قد ينظر البعض إلى زيارة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله و رعاه- إلى جمهورية مصر العربية، ولقاء أخيه فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس جمهورية مصر العربية والقمة التي عقدت وما تلاها من لقاءات وانعقاد مجلس رجال أعمال وغيرها، على أنه لقاء أو قمة مثل بقية القمم والزيارات التي يتبادلها القادة والزعماء من حول العالم.
ولكن نؤكد ونقول كما يقول سيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي في عبارته الشهيرة: "لا والله" فهنا نقول لا والله، إن هذه الزيارة وهذه القمة وتلك اللقاءات لم ولن تكون بالعادية، وهي قمة ولقاءات عظيمة وفريدة بل وخالدة من الآن ومستقبلا، وسيخلدها التاريخ لتحكى فيما بعد وتسرد وتقص للأجيال القادمة لما لها من أهمية من حيث القيمة، والمعنى والمغزى، وكذلك التوقيت أو لنقل الزمان والمكان، بل والأهم لما لها من دور عظيم وأثر كبير لاحقا، ولما سيبنى عليها مستقبلا من خير للبلدين والشعبين الشقيقين، وللمنطقة والأشقاء العرب، بل وللبشرية جمعاء.
فأولا وقبل كل شيء، هذه الزيارة التاريخية التي قام بها مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم – حفظه الله ورعاه- بدعوة شخصية من أخيه سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، زيارة تعد بكل المقاييس تاريخية بل وفريدة من نوعها، إذ تكتسب أهمية عظمى، ليس لأنها ليست لقاء رئيسي دولتين عاديين، بل هي قمة زعيمين وقائدين فذين عظيمين يتحليان بالحكمة والحنكة والموعظة الحسنة، ولذا فهي قمة زعيمين تاريخية بما تعني الكلمة، وهي قمة بين دولتين محوريتين ومركزيتين ولهما تاريخهما و حضارتهما وثقلهما و وزنهما العالمي، فجمهورية مصر العربية أول وأقدم حضارة في التاريخ وأم العرب الرؤوم والشقيقة الكبرى لكل العرب، وهي البلد الذي يتوسط العالم وصاحبة أهم ممر مائي يربط بين الشرق والغرب و بين شمال العالم وجنوبه وهو قناة السويس، ومصر التي توصف بـ " أم الدنيا" ولها من اسمها نصيب حقا هي التي تملك مفاتيح كثير من الملفات الإقليمية و الدولية وهي التي لعبت على مر التاريخ وما زالت تلعب دورا كبيرا في حل الكثير من القضايا الدولية العالقة..
و أما سلطنة عمان، فهي بلد الحضارة العمانية الخالدة، الضاربة في جذور التاريخ والتي استطاعت أن تعلم العالم، ويجوبه رجالها الأشاوس من شرقه إلى غربه فتمتد آثارها الحضارية لتصل إلى أقصى الشرق في في بلاد الهند والصين، وفي الجنوب الأفريقي لتصل إلى رواندا وبوروندي وتنزانيا وزنجبار وغيرها لتظل أثارها شامخة حتى اليوم، وهي بلد السلام والأمن والأمان والدبلوماسية الرائدة التي استطاعت أن تملك علاقات ود ومحبة وصداقة وعلاقات سلام ووئام مع العالم، وهي البلد الذي يملك مكانة جيوسياسية فريدة إذ تتوسط العالم وتقع على مضيق هرمز حلقة الوصل الثانية بين الشرق والغرب، وسلطنة عمان هي قائدة السلام في حل المشكلات والملفات العالقة إقليميا وعالميا.. ولذا أستطيع أن أقول أن هذه القمة تاريخية، وهذه اللقاءات لقاءات وقمم زعيمين عالميين، ولقاءات تواصل وتكامل بين حضارتين، بل وليستا أي حضارتين، أنهما حضارتين عظيمتين ضاربتين بجذورهما في التاريخ أنهما الحضارتين المصرية القديمة "الفرعونية" وحضارة "مجان"، ولذا يأتي لقاء الزعيمين الحكيمين الرئيس عبدالفتاح السيسي، وجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، ليكون حلقة في سلسلة التواصل الحضاري والتاريخي المصري- العماني على مر التاريخ والعصور والزمان.
تأتي هذه الزيارة وتلك القمة التاريخية وما صاحبها من لقاءات ونقاشات وانعقاد لمجلس الأعمال وغيره، وأيضا ما أعقبها من اتفاقيات استكمالا للعلاقات الوثيقة والوطيدة بين القطرين العربيين الشقيقين (المصري والعماني) لما بينهما من علاقات وثيقة منذ أقدم العصور، فكما وصف علماء التاريخ والآثار والحضارة أن عمق العلاقات العمانية- المصرية يمتد لأكثر من أربعة آلاف سنة، وقد استدل على ذلك بأن وجدوا اللبان العماني في المعابد الفرعونية القديمة، وأن البخور العماني كان يستخدم في المعابد الفرعونية القديمة، كما أن النقوش الفرعونية المكتوبة على جدران معبد الدير البحري بمدينة الأقصر تشير إلى أن الملكة حتشبسوت كانت قد زارت منطقة ظفار، وهكذا هناك الكثير والكثير من الشواهد التاريخية ..
