الشبيبة - العمانية
شهدت المجتمعات الإنسانية توسعًا في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي خلال السنوات الأخيرة، خاصة استخدام الأطفال لها وتأثرهم بما يُعرض من مضامين، ويقع الدور الأكبر في عملية التنشئة الاجتماعية على الأسرة والمدرسة خصوصًا خلال السنوات الأولى من حياة الطفل.
وتأتي ظاهرة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي مظهرًا حديثًا وبديلًا لوسائل التواصل التقليدية خاصة مع تطور التكنولوجيا وتزايد وسائل التواصل المعاصرة، وهذه الوسائل تترتب عليها آثار إيجابية وسلبية؛ الأمر الذي يحتم على المستخدم أن يكون واعيًا وقادرًا على التمييز بين ما هو مفيد وغير مفيد.
وقال عدنان بن مصطفى الفارسي مدير الأمانة الفنية للجنة الوطنية لشؤون الأسرة: إنّ التطورات التكنولوجية متسارعة جدًّا حيث انتقل العالم كله وأصبح بين أيدينا من خلال جهاز صغير (الهاتف الذكي)، إضافة إلى الانتشار الواسع للتطبيقات مثل الانستجرام والسناب شات وما يشابهها، والتي جميعها أصبحت تمثل هاجسًا مخيفًا للأسر والمجتمعات.
وذكر أنّ وزارة التنمية الاجتماعية نفذت بالتعاون مع جمعية الاجتماعيين العُمانية في (2020) دراسة حول أثر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على تنشئة الطفل في المجتمع العُماني (التعليمية الاجتماعية النفسية الصحية)، والتي طُبّقت على عينة من طلبة المدارس تتجاوز ألفي طفل من الذكور والإناث من مراحل الدراسة المتوسطة.
وتوصلت الدراسة إلى أن نسبة امتلاك الأطفال للأجهزة الإلكترونية بمختلف أنواعها تبلغ 99%، منهم أكثر من 75% يمتلكون أجهزة هاتف نقال، وأكثر من 45% من الأطفال يملكون أجهزة حاسب آلي، وأكثر من 35 % يمتلكون أجهزة لوحية، و5 % يمتلكون أجهزة أخرى.
وأفاد بأنّ الدراسة بينت أنّ أكثر من 35% يمتلكون ألعاب فيديو وتختلف من حيث طريقة اللعب والعرض، إذ إن أغلبها مرتبط بالعنف والقتل والكراهية والعديد من الأفكار الدخيلة على مجتمعاتنا.
كما أن هذه الألعاب تعرض صورًا غير مناسبة وخادشة للحياء، وقد تدعو الأطفال والأسر - على حد سواء - إلى قبولها وعدم استنكارها على المدى البعيد، ما يسهم في إيصال رسائل مبطنة للأجيال وتغيير تفكيرهم.
وذكر أنّ الدراسة أشارت إلى أنّ نسبة استخدام الأطفال للأجهزة الذكية من ساعة إلى ساعتين بلغت 24 %، ومن ساعتين إلى 3 ساعات يشكلون 21 %، ومن 3 ساعات إلى 5 ساعات يمثلون 17 %.
وقال إنّ الدراسة بينت أنّ أكثر من 50% تقريبًا من الأطفال يستخدمون الإنترنت كل ساعتين إلى 5 ساعات وأكثر، ويكثر الاستخدام في فترات نهاية الأسبوع والعطلات ووقت الليل، وهذا يعد مؤشرًا خطيرًا، حيث إنّ أكثر من 89% من الأطفال يملكون حسابات خاصة في وسائل التواصل الاجتماعية.
وحول تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الأبناء وتنشئتهم التنشئة الصحيحة والسليمة اجتماعيًّا وصحيًّا؛ قال مدير الأمانة الفنية للجنة الوطنية لشؤون الأسرة: إن ذلك يظهر من خلال ما نلاحظه من سلوكيات لبعض أولياء الأمور من الآباء والأمهات، حيث يعمدون إلى إشغال أطفالهم بهذه الأجهزة لتجنب مضايقاتهم وإزعاجهم، وإلهائهم في الوقت نفسه، كما أنّ الحوار الأسري أصبح متزعزعًا نوعًا ما بسبب اشتغال أولياء الأمور بالأجهزة.
وأكّد أنّ تأثير هذه الوسائل كبير وعميق، فوسط انتشار وتنوع البرامج والتطبيقات أصبح البعض يستغلها لنشر حياته الخاصة، ما يعرضهم للانتقاد أحيانًا، ويشاركون ذلك مع أطفالهم؛ الأمر الذي قد يؤثر على نفسياتهم ويؤثر بشكل سلبي على المدى البعيد ولو لم تكن آثاره واضحة في فترات قصيرة.
ووضح أنّ استخدام الأطفال لمنصات التواصل الاجتماعي من الأكثر إلى الأقل تأتي بهذا الترتيب: واتساب، انستجرام، يوتيوب، سناب شات، تويتر، فيس بوك، ماسنجر.
