بقلم: علي بن راشد المطاعني
تكتسب زيارة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق - حفظه الله ورعاه - إلى جمهورية مصر العربية اليوم أهمية كبيرة على العديد من المستويات والأصعدة السياسية والإقتصادية ، وتجسد عمليا للعلاقات التاريخية المتميزة والممتدة بين البلدين الشقيقين طوال نصف قرن من الزمان لتبقى ثابتة وراسخة كشم الجبال رغم كل ما شهدته المنطقة من صراعات وتداخلات وتباينات .
غير أن العلاقة بين مسقط والقاهرة ظلت تابتة وراسية ، وتحمل بين طياتها الكثير من الدلالات الهامة إزاء نهج العلاقات بين الدول ، ولعل من أهمها الحفاظ على المستويات المتميزة ذات النهكة الخاصة للعلاقات بين البلدين فكلاهما عريق وأصيل ، وكلاهما يتوسد مخادع لحضارة ضاربة بجذورها في أعماق أعماق التاريخ ، وتلك هي البوصلة الأكثر دقة وصرامة والتي تحدد المسار المستقبلي للعلاقات الثنائية وكيفية التعاطي مع المستجدات والمتغيرات بدون أن تتزحزح قيد أنملة عن مكانتها الثابتة والتي لا تتغير مواقفهما بتغير الحكومات وبإعتبار أن راسيات الجبال أصلا لا تتزحزح عند إشتداد العواصف .
الأمر الذي يبعث على الإرتياح الكبير لهذه الصيغة الفريدة للتأخي بين بلدين يكن كلاهما الحب أسماه وأجزله للآخر ويعمل كلاهما على الحفاظ أبدا على هذه الوشائج المباركة بحول الله .
فالزيارة التاريخية التي يقوم بها جلالة السلطان المعظم - حفظه الله - على رأس وفد رفيع المستوى تعبر عن مكانة مصر العالية والغالية في قلوب العُمانيين ، وبالتالي فإن الزيارة وبهذا المستوى تُعد تتويجا للعلاقات التاريخية المتطورة أصلا على كافة المستويات وتعظيما لحتمية تسخير مخرجاتها لما يخدم البلدين والشعبين الشقيقين .
وبالتأكيد فإن مصر حكومة وشعبا وتاريخا يتذكرون بالفخر كله مواقف السلطنة منذ عام 1979 عندما قاطعتها معظم الدول العربية بعد اتفاقية كامب ديفيد ونقل مقر الجامعة العربية من القاهرة ، بيد أن سلطنة عُمان كانت ترى بأن مصر أكبر من أن تقاطع أو تُحارب وهي التي قدمت المهج والأرواح فداء لقضية العرب المحورية فلسطين أعني ، حدث ذلك رغم الظروف الإستثنائية التي كانت تمر بها السلطنة وقتئذٍ وكانت نهضتها المباركة لاتزال طفلا في التاسعة من عمره .
وكانت ما برحت بإحدى يديها تداوي جراحاتها نتيجة الحرب في الجنوب ، وكانت باليد الأخرى والقدم الأخرى تحفر في الأرض عميقا تأسيسا لنهضة أنطلقت ولم تتوقف بعد ذلك أبدا بفضل الله ورحمته .
ومع هذا ورغم كل ذلك أبت أن تضحى بعلاقاتها مع مصر على حساب سراب يلمع في متاهات الشوق الكذوب مدعيا ان مصر من الممكن أن تُنسى ، لقد ذهب الزبد جفاء وبقي ما ينفع الناس في الأرض تلك كانت مصر ، ولايخفي على أحد أن السلطنة دفعت ثمنا باهظا نتيجة أصرارها على ذلك الموقف إيمانا منها بأن المبادئ لا تتغير ، وأن الثوابت لا تتبدل ، وعلى كنف تلك المبادئ عادت مصر بكل شموخها المعروفة به عبر الحقب والأزمان والعصور .
ومنذ تلك الملحمة التي خلدها التاريخ كانت السلطنة بقيادة المغفور له بإذن الله السلطان قابوس بن سعيد ـ طيب الله ثراه ـ تكافح من أجل أن تعود مصر إلى الحضن العربي ، وعودة الجامعة العربية لبيت العرب الكبير القاهرة الصامدة .
ولعل من المشاهد المؤثرة والتي لا تنسى عندما عاد العرب لأنفسهم بعد سني التيه وقرروا عودة مصر لبيت العرب الكبير ، إصطحب جلالة السلطان قابوس في عام 1989 فخامة الرئيس حسني مبارك - رحمه الله - من القاهرة إلى تونس في طائرته الخاصة لحضور القمة التي عادت مصر بموجبها ، في مشهد يعكس مدى التواد والخصوصية بين عُمان ومصر ومدى عظمة الحب العامر الذي يجمع قيادات البلدين ، وهناك الكثير من المواقف والشواهد والأحداث التي تؤطر برباط من المودة للعلاقات المتينة بين البلدين ، والواقع الحي يؤكد بأن العلاقات بين البلدين وطوال نصف القرن الماضي لم تشوبها شائبة أو سؤ فهم وفي كل القضايا الأقليمية والدولية وفي كافة المحافل العالمية ، هنا يتجلى النموذج الذي يستحق أن يُضرب به المثل في العلاقات بين الدول والحكومات ، وهي علاقات بحجم إهرامات الجيزة قدما وبحجم جبال عُمان النارية طولا وعرضا .
فهذه الزيارة التي يقوم بها جلالة السلطان المعظم - حفظه الله - تستند على أرضية صلبة قادرة على إستيعاب كل مجالات التعاون في كافة المجالات الاقتصادية والسياحية والصناعية والإستثمارية وبما يعود بالخير على البلدين .
وعلى ذلك فان سلطنة عُمان بقيادة جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ماضية على ذات النهج الذي قامت عليه عمد وأركان العلاقات التي أرساها الرعيل الأول من القادة الميامين وماضية في ترسيخها لتغدو قمرا مضيئا يشأر إليه في العلاقات بين الدول والحكومات لا في عالمنا العربي فحسب بل في العالم كله وجميعه .
ولا ينبغي علينا أن نغفل في هذه العجالة دورهما الواضح في جهود رأب الصدع والخلافات في العلاقات العربية العربية ، وجهودهما الحثيثة في تعضيد التآزر العربي العربي ، والحرص على وحدة الصف بإعتباره القوة المفتقدة أبدا نظير التكتلات الإقليمية والدولية ، ناهيك عن مواقف مسقط والقاهرة في المحافل الدولية والتي يفخر بها الجميع في توحيد الرؤى وتنسيق المواقف بما يحقق الأهداف والغايات المشتركة ، وهناك الكثير من المواقف التي تشهد بأن السلطنة كانت دائما الداعم الدائم لمواقف مصر في الساحة الدولية ومؤازرة لترشخ الشخصيات المصرية لقيادة المؤسسات الدولية وغيرها من المواقف والمشاهد .
نأمل أن تكلل زيارة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه إلى قاهرة المعز بالتوفيق والسداد لما فيه خير البلدين والشعبين وبمثابة فتح آفاق أوسع تسهم في استثمار هذه العلاقات وتوظيفها بشكل امثل ، فالسلطنة ومصر يقفان في طليعة الرمح العربي المصادم سلاما وإخاء وحبا ومودة وسيظلان كذلك أبدا بحول الله وقوته.