حديثا هناك الكثير والكثير من الروابط و الشواهد المهمة بدءا من الموقف العماني الخالد للسلطنة وللمغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد - طيب الله ثراه - مع مصر بعدما حدث من موقف عربي غير متوقع إثر توقيع مصر لاتفاقية كامب ديفيد الشهيرة والبناء عليه حتى استرداد مصر لكامل أرضها وترابها في سيناء الحبيبة، وقد سجل التاريخ موقف السلطان قابوس الخالد مع مصر والعبارات الشهيرة التي رددها وأبرزها " لقد ثبت عبر مراحل التاريخ المعاصر أن مصر كانت عنصر الأساس في بناء الكيان و الصف العربي، وهي لم تتوان يوما في التضحية من أجل الدفاع عن قضايا العرب والإسلام، وأنها لجديرة بكل التقدير والاحترام ........."
ولذا كانت العلاقات المصرية العمانية الحديثة علاقة وثيقة وترابط وتكامل وتعاون وأخوة ومحبة على مستوى كافة القطاعات والمجالات وليس بين الزعماء فحسب بل بين الشعبين الشقيقين، وقد تواصلت في عهد السلطان الراحل قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه-، وها نحن نرى في عصر النهضة المتجددة كيف أولى مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله و رعاه- أهمية كبرى وأولوية عظمى لمصر قيادة وحكومة وشعبا، وها هي أول زيارة تاريخية له خارج نطاق دول مجلس التعاون الخليجي يخص بها الشقيقة مصر ويلتقي خلالها في قمة تاريخية وعلى رأس وفد رفيع المستوى مع أخيه فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي .
وأما عن الجانب المصري فيعرف جميعنا مدى الحب المصري لسلطنة عمان وقيادتها وشعبها على كافة المستويات، كما يعرف جميعنا الدور المصري ووقوف الشقيقة مصر مع الأشقاء في السلطنة في حقبة السبعينات وما قبلها في التعاون والتكامل في شتى المجالات وخاصة التربية والتعليم والصحة والإعلام وغيرها وما زال هذا التعاون مستمرا بل وأكثر ازدهارا وتماسكا وترابطا.
على المستوى الاقتصادي تتخذ هذه الزيارة أهمية وبعد كبيرين حيث أولت القيادة الحكيمة في كلا البلدين أهمية خاصة للجانب الاقتصادي وخاصة التبادل التجاري والاستثماري والتعاون والتكامل الاقتصادي على كافة المستويات، كما وأن رؤيتا البلدين الشقيقين، رؤية مصر 2030، و "رؤية عمان 2040" تتقاربان وتتكاملان في كثير من الجوانب وأبرزها تنويع مصادر الدخل، وزيادة مساهمة القطاع السياحة فيها، واجتذاب العديد من الاستثمارات الأجنبية وغيرها، ولذا فهما رؤيتان متطابقتان ومتكاملتان، وكما شهدنا أنه خلال تلك القمة تم توقيع العديد من اتفاقيات التعاون والتكامل بين البلدين الشقيقين في العديد من المجالات حتى ينعكس أثر ذلك بالخير والإيجاب والازدهار على الشعبين والبلدين الشقيقين.
أما من ناحية التوقيت وعنصر الزمان فتتخذ هذه القمة أهمية كبرى إذ تأتي بين قائدين فذين لديهما من الإيمان بوحدة الصف العربي والعروبة والإسلام وتكاملنا كأمة عربية القناعات الكبرى التي لا تقبل أي شك، كما ولديهما من الإيمان بسياسة السلام وحل القضايا بالطرق السلمية وعدم التدخل في شؤون الدول أو الغير، وكذلك احترام سيادة الدول، علاوة على أن تلك القمة التاريخية بين زعيمي مصر وعمان تأتي عقب أيام قليلة من القمة الخليجية الثانية والثلاثين والتي استضافتها مدينة جدة بالمملكة العربية الشقيقة وما شهدته من استضافة الرئيس السوري بشار الأسد ومن حلحلة لكثير من القضايا العربية والإقليمية محل الاهتمام العربي المشترك ومنها الملف السوري واليمني والليبي والسوداني، وحتى التقارب السعودي- الإيراني وغيرها وكلها ملفات محل اهتمام من قبل الزعيمين وسيبنى على ما تم في قمة جدة وبأذن الله ستشهد كل هذه المشكلات انفراجات كبيرة قريبا.
وهنا نقول ونؤكد على ما ذكرناه سابقا من أن هذه القمة والزيارة التاريخية سيبنى عليها لاحقا في حل الكثير من المشكلات والقضايا العالقة محليا و إقليميا وفي كثير من أقطار المنطقة وخاصة الملفات العربية منها، ومن ثم ستكون بداية لتجنب الكثير من الخلافات والتصدعات والصراعات بل والحروب في المنطقة ولذا قلنا أن قمة الزعيمان المصري والعماني قمة وقدم خير ليس على العرب فحسب بل على البشرية جمعاء.
حفظ الله بلدينا الأشقاء شامختين في أمن وأمان وسلام وحفظ الله زعيمينا وقيادتينا الحكيمتين فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي، وحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، وجعلهما زخرا لنا ولبلدينا وشعبينا وللأمتين العربية والإسلامية و متعهما بموفور الصحة والعافية و العمر المديد سخاءا رخاءا. اللهم أمين يا رب العالمين.