وبين أنّ أسباب استخدام الأطفال لهذه التطبيقات مختلفة، فأكثر من 90% يستخدمونها للترفيه والتسلية، والنسبة الأقل هم من يستخدمها للبحث عن معلومة ومعرفة أحداث العالم، أما التواصل مع الآخرين وتكوين صداقات جديدة ومتابعة المشاهير فتفوق نسبتهم 85%.
واعتبر أنّ تكوين الأطفال والمراهقين لصداقات مع أشخاص مجهولة أمر خطير، إذ قد يوهم البعض بأنّ هذا الصديق في مثل سنه ولكنه شخص كبير، وبعد فترة من الوقت تتمُّ عمليات الابتزاز ونقل المعلومات السرية والتهديد.
ولفت إلى أنّ الدراسة التي أجرتها وزارة التنمية الاجتماعية بالتعاون مع جمعية الاجتماعيين العُمانية طرحت تساؤلًا مهمًّا يتمثل في أسباب لجوء الطفل إلى العالم الافتراضي ليعبر عن مشاعره وآرائه وأفكاره، وأين هو من الواقع.
وقال إنّ الطفل لو وجد الأسرة التي تحتويه وتستمع لآرائه ويستطيع أن يعبر عن أفكاره أمامهم بدون مخاوف وتقييد لما لجأ إلى عالم افتراضي، ما يجعله عرضة لأفكار سلبية؛ لأنه يجد من يستغل ذلك ويؤيده فيستمر على هذا النحو، وذلك يؤثر على تربيته وسلوكه وشخصيته، فبالتالي يستخدمها ليثبت ذاته بعيدًا عن محيطه الأسري والاجتماعي.
وذكر أن هناك تقارير عن مواقع التواصل الاجتماعي في الوطن العربي وتأثيرها على القيم والجوانب النفسية للأسرة، تشير إلى أن هناك قلة في التفاعل بين أفراد الأسرة، وأن الأطفال كانت لديهم إبداعات في اكتشاف برامج في التكنولوجيا ولكن كثرة برامج التسلية والترفيه تسببت في قتل الجانب الإبداعي لديهم.
وأفاد بأنّ الدراسات تشير إلى أنّ كثرة استخدام هذه الوسائل وألعاب الفيديو والتقنيات الحديثة تؤثر على أعصاب الطفل خاصة الأعصاب المسؤولة عن الرياضيات والحساب، كما أنّها تعد بشكل عام مهدرة للوقت، وتضعف العلاقات الأسرية والاجتماعية وتسهل من عمليات الخطف والقتل والسرقة وإنشاء هويات زائفة وعلاقات وهمية.
وأكّد عدنان الفارسي على دور الأسرة في التمكين الرقمي وإدارة وسائل التواصل الاجتماعي من خلال تفعيل رادارات المراقبة المرتبطة ببعض التطبيقات الذكية، والتقليل من ساعات استخدام الطفل للإنترنت، وتعزيز ثقتهم من خلال الحوار وتبادل الخبرات الرقمية، إضافة إلى تعليمهم أساسيات استخدام الإنترنت وكيفية المحافظة على معلوماته وبياناته الشخصية وألا يدلي بأي معلومات خاصة.
في هذا السياق أكّدت غنيمة بنت سليمان الشكيلية مشرفة إرشاد اجتماعية بمديرية التربية والتعليم بمحافظة جنوب الباطنة، على أنّ للقيم الدينية تأثيرًا واضحًا على تعديل سلوك الأبناء واستقامتهم، لا سيما في البيئة المدرسية.
وأضافت أنّ كلًّا من العملية التربوية ودور القدوة (الهيئة التدريسية والإدارية) يعملان على تأصيل القيم الدينية من خلال البرامج والمشروعات والأساليب الجاذبة التي تعزز القيم لدى الطلبة، إلى جانب حضور مبدأ الابتكارية والتجديد والتشاركية في تفعيل هذه البرامج والمشروعات القيمية.
وأضافت أن هناك تأثيرات واضحة في سلوك الأبناء إثر استخدامهم لوسائل التواصل الاجتماعي ظهرت على شكل تغيرات قيمية في التعامل مع الوالدين والتعامل مع الآخر، واللامبالاة وعدم تحمل المسؤولية، والمظهرية والتقليد، وشغل أوقات الفراغ بالألعاب الإلكترونية ومتابعة المشاهير وإدمان برامج التواصل.
وأكّدت أنّ هذه المعطيات تؤثر سلبًا على طريقة تفكيرهم، حيث يصبح الدماغ متلقيًا للكثير من الاتجاهات والسلوكيات والأفكار الجاهزة التي تُملَى على المستخدم من خلال تكرار وتأكيد المقاطع المرئية والصوتية، وتكرار الصور المتداولة التي تحمل الكثير من الأفكار، والتي تنتمي إلى ثقافات متعددة قد تتناسب مع مجتمع وتتنافى مع ثقافة مجتمع آخر.
وبيّنت أنّ من بين المعطيات التي يجب ألا نغفل عنها في هذا الجانب الأساليب المختلفة الأخرى كالاستعمالات العاطفية والعقلية التي تتخلل التعاملات المختلفة عبر هذه الوسائل أفرادًا أو جماعات أو مؤسسات.
