محمد البلوشي يكتب: تصفيق للأموال المهدرة

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٩/يناير/٢٠٢٣ ١٠:٠١ ص
محمد البلوشي يكتب: تصفيق للأموال المهدرة

بقلم: محمد بن علي البلوشي


تطلب مني قراءة تقرير جهاز الرقابة المعد للمجتمع نحو نصف ساعة وحينما انتهيت من قراءته توصلت إلى نتيجة أو استنتاج واحد وقد يكون شخصيًا وقد يشاطرني فيه الكثيرون وهو سوء إدارة المال العام وسوء الإدارة ونقص الخبرة وعدم الاكتراث واللامبالاة -بدون عمد-..كل ذلك تسبب بخسائر مالية فادحة كما بينتها الأرقام التي وضعها إخراج التقرير بحجم بارز لتقع أعيننا على حجم المبالغ المهدرة.

يقول التقرير إنه استعاد أكثر من 76 مليون ريال عماني للخزانة العامة..لكنه مبلغ ضئيل وبائس مقارنة بحجم الأموال التي أهدرت في عدد من القطاعات والتي تفوق 200 مليون ريال عماني ربما. المأساة أن كثيرًا من الأموال المهدرة تقع ضمن نطاقات أو قطاعات لديها من الخبرة التي تمكنها ألا تهدر ريالًا واحدًا سواء في العقود أو المتابعة والتحصيل حتى إكمال المشروعات وغيرها من أوجه العمل..قصص التهرب الضريبي واحدة من هذه الأوجه التي كشفت حجم قصور النظام الضريبي وعدم قدرته على تحصيل الأموال وبدا من خلال التقرير أنه عاجز ولا قوة له في جلب الحيتان الهاربة «الشركات» للامتثال الضريبي ودفع الإتاوات التي عليها.

هذه من قصص 2021 أما السنوات السابقة فلا أعلم كم من الملايين المهدرة..ترى لماذا يحدث كل ذلك وبخاصة في الشركات والمؤسسات الحكومية ذات الصبغة التجارية؟.. أكثر مؤسستين صدمتا الناس بهدرهما الأموال العامة بعد التهرب الضريبي هما الطيران العماني وشركات قطاع النفط بالإضافة إلى شركات أخرى نثرت بعض الملايين هنا وهناك دون أن تتبع مصيرها..القاعدة تقول أن إهدار كل ريال دون وجه حق هو فعل ناتج عن إهمال وتقصير في المسؤولية وهو ما يتطلب إجراءات أكثر صرامة في حق من تسبب في ذلك على مستوى المؤسسات وقياديها الذين كلفوا المال العام خسائر مالية.. وهنا السؤال ترى كم من المال العام الذي أهدر الذي لم نسمع عنه لو لم تصدر الأوامر السامية لمولانا جلالة السلطان بنشر التقرير للمجتمع. بقراءة عابرة كان القطاع النفطي البقرة الحلوب الذي أهدر ملايين الريالات لشركات ولم يحسن التصرف والتعامل مع الإخفاقات مع المتعاقدين ولم يحرك المسؤولون ساكنًا ودون أن تتحرك الدوائر الرقابية في هذه القطاعات للوقوف على الهدر المالي وإيقافه أو أنها تحركت لكن القرار يتخذه القيادي-القياديون في تلك المؤسسة ومن ثم يتحملون ثمن قراراتهم عندما يحين موعد المحاسبة والمساءلة وماعلى الدوائر المعنية بالرقابة في تلك المؤسسات إلا البلاغ المبين..هل نتصور حجم هذه الملايين التي لو لم تهدر كم ستوفر لصالح الخزانة؟.. على الأقل لن تضخ الخزانة العامة أموالًا إضافية لترقيع العبث في تلك المؤسسات بل توجيه تلك الأموال نحو قطاعات تعاني شحا أو عجزًا ماليًا كالقطاعات الإسكانية والتنموية والاجتماعية لكن ماحدث ينبئي بنتيجة واحدة أن الإهمال -مرة أخرى ربما غير المتعمد- وسوء الإدارة تسبب في تبخر الأموال وفرض أعباء جديدة على الخزانة العامة.قد يكون ذلك ناتجًا من الاطمئنان بغياب المساءلة والمحاسبة لكنني على يقين أن ذلك عكس مايعتقدون.

فالمال العام له حرمة ولا ينبغي التهاون عند الإعتداء عليه..في الجانب الآخر كانت الإجابات التي تلقاها الجهاز عن هذه الممارسة كلها تصب في وعود مستقبلية بتجنب هذه الأخطاء..من المؤكد أن الحكومة لن تقف مكتوفة الأيدي ومتفرجة أمام إهدار الأموال وتصديق الوعود المستقبلية التي ساقاتها هذه المؤسسات..حتى بعض المؤسسات التابعة لجهاز الاستثمار والذي يعمل على أسس علمية وقعت في القصور وسوء الإدارة عبر شراء أسهم والاستثمار في شركات هي الاخرى متعثرة فلم تتم قراءة موقفها الاستثماري وسلامة مركزها المالي وهي من أبسط الأشياء التي لايغفل عنها تاجر أو مستثمر فماذا إن كانت مؤسسة ذات قواعد راسخة..هل تم الاستثمار عبر وسطاء أو مصالح لا أعلم ..هذه ليست اتهامات لكن كل التفسيرات واردة.

الطيران العماني قصة أخرى..بعد سنوات طويلة ضخت فيها الحكومة الملايين ليبقى الطيران العماني واجهة للبلاد وعلى قيد الحياة وقع هو الآخر في مطبات مالية باهتة ومستغربة..ولسان الحال يقول إن العقود والمفاوضات التي أجراها الطيران العماني تنقصها المهارات التفاوضية والنباهة وبعد النظر.. وأنها خلت من خبراء قانونيين أو تفاوضيين..سوء الإدارة ولربما انعدام الخبرة أو الأفق المستقبلي عند أي اتفاقية تسبب بخسائر مالية دفعها الطيران العماني أو التي سيدفعها..بعض الجهات قالت إنها ستسعى لاستعادة تلك الأموال أو تلافي أوجه القصور.. طبعًا ذلك بعد أن فتشهم جهاز الرقابة..ودونه فكانت تلك الأموال نسيًا منسيًا..هذه إجابات ساذجة لايمكن أن قبولها على قضايا هدر المال العام وتقنعنا بأن ماحصل لن يمر ولن يتكرر مستقبلًا..حسنًا وماذا عمن تسببت مسؤولياتهم في هذا الهدر وهذا الضياع؟ ..هل سيجلسون على كرسي الاعتراف؟على الحكومة ألا تدع هذه القصص تمر مرورًا عابرًا وإلا سنصبح جمهوريات موز لا حساب ولا عقاب ولا قانون.