أكثر الفترات التي لفتت انتباه العالم بأكمله بأهمية التحول الرقمي للسياسات الإدارية في ظل الذكاء الاصطناعي هي فترة جائحة كورونا وذلك بالقدرة على تنفيذ الأهداف دون اعتبار لهذه الظروف واستمرار استكمال العمل وتحقيق الأهداف للمؤسسات وتفادى أي تحديات مستقبلية؛ ففي ظل هذه الثورة الرقمية للسياسات الإدارية تحتاج المؤسسات إلى توفير التدريب للموظفين؛ لاستخدام الذكاء الاصطناعي وتوصيل المعلومات لهم بسهولة، مما ينعكس على الزيادة الإنتاجية وخفض تكاليف التشغيل بشكل ملحوظ، ولابد من التفرقة بين التحول الرقمي والرقمنة؛ فمصطلح التحول الرقمي واسع فقد يشتمل على التغييرات الجذرية في العمليات ودمج الذكاء الاصطناعي في كافة مجالات الأعمال بما تضم عمليات التخطيط والتنفيذ والتقييم عن بعد باستخدام أساليب الذكاء الاصطناعي والتطبيقات الخاصة الإلكترونية، أما الرقمنة فهي عبارة عن تمثيل رقمي فقط للأشياء المادية.
كما تساعد تقنيات الذكاء الاصطناعي العامل البشري على إنجاز المشروعات وفقاً للبيانات التي يوفرها الذكاء الاصطناعي وتحليلها والقدرة على اتخاذ القرارات، كما أن الثورة الرقمية وأساليب الذكاء الاصطناعي كان لهم التأثير الأقوى على تغيير السياسات الإدارية من حيث القدرة على تحسين الخدمات والمنتجات المقدمة وتوقع للمشروع من خلال أساليب التحليل العميق للمشروعات السابقة أو المراحل السابقة للمشروع الحالي، والعمل على اكتشاف الأنماط الجديدة وهذا ما تختص به استراتيجيات الذكاء الاصطناعي وأنظمته التي تساعد على إدخال أي تعديلات وتطورات، ومساعدة الجهات الإدارية في اكتشاف أي مخاطر من البداية، والعمل على وضع حلول بديلة، وتسهيل عملية اتخاذ القرارات بما يخدم المؤسسة والعمل على نجاحها ومواجهة المنافسين.
فلم تكن هذه السياسات السابقة قائمة على الجدولة والرقمنة والدقة في التوقعات والتحليل العميق واستنتاج عناصر جديدة؛ فلذك لابد من أن يتكيف جميع الأفراد مع هذه المفاهيم الجديدة التي لا يمكن الاستغناء عنها ولابد من إدراكهم هذا التأثير للتعامل معه بشكل يحقق الاستفادة منه على أكمل وجه، مع الأخذ في عين الاعتبار بأن الذكاء الاصطناعي يلزم وجود عملية التكيف بين كلاً من خوارزميات الذكاء الاصطناعي وبين عمليات الإنتاج؛ فتحول المؤسسات إلى المؤسسات الرقمية هي بداية للنجاح إذ يتم التعامل مع البيانات لصالح المؤسسات وإدراك تلك الخوارزميات للتطبيق بالشكل الصحيح.
وهذا على النقيض من أنظمة السياسات الإدارية في ظل البيانات التقليدية والتي يتم التعامل معها بالجمود وبشكل ثابت، فخوارزميات وتقنيات الذكاء الاصطناعي تكون مرنة ومتغيرة آنياً، فلابد من العلم بأن هذه الخوارزميات الخاصة بالذكاء الاصطناعي يجب أن تكون متسقة مع القيم الإنتاجية والتشغيلية لضمان تحقيق الأهداف، والتخطيط الذي يعتبر هو أساس مستقبل السياسات الإدارية، وختاماً نوصي بضرورة الاستفادة من ما أحدثته الثورة الرقمية واستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في العمليات الإدارية والتغيير في نمط السياسات الإدارية وتدريب الأفراد على فهم هذه المعاني الجديدة والتقنيات الجديدة والتدريب على كيفية الاستخدام والتوظيف وربطها بالمهارات والخبرات لديهم، وبذلك لا يكون قد حلت التكنولوجيا محل الموارد البشرية وإنما تم اعتبارها عامل مساعد للتطوير وتحقيق الأهداف والحفاظ على الوقت والجهد وزيادة وعي الموظفين بأهمية الرقمنة وكيفية الاستفادة منها.