بقلم : علي بن راشد المطاعني
الكل يدرك أهمية القمح كسلعة إستراتيجية في حياتنا اليومية وكأهم مادة غذائية على الإطلاق في العالم بأسره، على ذلك لا تخلو منه موائدنا يوميا، وإن لم يكن هو بشحمه ولحمه فهو يشرفنا بإحدى مشتاقته أو صويحباته الكثيرات العزيزات المدللات، وكما نرى فإن الدول والحكومات تتسابق لتأمينه وتأكيد وتفعيل وجوده بنحو دائم من مصادر متعددة، ويحرص الجميع على وجود إحتياطيات كافية منه في المخازن والصوامع تكفي على الأقل لستة أشهر كاملة، ايمانا منها ويقينا بأهمية هذه السلعة، ولعل الجهود التي تبذلها المطاحن العُمانية في تأمين مصادر متعددة لشراء القمح تأت في هذا الإطار ولرفد الجهود التي تبذلها الحكومة لتوفيره من مصادر متعددة، وفي الوقت ذاته وبالتزامن تعمل هذه الشركة على شرائه من المزارعين في السلطنة سنويا بكميات كبيرة بهدف تشجيعهم على زراعته وتأكيدا على حقيقة إنه لاغنى عنه.
وتوسيعا لهذا المفهوم سلكت المطاحن العُمانية طريقا عالميا وصولا لشرائه من المزارعين الأستراليين مباشرة عبر تأسيس الشركة العُمانية الأسترالية المحدودة، مختصرة بذلك العديد من سلاسل الإستيراد، وإيجاد مصادر مباشرة لشراءه يتم بموجبها خفض التكلفة وإختصار الطريق الذي كان طويلا وصولا لهذه السلعة في تلك القارة النائية، ومن ثم إحضارها للأسواق المحلية.
الأمر الذي يبعث على الإرتياح لهذه الجهود التي تفرهد كباقة ورد عطرة خارج الصندوق لتعزيز منظومة الأمن الغذائي في البلاد، وتسهم في إيجاد طرق بديلة لإستيراد وتأمين فاعل لهذه السلعة.
بلاشك أن القمح الذي لا يغادر موائدنا يوميا قد يراه البعض سهل المنال وفي متناول الأيدي وبأسعار معقولة، ولكن هناك من لايعلم أيضا بأسرار العمليات المعقدة التي تجري خلف جُدر الصمت المهيب للحصول عليه وتزيد عن 17 سلسلة توريد إلى أن تصل إلى المستهلك الأخير.
كل هذه السلاسل تضيف تكلفة على السلعة كأمر طبيعي، وهو ما سعت المطاحن العُمانية إلى إختزالها في أقل الخطوات الممكنة والمتاحة لدرجة أنها أضحت تستورده من المزارع فيما خلف البحار إلى صوامع العُمانية عبر السفن الكبيرة التي تنقل آلاف الأطنان في خطوة تُعد الأولى من نوعها في الشرق الأوسط تخطوها ادارة الشركة ضمن جهودها لتأمينه لأسواقنا المحلية.
في الواقع فإن المطاحن العُمانية تعمل مند عام 1977 على تأمين إحتياجات الأسواق العُمانية من القمح بأنواعه، وتطور سبل عملها في هذا المجال كما ونوعا عبر طرق مختلفة وتقنيات علمية صرفة تسهم في إنتقاء أفضل الأنواع، وفي ذات الوقت الإلتزام بالجودة وبصرامة عبر مختبرات الأغذية المتطورة، وتطبق اقسى المعايير العالمية في هذا الشأن الذي لايقبل أنصاف الحلول بإعتباره يهم صحة الإنسان في هذا الوطن العزيز.
ولعل إستيراد أكثر 34 ألف طن من القمح في أول شحنة مباشرة تصل لأسواق السلطنة من أستراليا كانت خطوة نوعية أكدت دور المطاحن العُمانية في تأمين متطلبات الأسواق من هذه السلعة عبر إنتهاج مبدأ الإستيراد المباشر الذي يوفر ما يزيد على المليون دولار في الشحنة الواحدة، هذا إضافة لتكريس هذه الخطط وما تمثله من أهمية في أوقات الأزمات.
ونحسب بأن هذا الوقت هو كذلك على ضوء إرهاصات وإسقاطات الحرب بأوكرانيا، هذا النهج ننظر إليه بإعتباره جزءا من البدائل الإستراتيجية بعيدة المدى والنظر التي تسهم في توفير ضمانات أكبر في إنسيابه حتى في هذه الأوقات الصعبة.
بالطبع هذه الخطوة وغيرها كما أسلفنا تتزامن مع تعزيز الشراء من المزارعين في المحافظات بسعر يبلغ 500 ريال للطن الواحد، ومن ثم إيجاد منتج خاص للقمح العُماني تحت مسمى (البر العماني).
نأمل أن تجد هذه الخطوات المباركات التوفيق والنجاح ولما تمثله من أهمية تتجاوز تقليل سلاسل التوريد وخفض التكلفة، إلى إيجاد بدائل أخرى أكثر ضمانة في انسياب القمح من خلال تأسيس شركة عُمانية أسترالية تشتري من المزارعين مباشرة وبغض النظر عن مكان وجودهم قاريا.