بقلم : علي المطاعني
صُدم المجتمع العُماني بحوادث قتل راحت ضحيتها نساء للآسف خلال الأيام الفائتة بنحو غير معتاد وغير مألوف وغير معروف وغير موجود في سلوكياتنا منذ أن وجد الإنسان العُماني على ظهر البسيطة ، ومؤلم حتى نياط القلب أن تكتسي هذه الحوادث بذلك القدر غير المسبوق من العنف والبشاعة والضراوة وفي وضح النهار وأمام مقرات العدالة وعلى الملأ وفي الشارع العام .
كأن هناك شيطانا رجيما جاء خصيصا ليوسوس لأولئك بأن هذا هو طريق الفلاح وأنه طريق النجاة وإنه طريق الإنعتاق من وساوس النفس الأمارة بالسوء ، تلك هي الغفلة ، غفلة العمر ، وخسران الدنيا والأخرة معا ، فالمسألة برمتها لخصها لنا رب العزة في سورة الحشر عندما قال جل من قائل :
(كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (16) .. صدق الله العظيم .
هذه الحوادث أو الوقائع التي هزت المجتمع العُماني بنحو غير مسبوق ولأن الظاهرة جديدة كليا كما أشرنا فإن الأمر يتطلب دراسات متعمقة لهذه الظاهرة للوقوف على أسبابها ومسبباتها وإيجاد السبل الكفيلة بحماية النساء نصفنا الأغلى والأعلى ، فما يصيبهن من سوء يصيبنا في مقتل إذ لا تستقيم الحياة بدونهن ولا تقوم للأسرة والعائلة قائمة وهن يتعرضن لهذا البغي المبين ، وإذا انفرط عقد العائلة ذلك يعني أن على المجتمع السلام من هنا تكمن خطورة الظاهرة وهي تمثل تهديدا وجوديا للإستقرار المجتمعي والذي تقوم أعمدة الوطن على أكتافه .
لابد والأمر كذلك من تغليظ وتشديد العقوبات على المجرمين الذين يعتدون بغير وجه حق على نصف المجتمع ، ومع التغليظ والتشديد لابد من الإسراع في إصدار الأحكام والإسراع في تنفيذها عيانا جهارا نهارا تماما كما ارتكبوها جهارا نهارا ، فالردع وحده هو الكفيل باجتثاث الظاهرة من الوجود ، وليعود مجتمعنا كما كان أبد الدهر واحة للسلام والأمان والطمأنينة .
في الواقع أن مثل هّذه الأخبار والحوادث المؤسفة والمزعجة للفرد والمجتمع كنا نسمع عنها في المجتمعات الأخرى المنسلخة عن القيم الدينية والأخلاقية وكما نشاهدها في الأفلام الأجنبية وبإعتبار أن تلك المجتمعات لاتحكمها الضوابط السلوكية المستمدة من القرآن الكريم وإذ هي أصلا مجتمعات غير إسلامية ولاتعترف بالمكانة الرفيعة للمرأة في المجتمع كما حددها لنا رب العزة في كتابه الكريم .
على ذلك فإن إمتهان كرامة المرأة وإستباحة دمها هي جرائم تحدث لديهم على مدار الساعة ، ولكن كون أن تقفز تلك الظاهرة وتجتاز الحدود وتدلف لبلادنا فهذا أمر لايمكن قبوله بأي حال من الأحوال ، فهل ياترى اضمحلال حجم كوكب الأرض وقد أمسى بحجم كرة التنس عبر تقنيات التواصل الإجتماعي أثرت بنحو سلبي على سلوكيات بعض ضعاف الإيمان فحولتهم إلى مجرمين كأولئك ؟..
ثم هل ياترى لدينا تقصير في مكان ما بشأن تحصين مواطنينا من تلك السلوكيات الإجرامية العابرة ، وهل مساجدنا وجوامعنا مقصرة في تقديم المواعظ الدينية تحجيما وتصفيرا للسلوكيات الإجرامية عابرة الحدود ، وهل إعلامنا بشتى صوره وأشكاله مقصر في هذا الشأن ، كلها أسئلة وعلامات إستفهام دارت بخلدي وأنا أقف مشدوها حائرا أمام هذه الظاهرة فادحة العواقب ، وكلها أسئلة لابد من أن تجد حظها من الدراسة والتفنيد لنصل للأبعاد الغائرة لهذا الأمر الخطير .
الألم كله تجسد أمام أعيننا وانهمرت دموع الأسى والحسرة على الخدود والوجنات إذ لم يمر وقت يذكر على مقتل المحامية امل العبرية أمام قصر العدالة ، إلا وتسقط على رؤوسنا صاعقة مقتل ابتسام المقرشية في الشارع العام في ولاية عبري بمحافظة الظاهرة ، حدث ما حدث والقرآن الكريم أصلا أوضح وفصل وبين مصيبة قتل النفس البشرية بغير وجه حق ، ويبدو أن القتلة ابتعدوا كثيرا عن قوله تعالى في سورة المائدة :
(مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا) .. صدق الله العظيم .
أما كارثة ومصيبة العقاب والحساب فقد حددها رب العزة بجلاء في سورة النساء بقوله تعالى :
(وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93) .. صدق الله العظيم .
فأين المفر من جهنم التي سيخلد فيها القاتل ، الف عام ألفين ثلاثة آلاف عام في جهنم ، فالخلود فيها مفتوح فمن يقوى عليه ، ونحسب بأن المجرمين لم يتدبروا هذه الآية أبدا ، ولو استوعبوها فعلا لما فكر أحد منهم في ارتكاب هذا الجرم ناهيك عن ارتكابه ، إذن الكارثة تكمن في ابتعادهم عن كتاب الله والعياذ بالله . نأمل بل يجب وفي ظل هذه الحوادث المتعمدة أن يُعاد النظر في جريمة القتل المتعمد التي تحكم بالمؤبد إلى الإعدام انطلاقا وإرتكازا من قوله تعالى في سورة البقرة :
وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179) .. صدق الله العظيم ، عندها فقط ستقع الأمنة ، وهذاوعد الله في هذه الآية الكريمة ، وما بعد كلام الله لاكلام يقال.