العلاقات العُمانية - المصرية تاريخية وضاربة في عمق التاريخ ، وتنفرد بخصوصية متميزة على مر العصور ، فقد سجلت النصوص الفرعونية منذ أكثر من 2590 ق.م ، رحلات بين مصر وبلاد بونت " ظفار حاليا "، التي استوردت منها الملكة المصرية "حتشبسوت " اللبان والبخور ، الذي استخدم في الطقوس الدينية في المعابد المصرية القديمة
وفي العصر الحديث تطورت العلاقات السياسية والاقتصادية المتنوعة مع مرور الزمن وبعد قيام سلطنة عمان الحديثة في عام 1970 بقيادة السلطان قابوس بن سعيد ، و استمرت العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية بين البلدين على الرغم من المقاطعة العربية لمصر، في أعقاب اتفاقية كامب ديفيد ، وكانت سلطنة عمان هي الدولة العربية الوحيدة التي كان لها نظرة ثاقبة و لم تقطع علاقتها مع مصر ،حيث أثبت التاريخ صحة هذا الموقف الذي اتخذته السلطنة بقيادة جلالة السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه ، وكان مؤيدا للرؤية المصرية والسياسة التي انتهجها الرئيس الراحل محمد أنور السادات والتي اقتنع بها العرب بعد ذلك وبعد أن ثبت صحة الرؤية المصرية – العمانية ، وكانت هذه قناعات السلطان قابوس - رحمة الله عليه بفكره الثاقب الذي سبق بها غيره من القادة والسياسيين العرب ، و هذا النهج قد وضعه السلطان قابوس حينما قال عن مصر "لقد ثبت عبر مراحل التاريخ المعاصر أن مصر كانت عنصر الأساس في بناء الكيان والصف العربي، وهي لم تتوان يومًا في التضحية من أجله والدفاع عن قضايا العرب والإسلام، وأنها لجديرة بكل تقدير".
وتأتي اليوم زيارة جلالة السلطان هيثم بن طارق لجمهورية مصر العربية لبحث مختلف جوانب العلاقات بين الدولتين والقضايا ذات الاهتمام المشترك، بما في ذلك التطورات التي تشهدها المنطقة، وما تفرضه من تحديات كبيرة على دول وشعوب المنطقة، والزيارة امتداد لتوافق الرؤى والسياسات العمانية - المصرية - في إطار الاحترام والتقدير المتبادل ،مما له دلالة عميقة، على صعيد العلاقات الراسخة والوثيقة بين السلطنة وجمهورية مصر العربية، حيث تمضى العلاقات الثنائية بإرادة سياسية واعية للزعيمين العماني والمصري ومدركة للقواسم المشتركة التي تجمع البلدين والشعبين الشقيقين ، خاصة ونحن نحتفل بمرور 50 سنة على العلاقات بين مصر والسلطنة؛ تلك العلاقات الضاربة فى جذور التاريخ من قديم الزمن ، والتي تعززها العلاقات الاقتصادية والتجارية الواسعة والمتنامية ، وحجم التبادل التجاري المتزايد ، والاستثمارات المتبادلة ، وأن امتداد تلك العلاقات ما بين التجارية والسياسية والاستراتيجية، و الروابط الاجتماعية والثقافية، المتميزة والمتزنة والراسخة ، سوف يسهم وعلى نحو إيجابي في تطوير العلاقات الثنائية القائمة واستثمارها لخدمة المصالح المشتركة والمتبادلة في كل المجالات، وكذلك على الصعيد الإقليمي والدولي ، لتعزيز مناخ الأمن والاستقرار والتعاون لحل الخلافات بالحوار والطرق السلمية وبما يعزز أواصر الصداقة و العلاقات الطيبة من أجل إيجاد حلول سلمية للمشكلات والخلافات والقضايا الراهنة على الساحة العربية والخليجية والإقليمية ، والتي تدفع الشعوب العربية ثمنها من حاضرها ومستقبلها، خاصة وأن هناك إسهامات وخبرات دبلوماسية عمانية بناءة بالنسبة للكثير من هذه القضايا والتطورات والأحداث ، وما تفرضه من تحديات كبيرة ، تؤثر على شعوب المنطقة ، التي تتوق إلى السلام والأمن والاستقرار وإلى بناء حياة أفضل لأبنائها بعيدا عن الصراعات والتهديد أو استخدام القوة، وهى منطلقات أساسية وعميقة في العلاقات العمانية المصرية، تسهم في صنع نموذج لتحقيق المصالح الوطنية وفق خيارات مستقلة بعيدة عن أية صورة من صور التدخل في الشؤون الداخلية،
وتحقيق المصالح المشتركة والمتبادلة لكل دول وشعوب المنطقة، وفي إطار توازن و تعادل المصالح،
وأيضا على صعيد التعاون الثنائي ، فإن الآمال معقودة على أن تتمخض القمة بين جلالة السلطان هيثم والرئيس السيسي عن زيادة حجم الأنشطة الاقتصادية و التبادلات التجارية ،حتى تصل إلى مستوى العلاقات السياسية القائمة بين قيادة البلدين ،وأن تسفر عن المزيد من الاستثمارات والتجارة البينية وزيادة الصادرات ، والاستفادة من الفرص المتاحة في السلطنة ،و من القدرة الشرائية العالية التي يتمتع بها السوق العماني، و من موقع عمان الاستراتيجي للنفاذ إلى الأسواق المجاورة ،وكذلك الاستفادة من السوق المصري الذي يعتبر إحدى المحطّات الهامة التي يمكن من خلالها إعادة التصدير للبلدان الأفريقية ، من خلال مجموعة "الكوميسا "