بقلم: محمد محمود عثمان
طرأت على العالم الكثير من المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في السنوات الأخيرة ، و بدأت تلقي بظلال كئيبة على أسواق العمل الأجنبية والعربية ، خاصة تلك التي تعتمد اعتمادا مباشرا على عوائد النفط ،
حيث كان للحرب في أوكرانيا التي فرضت نفسها على اقتصادات العالم ، عواقب وخيمة، إذ وسعت الفجوة بين الشرق والغرب، فضاعفت من آثار الإنغلاق العالمي الذي فرضه وباء كورونا ، بعد أن تسببت في توقف سلاسل الإمداد ومنا تبعها من أزمة غذاء وطاقة أدت إلى معدلات التضخم غير المسبوق ،وارتفاع الأسعار في مختلف أنحاء العالم وكان المتضرر الأكبر هم طبقة العمال،
حتى بعد أن فرضت إمريكا بمشاركة الدول الأوروبية عقوبات اقتصادية على روسيا، أضرت أيضا باقتصادات أوروبا وأسواقها ، بعد حجم المساعدات المالية والعسكرية لأوكرانيا التي قُدمت لإزكاء الحرب ، واقتطعت من ميزاتيات هذه الدول وأثرت على مواطنيها بشكل مباشر
، حتى أننا نشهد الكثير من الاحتجاجات العمالية حتى في الدول الآوروبية المتقدمة ، اعتراضا على سوء أوضاعهم منذ أن بدأت أزمة كورونا وحتى أزمة أوكرانيا ، التي رسخت هذه التداعيات ، حتى في الاقتصاديات المتقدمة ، فقد شهدت ألمانيا توقف في المطارات وفي لندن تظاهر آلاف المعلمين إلى جانب عمّال في السكك الحديد وموظّفين في يوم احتجاجي تخلّلته إضرابات هي الأوسع نطاقًا والأعنف منذ عشرة أعوام في المملكة المتحدة التي تهزّها أزمة اقتصادية يغذّيها التضخم، لذلك استمرت حركة الإضرابات العمّالية التي لم تشهدها بريطانيا منذ سنوات طويلة، والتي شارك فيها ممرضون لأول مرة منذ تأسيس نقابتهم قبل أكثر من مئة عام، كما أعلنت نقابات كثيرة للعاملين في القطاع العام عن تنظيم إضرابات عن العمل
بعد أن دُعي نحو نصف مليون شخص في المملكة المتحدة إلى الإضراب، مع مرور مئة يوم على تشكيل حكومة ريشي سوناك رئيس الوزراء الأسيوي الأصل
ويطالب منفّذو الإضرابات في مختلف القطاعات برفع الأجور بما يتماشى مع زيادة التضخم البالغ 10.5% في المملكة المتحدة، ما يدفع بملايين البريطانيين نحو الفقر،
وقد أدت هذه الإضرابات إلى زيادة أيام العمل الضائعة بسوق العمل في بريطانيا بسبب الإضرابات والمنازعات العمالية وهو أعلى مستوى منذ أكثر من عقد، حتى أن بعض الشركات "بدأت في إلغاءعدد من الوظائف الشاغرة لأنها تحد من نشاطها ، ولا شك أن هذه المتغيرات تؤثر سلبا
على العلاقات بين أطراف الإنتاج ،ويكون الأمر أكثر سوءا في الدول التي كانت قد تخلت عمدا عن الكثير من تطبيقات معاييرالعمل الدولية ، ما يفاقم من إضطرابات سوق العمل، التي تأثرت من موجات التسريح الجماعي للعمال ومن تخفيضيات في الأجور بنسب مختلفة، واستمرت في حرمان العمال من نصف رواتبهم حتى الآن بلا مبررات مقبولة أو معقولة ، أثرت على الأنشطة التسويقية والشرائية ، وتاثر حركة السياحة، وقطاع العقارات التي يتضرر أصحابها من ضعف العائد وزيادة الديون للبنوك ، نظرا لضعف أو التأجير ، خاصة في الأسواق التي استغنت عن أعداد كبيرة من الأيد العاملة الأجنبية التي لها تأثير بشكل أو بآخر على أنشطة الأسواق في القطاعات المختلفة
، وعلينا البحث عن حلول لتساعد رجال الأعمال المتعثرين وشركات القطاع الخاص في الخروج من الأزمة ، حتى يمكن الإسهام بإيجابية في التصدى لمواجهة طوابير الباحثين عن عمل التي تتزايد كثافتها عاما بعد آخر،مضافا إليها جحافل الخريجين الجدد من مراحل التعليم بمستوياتها المختلفة، لأن تقارير صندوق النقد الدولي و لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا "إسكوا" تشير إلى أن معدلات البطالة في العالم العربي سجلت نسبا هي الأعلى عالمياً وبلغت 12%- 22% مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ 6%. وهي أرقام
مثيرة للقلق، ولا سيما أن هذه التقارير تشير إلى التخوف من الواقع الاقتصادي السائد في الدول العربية غير النفطية لأنه سيء للغاية ولا يبدو أنه سيتحسن في المدى القريب ما لم تتوفر سياسات وطنية ناجعة وظروف دولية مواتية.، لذلك علينا ألا نستسلم أو نسلم بذلك ، قبل أن نعمل على تطوير التشريعات المنظمة لأسواق العمل لتصحيح العلاقة بين أطراف الإنتاج، حتى تواكب متطلبات المرحلة الراهنة والمتغيرات الدولية ، و توفير الحد المقبول من الدخل ، الذي يحقق توازن المنافع المتبادلة لكل من العمال وأصحاب الأعمال، إلى جانب توفير الاستثمارات والصناعات التي توفر فرص عمل جديدة ، في مواجهة الحد من البطالة المتوقعة و المتزايدة والمتراكمة التي أصبحت تمثل عبئا كبيرا على كاهل الحكومات ، وحتى لا نجعل من المتغيرات العالمية شماعة لأي قصور في علاقات العمل .