بقلم : محمد محمود عثمان
القطاع الخاص هو عماد الاقتصاد والمحور الأهم للتنمية ، وكذلك البنوك لايمكن أن ننكردورها الأساسي مع شركات التمويل في دفع الاقتصاد وحمايته من الركود الذي نعاني منه بدون إدراك انتقال أثرذلك إلى المجتمع والمواطنين ،متسللا من منافذ متعددة تبدأ تدريجيا بزيادة الأسعار ثم ارتفاع معدلات التضخم ، بدون أن نعلم يقينا حدوث الركود أو حجمه أو الفترة الزمنية التي يسيطر فيها على مجمل الأنشطة الاقتصادية ، التي ضربتها جائحة كورونا في سنوات الانغلاق ، وكانت في الأساس ضعيفة أو هشة ، ثم أصابتها تداعيات حرب روسيا وأوكرانيا ، التي وقفت حجرة عثرة في طريق التعافي الذي نسعى إليه ، وأول مؤشرات الركود غير المنظورة هو زيادة البطالة ونقص فرص العمل الحقيقية المتاحة ، وانخفاض القدرة الشرائية لدى المستهلكين التي تؤدي إلى ضعف القدرة الشرائية لدى الحكومات، لأن الركود يترافق أو يتزامن معه ضعف الإنتاج وتوقف الأنشطة التجارية عامة.
أما المؤشرات المنظورة للركود هو تضخم التضخم وعشوائية ارتفاع الأسعار للمواد الغذائية ومدخلات الإنتاج وأسعار الخدمات، التي تُلهب بنارها جيوب المواطنين بكل فئاتهم وكذلك المُصنعين بكل مستوياتهم ، مع انخفاض القوة الشرائية للعملات المحلية ،في الوقت الذي لم تتحرك فيه مستويات الأجور والمرتبات ، للتغلب على الأضرار التي تلحق بالمستهلكين ، وتتسبب في زيادة الجرائم وعمليات النهب والسرقات في المجتمعات الأكثر فقرا والأقل انضباطا أوسيطرة أمنية،
وقد يزداد الطين بله وسوءا عند إعلان موسكو قطع الغاز هذا الشتاء عن أوروبا بما يدفعها دفعا إلى الركود والكساد ، الذي يؤدي قطعا إلى ارتفاع الأسعار للمستهلكين الذين يعانون أصلاُ من ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة ، ولا تسلم مجتمعاتنا من هذه الزيادات لأننا مهيؤون لاستقبال هذه العدوى كمجتمعات مستوردة ، ومن ثم نفتقد المناعة ضد التضخم الذي نستورده أيضا مع الواردات من الخارج.
ويزداد القلق مع تصريحات البنك الدولي الذي حذر من ركود عالمي في 2023 بسبب زيادة أسعار الفائدة العالمية من قبل البنوك المركزية ، في إطار السياسات النقدية التي تهدف إلى زيادة تكلفة الاقتراض ، في محاولة لخفض وتيرة ارتفاع الأسعار، وهو إجراء قد يؤدي إلى إبطاء النمو الاقتصادي ،وإلى نقص السيولة في الأسواق وفي الشركات الصغيرة التي يتأثر إنتاجها أو تتعثر، لأن زيادة تكاليف الاقتراض تُحد من إنفاق المستهلكين ومن الاستثمارات، وهو ما يؤدي إلى تراجع الطلب.
ولن تلجأ البنوك المركزية إلى خفض الفائدة إلا بعد أن يترنح الاقتصاد في مرحلة الركود، الذي يتطلب سياسات مالية وضرائبية أكثر مرونة لجذب الثقة في الاقتصاد، ومعالجة فشل السياسات النقدية القائمة ، التي لم تواكب التحولات الاقتصادية واحتياجات العملاء والمستثمرين،ولم تنجح في التصدي لتداعيات هذه الأزمة وانعكاساتها على النشاط الاقتصادي والوظائف واستقرار الأسعار،
وغياب الدور الحيوي والأساسي للبنوك في عمليات التحفيز الاقتصادي الذي يُسرع مراحل التعافي والخروج بأمان أو بأقل الخسائر من الأزمة ،على الرغم من زيادة حجم الأصول المصرفية لدى البنوك التجارية والإسلامية وارتفاع معدلات الربحية ، والتطوير المستمر للخدمات ، بما يمكنها من تعزيز قدرتها على المنافسة، وتبني طرح المبادرات والمشروعات التنموية العملاقة ، التي تنقذ الاقتصاديات في مواجهة الركود والتباطؤ، لنضمن فرصا استثمارية واعدة ومتعددة ومتكاملة، وشاملة على دراسات الجدوى الحقيقية لتفادي المخاطر المتوقعة - حتى على البنوك ذاتها - في القطاعات الإنتاجية المختلفة استعدادا لمرحلة التعافي والبناء عليها،بتنشيط سوق العمل وتشغيل رؤوس الأموال والاستفادة من الودائع والمدخرات ، في تنفيذ المشروعات الصناعية الجديدة وهذه من المهام الوطنية الأساسية للبنوك التي تخلت عنها كثيرا، لذلك فإن الأمر يتطلب سياسات نقدية تعمل على مساعدة البنوك وشركات التمويل والتأمين لأداء دورها مثل :-
أولا: تخفيض نسبة الاحتياطى القانونى لتسهيل زيادة حجم القروض المقدمة للقطاع الخاص الصناعى، والتجارى، والزراعي.
ثانيا :تخفيض تكلفة القروض بكل أنواعها.
ثالثا : مراجعة أسعار الفائدة لتحفيز الاقتصاد على النمو ولكبح جماح التضخم رابعا :وضع آليات لتقديم التمويل المنخفض التكلفة لتسهيل الحصول على مدخلات الإنتاج ، وعلى الآلات والمعدات التي تساعد على تطوير وتحديث الطاقات الإنتاجية الحالية لشركات القطاع الخاص ،وخفض التكلفة الكلية للإنتاج للحد من الخسائر، ومن ثم تخفيف الأعباء على الحكومات.
خامسا : المصالحة مع رجال الأعمال والمستثمرين الذين صدرت في حقهم أحكام بالحبس خلال أزمة كورونا بسبب التعثر في الوفاء بالمطالبات المالية لأسباب خارجة عن إرادتهم ، لإعادة الثقة في المناخ الاستثماري ، واستعادة حقوق المساهمين والمودعين والحفاظ عليها.
سادسا : مراجعة أسعار التأمين التي تعدت كثيرا السقف المناسب لأن تخفيض تكلفة التأمين وزيادة القروض والتمويلات الميسرة لتغطية احتياجات المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، يساعدها على الاستمرارية فى دعم النمو الاقتصادى والمحافظة على الأيد العاملة ومستويات التوظيف الجديدة فى منشآت القطاع الخاص ، خاصة مع عجز الحكومات علي التوسع في التوظيف.
سابعا : التخلص من القيادات التأمينية والبنكية غير القادرة على الحركة والإنطلاق من خلال الإدارة العلمية الحديثة التي تضع هذه القطاعات في مراكز متقدمة في مؤشرات التنافسية العالمية ، وتمكينها من التعامل والتفاعل الإيجابي مع التكتلات الاقتصادية العالمية العملاقة والاستفادة منها.