بقلم: محمد محمود عثمان
نبحث أو نسعى جميعاً للتعافي الاقتصادي بعد الأزمة المزدوجة لجائحة كورونا وأزمة أوكرانيا قبل أن تتحول إلى أزمة مركبة إذ أضفنا إليهما ما نعاني منه من أزمات سابقة خاصة في الاقصادات الهشة أو الضعيفة، والتي تحاول أن تلقي باللوم على شماعة كورونا وأوكرانيا وتُوهم الشعوب بها، لذلك من الضروريات ألا تركن الحكومات إلى هذا، وأن تسابق الزمن لاجتياز هذه الأزمات، وأن «تفعل ما يجب وقت مايجب»، لأن المحنة إذا استمرت أكثر من ذلك فإنها ستقضي على الأخضر واليابس، لأنني أستشعر ان صورة الأوضاع الاقتصادية في أغلب الدول قاتمة وسوف تتحول إلى أشد قتامة، إذا أغلقنا عُقولنا وكبلنا أيدينا عن تقديم المساعدة، فأسواق العمل مُتردية وتتجه من السيء إلى الأسوأ، في ظل منظومة اللوائح والتشريعات القائمة المُنفرة والطاردة للاستثمار وللمستثمرين والمُحطمة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وما يزيد المعاناة زيادة الباحثين عن عمل والمسرحين من الوظائف الذين تكبلهم الديون وتحاصرهم القضايا والأحكام بالسجن بالإضافة إلى معاناة أسرهم من الفقر والفاقة، وآثار ذلك على الاستقرار والأمن الاجتماعي، ولسوف يستمر ذلك الوضع، إذا استمر التعامل مع الأزمة بأفكار وإدارة تقليدية، لا تقدر حجم الأزمة، وتهون من آثارها السلبية، بسبب العجز عن طرح البدائل، أو خوفا من اقتحام المشكلة، ولذلك نجد أن مكمن الخطورة عندما لم تشهد الساحة الاقتصادية انفتاحة قوية وسريعة لتوفير فرص عمل جديدة، للحد من ظاهرة زيادة العاطلين والباحثين عن عمل التي تتفاقم سنويا وتشكل قنابل موقُوتة، مع زيادة خريجي التعليم الثانوي أو العام والمعاهد والكليات والجامعات، بعد أن أوصدت الحكومات أبواب التوظيف، وعجز القطاع الخاص عن توفير فرص العمل، التي يمكن أن تستوعب ولو جزءا من هؤلاء، حتى يشاركوا في دفع عجلة التنمية في أوطانهم، لأنه قد تمتد المعاناة الاقتصادية لعدة سنوات قادمة قبلنا أم أبينا، وليس هناك شك في ذلك، مع مشاكل سلاسل الإمداد ونقص المواد المستوردة المكون الأساس للصناعات المحلية وقطع الغيار وزيادة أسعارها، مع ارتفاع تكاليف النقل والتأمين، الذي أدى إلى التأخير في إنجاز المشاريع الصناعية في الوقت المحدد، وتكلفة ذلك على الشركات، وأصبحت مسؤولية الحكومات هى عدم الاستكانة والإسراع في الخروج من هذه الحالة، وليس للوصول إلى التعافي فقط -لأنه حتمي ومن الضروريات- بل في كيفية الوصول إلى مرحلة ما بعد التعافي وهي الأهم، وهي أمامها الكثير من القضايا الشائكة التي لا تملك كل مفاتيح حلها، في ظل جمود التعيينات في القطاع العام ومؤسساته، ونقص وهروب الاستثمارات ونقص التمويل، وحالات الإفلاس، وتعثر المشروعات التي تنتعش أوتنكمش بحجم الإنفاق الحكومي، والعجز التام عن تقديم فرص عمل جديدة كافية، والأخطر أن بعض الحكومات قد تترك القطاع الخاص يتخبط في حالته المأساوية ولاسيما إذا افتقد الكوادر الإدارية الاقتصادية المتمرسة التي تمسك بدفة السفينة، وتتفنن لزيادة مواردها بفرض المزيد من الضرائب ورفع أسعار الخدمات والرسوم الحكومية أضعافا مضاعفة، وتُحمل القطاع الخاص فوق طاقته، خاصة في الاقتصادات الناشئة، التي تفتقر إلى رؤية واضحة في تفعيل أنشطة القطاع الخاص ومؤسساته، التي تعد الركيزة الأساسية للتنمية الاقتصادية، على الرغم من الإصرار على وجود هياكل اقتصادية لا تُقدم بل ربما تُؤخر، مثل لجان ترويج وتنمية الاستثمار، وهيئات المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وغرف التجارة والصناعة والزراعة، إذا لم تعِ حقيقة دورها في رسم سياسات القطاع الخاص وتحقيق أهدافه، وتؤدي أدوارا روتينية، وقد لا يتعدى دورها عقد الاجتماعات أو الاستقبالات غير المُثمرة، أوالتصريحات الكلامية، وأقصاها توقيع مذكرات التفاهم، ونخشى أن يتبع ذلك أن تكُف عجلة الاقتصاد عن الدوران جزئيا أو كليا، وما ينتج عنه من انتكاسات تضر بالاقتصاد وتنعكس على المواطن العادي، لذلك من الضروريات كبح جماح التضخم وارتفاع الأسعار لتخفيف معاناة المستهلكين، ولاسيما أن الاقتصادات العربية تُعاني خللا كبيرا في القدرة على استيعاب القادمين الجدد إلى سوق العمل وتعجز عن تحقيق مستويات عالية من التشغيل، نتيجة للعقبات والمُحبطات التي تتميز بها عقليات البلاد النامية، بما لديها من قدرات فائقة على صنع العراقيل والقيود التي تكبل انطلاق الاستثمارات والمشروعات الجديدة المُحاطة بسلسلة من التعقيدات والإجراءات والقوانين البالية، التي تحمل في مُجملها المعاناة الدائمة من الروتين والبيروقراطية المرئية والمخفية، التي تؤكد أن الأزمة الاقتصادية سوف تمتد إلى عدة سنوات قادمة ولن تنتهى بدون آثار سلبية على مختلف الأنشطة والقطاعات الاقتصادية، ومن ثم نحتاج إلى التصدي لذلك بالتشريعات التي تواكب المتغيرات وبالمعالجات غير التقليدية، ومن الضروريات أن تقدم الحكومات المحفزات للمشروعات والاستثمارات والصناعة والزراعة، التي توفر فرص العمل الجديدة، والتي ترفع من حجم الصادرات وتحسن موارد الدخل الفردي والقومي، ومن الضروريات أن تفطن القيادات المُمثلة للقطاع الخاص إلى إيجاد قاعدة عريضة من الصناعات الصغيرة ودعمها وتنميتها والصبر عليها، وضمان خطوط التمويل وجذب الشركاء الأجانب وفق خطة طويلة المدى، لتكون نواة حقيقية للصناعات المحلية القابلة للتصدير للأسواق، التي تمت دراسة احتياجاتها، لأن معظم الماركات الصناعية العالمية الكبرى، بدأت صغيرة ثم تحولت إلى شركات عملاقة، ولذلك فإن الاقتصادات الناجحة والقوية هى التي تصل للتعافي الفعلي أسرع من غيرها، والتي يتمكن فيها القطاع الخاص من تخطي كبوته وأن ينطلق نحو زيادة الإنتاج وتعظيم الصادرات للخروج من الركود أو الكساد.