من جانبها قالت نورة بنت حمد الصبحية أخصائية دراسات وبحوث أول وسائل التواصل الاجتماعي: إنّ وسائل التواصل الاجتماعي تُعرف على أنها الكائن الخفي الذي يعيش معنا من خلال التأثير على المشاعر، والسلوك، والممارسات وأنها العالم غير المتناهي من العالم المتفاعل بتنوعه العقدي والثقافي والاجتماعي والنفسي والعمري.
وأضافت أنه على الرغم من التأثير المتباين لوسائل التواصل الاجتماعي على المستوى الإيجابي والسلبي على كافة المستخدمين، إلا أن غير المستخدم لها والذي يعيش في دائرة المستخدمين أصبح متأثرًا، ووفقًا لصغر سن الأطفال يصبح التأثير مضاعفًا ويتجه للمنحى السلبي إذا كان الطفل يعيش في مؤشرات أسرية متذبذبة.
وتطرّقت إلى واقع استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لدى الأطفال في سلطنة عُمان، مُشيرةً إلى أنّ إلى الدراسات البحثية في هذا المجال، والواقع الذي تعكسه عن صورة التأثير الحقيقي، وصف أدوات الاستخدام والأغراض والتأثيرات.
واستشهدت بدراسة أجريت في 2015 بعنوان (استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لدى طلبة الحلقة الثانية من التعليم الأساسي في محافظة شمال الشرقية بسلطنة عمان) وعلاقته ببعض المتغيرات، وطُبقت على طلبة محافظة الشرقية للصفين السابع والعاشر في خمس مدارس من الذكور وأخرى من الإناث.
وذكرت أنّ النتائج خلصت إلى استخدام الطلبة للإنترنت في الفترة المسائية وفترة الإجازات الأسبوعية والعطلات، بالإضافة إلى الاستخدام من حيث الأغلبية لمدة لا تقل عن ساعتين يوميًّا وبتكرار مرات الاستخدام لثلاث مرات يوميًّا.
وبيّنت الدراسة أنّ البريد الإلكتروني أكثر التطبيقات استخدامًا، وحول أغراض الاستخدام يأتي الاهتمام الأول بالأغراض التعليمية وتبادل الصور ومقاطع الفيديو.
وأشارت إلى أنّ المركز الوطني للإحصاء في (2019) قام بدراسة حول السـن المناسـب لبداية اسـتخدام الجهاز اللوحي لدى الأطفال لتكون في عمر 13 سنة، وعند 17 سنة الاستخدام للهاتف النقال أو وسائل التواصل الاجتماعية.
وأفادت بأنّ الدراسة أظهرت أن نسبة 14 % من الأطفال العُمانيين ممن تقل أعمارهم عن 13 سـنة يسـتخدمون وسـائل التواصـل الاجتماعي، وأن أكثر الوسائل استخدامًا الواتساب والانستجرام، ويؤدي هذا إلى حقيقة مفادها تنامي ظاهرة استخدام الأطفال في المجتمع العُماني لوسائل التواصل الاجتماعي، وتكمن الخطورة في عدم القدرة على ضبط هذا الاستخدام.
وذكرت أنّ تقريرًا من منظمة اليونسكو أكد على أن تحديات القرن الواحد والعشرين تفرض على المجتمعات ضرورة التربية الإعلامية، على اعتبار أن وسائل التواصل الاجتماعي أحد أشكال الإعلام الجديد، وذلك في تنمية شخصية الطفل حتى يكون على مستوى من الوعي والإدراك الكافي الذي يمكنه من تدارك الآثار السلبية المترتبة على استخدامها ورفع مستوى آثارها الإيجابية.
وأكدت على ضرورة الأخذ بنظام المسار المضاد، عن طريق إيجاد منصات إلكترونية تدعم حق الطفل في الحماية الإيجابية من التأثير السلبي لوسائل التواصل الاجتماعية.
وقالت إنّ ذلك يتمثل عبر نظام عمل متكامل من الجهات متعددة القطاعات لبناء مادة علمية ممنهجة وفق المراحل العمرية، تتضمن الجانب الحقوقي للطفل وأسس الاستخدام الآمن والواقع الدولي والعربي والمحلي للرؤية الطموحة والآمنة للاستخدام من قِبل الطفل، وآليات التعامل مع الإساءات والآثار الدخيلة والسلبية.
وشددت على أهمية وضع مسارات للجهات وفق التسلسل المتاح، والذي يُمكّن الطفل من التواصل والاستفسار لطلب الاستشارة الآمنة، مع طرح منصات خاصة باستثمار الجوانب الإبداعية للطفل وتنمية الوعي من خلال التواصل مع المؤسسات الإبداعية والاجتماعية والثقافية والفرق التطوعية ومنظمات المجتمع المدني ومؤسسات التعليم العالي والابتكار، لطرح ما هو خلّاق ويلامس احتياج الطفل ويسهم في تفريغ طاقاته، والاستفادة من المسارات الإيجابية التي تشبع احتياجاته؛ ما يجعل الطفل ممكنًا ومكتفيًا من الدخول للعوالم الافتراضية المجهولة الآثار والهوية.