بقلم : علي بن راشد المطاعني
بسيارة فارهة يقودها شاب أجنبي بكامل هندامه إلى البيت، يحمل أغراضا لتوصيلها لنا من إحدى الشركات، دفعني الفضول الصحفي لسؤاله عن عمله في التوصيل ومدى جدوى هذه المهنة من عدمها الخ.
أفادني أنه يعمل مهندسا معماريا في أحد المكاتب الهندسية، وقبل ذهابه للدوام الثامنة صباحا يذهب لشركة التوصيل ويستلم الطلبات المراد تسليمها للزبائن ليقوم باللازم بعد الدوام الساعة الرابعة مساء الى الساعة الثامنة أو التاسعة تقريبا وفقا لعدد الطلبات.ثم سألته كم طلب توزع في اليوم، أجاب ما بين 35 - 40 طلبا يوميا، ونظير كل طلب يستلم 800 بيسة، بيد أن الشركة تأخذ ريالين من الزبائن نظير إيصال الطلبيات إليهم، وأضاف: بعض العملاء يتفضلون أحيانا وبناء على جودة المزاج بمنحنا (بقشيش)، Perquisite باللغة الإنكليزية وأضاف إنه يتقاضي حوالي 40 ريالا في المتوسط يوميا نظير هذا العمل إضافة لراتبه من الشركة الهندسية.
على ضوء ذلك سألت نفسي أين الجهات الحكومية المختصة من هذه المهنة وغيرها من مهن التجارة الإلكترونية وطلبات التوصيل التي تزداد يوميا، ولماذا لا نرى مشروعا وطنيا يعمل على إحلال الشباب العُماني في هذه المهنة، من خلال إطلاق برنامج تأهيل الشباب ومنحهم قروضا لشراء سيارات أو دراجات نارية بضمانات العمل وغيرها لتعمين هذه المهنة، فهناك آلاف من المسرحين والباحثين عن عمل ينتظرون قطار الوظيفة في القطاع العام والخاص وقد لايأتي، ثم أليست هذه المهنة مثل مهنة سائقي سيارات الأجرة المعمنة بنجاح منذ أعوام خلت، بل أن هذه المهنة أكثر جدوى وجاذبية من التاكسي.
الأمر الذي يتطلب من الجهات الحكومية المعنية تدارس مثل هده الأفكار والمهن المجزية حقا وإحلالها من خلال شركات توصيل معروفة وإحكام المراقبة من خلال شرطة عُمان السلطانية، بدلا من وظائف لا تزيد رواتبها عن 350 ريالا عُمانيا شهريا كحد أدنى أصبحت حدا أعلى في الكثير من الشركات.بلاشك أن تجارة التوصيل الرائجة الآن مع إكتساح التجارة الإلكترونية لمفاصل التجارة والأعمال تفرز آلافا من فرص العمل التي يتطلب أن يُنظر لها بعمق وروية وأهمية كبيرة، بدلا من الدوران حول أنفسنا بحثا عن فرص عمل تقليدية والضغط على الشركات بالإحلال والتعمين في حين بين أيدينا آلاف من الفرص تشغلها العمالة الوافدة.
إن مواكبة التغيرات التي يشهدها سوق العمل والسعي للإستفادة منها في إيجاد فرص عمل للمواطنين باتت أمرا مهما وملحا للجهات الحكومية التي يتعين أن تغدو أكثر يقظة إزاء دراسة هذه المجالات.
ولعل تسليم البضائع على إختلافها أكثر المهن المتوفرة بمردودها المجزي مقارنة بغيرها من الوظائف العادية، فهي لا تحتاج إلى الكثير من المؤهلات والتراخيص وغيرها، اللهم إلا مركبة مناسبة تجوب الشوارع والأزقة حاملة الطلبيات لأصحابها يوميا وعلى مدار الساعة.فهل لنا أن نطمح في مشروع أو برنامج وطني يؤهل الراغبين في العمل في هذا المجال وشراء مركبات لهم بالتعاون مع أحد البنوك ووكالات السيارات، ثم إصدار قرار بمنع ممارسة هذه المهنة إلا للمواطنين، فهذا البرنامج على الأقل سيوفر بحول الله 10 آلاف فرصة عمل وبما يعادل ثلث ما يتوفر خلال عام عن طريق التوظيف في القطاع الخاص، إشارة إلى أن هذه الوظائف تتزايد يوميا وسنويا وبنحو مستمر نتيجة لإملاءات التجارة الإلكترونية كما أشرنا.منذ خمس سنوات تقريبا أجرت الشركات اللوجيستية دراسة لشبكات توصيل الأطعمه وكانت النتائج مفاجئة إذ أفضت إلى أن عدد العاملين آنذاك أكثر من 3000 عامل من الوافدين، الدراسة شملت عدد التوصيلات في اليوم للعامل فكانت 35 توصيلة، والأجر يتفاوت مابين 750 بيسة إلى 1.200 ريال للتوصيلة الواحدة، أي مايقارب 40 ريالا يوميا في المتوسط، رغم أن الذين شملتهم الدراسة كانوا يعملون جزئيا (بارت تايم) فإذا كان العامل يعمل بشكل كامل قد يتجاوز التوصيل في اليوم 60 طلبية.إذن فإن البيانات التي يمكن أن تستند عليها الجهات المختصة في البلاد موجودة لدى شركات التوصيل، ووفق الأنظمة الإلكترونية فإنها تشير إلى حجم السوق وفرص العمل فيه التي يمكن أن تقنع نفسها وغيرها بإطلاق مثل هذه المشروعات المجدية.عمليا فإن فرص العمل المتوفرة في البلاد كثيرة ولله الحمد، وكل ما تحتاجه الجهات المختصة هو بذل القليل من الجهد لمتابعتها وتقنين الإستفادة منه لفائدة شبابنا الباحثين عن عمل، فالنزول إلى الميدان والإقتراب من الواقع ربما يفتح الكثير من الأبواب التي كان يُظن أنها موصدة.بالطبع هكذا أعمال تحتاج لجهد ووقت وتنسيق حتى يتسنى الإحاطة بها ومن ثم وضعها في إطار الخريطة العامة والخاصة بالتشغيل والإحلال.نأمل أن يكون التعاطي مع بعض الفرص المجدية والسهلة مواكبا للتطورات التقنية التي فرضت نفسها على حياة الناس في كل مكان، وأن نعمل دوما وأبدا على البحث عن الأفكار الخلاقة التي تحقق الأهداف المرتجاة من خلال إستيعاب متطلبات العولمة التي تفرز كل يوم معطيات جديدة في كافة المجالات ومنها الوظائف المنبثقة من هذا التطور التكنولوجي الإلكتروني الهائل..