بقلم:علي المطاعني
العزوف عن المشاركات الشعبية في صنع القرار، عبر العمليات الإنتخابية في البلاد تحتاج إلى مراجعة شاملة، حرصاً على إنجاح التجارب الديموقراطية التي إستتب لها الأمر بعد جهد جهيد، ويفترض أن لا تشهد تراجعا بأي حال من الأحوال وفي كل جزئياتها، وإيمانا بأهمية المشاركة الشعبية في صنع القرار وتعزيزها بإعتبارها جزءا لا يتجزأ من منظومة التنمية الشاملة.
وحرصا على سمعة البلاد في المحافل الدولية، ناهيك عن التحولات في المجتمعات وتطورها وضرورة مواكبتها بشكل يستوعب كل التيارات الطامحة للمشاركة في بناء وطنها، فمن الأهمية بمكان تطوير سبل المشاركة بدلا من اللجوء إلى المنصات الأخرى، كل ذلك وغيره يحتم علينا كدولة مراجعة كل الأطر والتشريعات والقوانين واللوائح التي تنظم الإنتخابات في مجالس الشورى والبلدية والأندية ومؤسسات المجتمع المدني وغرفة تجارة وصناعة عُمان الهادفة إلى التطوير النوعي سواء بإعطاء صلاحيات أكبر كنوع من التطور في صنع القرار، أو من خلال إعطاء تقدير أفضل لمخرجات الإنتخابات في كل الجهات آنفة الذكر، وإضفاء إهتمام بما يمثل هذه المؤسسات في المجتمع في كل المحافل والمناسبات وغيرها، فمعالجة هذه الإشكاليات التي حدثت في التجارب السابقة أضحى أمرا واجبا للإنتقال إلى المراحل التي نتطلع أن تكون عليها خاصة بما يتعلق برؤية عُمان 2040 التي تحتاج كذلك إلى تحولات فكرية أكثر منها مادية أو اقتصادية، وهذه لا تتاتي إلا من خلال تعظيم المشاركة كما ونوعا، الأمر الذي يتطلب من الجهات المختصة دراسة هذه الإشكالية وتطويرها بما يتوافق مع التوجهات المستقبلية للبلاد.
فالتراجع في مستويات المشاركة في الانتخابات يُعد أمرا مؤسفا لامحالة، خاصة مع تطور المجتمع وزيادة عدد السكان ونمو الوعي الذي يفترض معه أن تتزايد أعداد الناخبين بشكل طبيعي وليس العكس، وهو مايطرح تساؤلات ليست عابرة بقدر ما تشير إلى أن هناك ثمة مشكلة تتطلب تدخلا عاجلا لإيجاد الحلول الناجعة لها، ألا وهي المكاسب المتوقعة من المشاركة ومخرجاتها إلى اظهرتها العمليات الإنتخابية وتقييمها وما إذا كانت تعبر عن التطور الذي تشهده البلاد وتقييم التجارب نفسها منذ الإنطلاقة الأولى ومعرفة الأسباب التي أدت إلى ذلك وكيفية إعادة الروح لهذه التجارب وبما يتواكب والتطلعات المستقبلية لحماية هذه التجارب وتطويرها للأفضل كجزء من التحولات التي تشهدها البلاد.
فاليوم يجب قياس نسبة الناخبين في إنتخابات مجلس الشورى الأخيرة مقارنة بعدد السكان الذين يحق لهم التصويت وكذلك عدد الناخبين في مجالس البلدية وايضا غرفة تجارة وصناعة عُمان على عدد الشركات الفاعلة عل الأقل في العمل الإقتصادي وكذلك بقية المؤسسات وتقييم هذه المعطيات لمعرفة إن كان هناك ثمة تراجع أو تطور في هذا الجانب على سبيل المثال والوقوف على الأسباب ومعالجتها إن كانت سلبية.
إن ترك هذه المسألة بدون معالجة فمن الطبيعي أن ينعكس ذلك على الصورة العامة للمشاركة الشعبية وتصويرها بأنها صورية لا أكثر، في حين أن هناك رغبة من الدولة في تفعيل المشاركة لكن لابد من التقييم والمتابعة، وربما ليس هناك جهة معنية مسؤولة عن هذا الجانب، إلا أن ذلك لا يعني تركها بدون معالجة من جهة مسؤولة بهدف النهوض بهذه التجارب وتطويرها وبقدر يسهم في إثراءها لتعكس وجه عُمان المشرق في العالم.
فاليوم العالم لا ينظر إلى التطور المادي أو الإقتصادي النانج عن تقدم الدول ومقدار ثرواتها الطبيعية وتطورها الصناعي، فكل هذه أو تلك تأتي بالأموال أو بإدارة الإقتصاد، لكن ينظر إلى تجارب المشاركات الإنتخابية وهل هي فاعلة وديمقراطية أم انها شكلية، ومدى إسهامها في صنع القرار السياسي والإقتصادي في البلاد، وهو ما يجب تعظيمه والإهتمام به.
فلا يجب أن ننظر إلى هذه التجارب ومستوى نضجها على أنها تشكل عبئا على الدولة أو الحكومة، أو أنها تبلور لإتجاهات مخالفة أو مغايرة لوجهات الأجهزة الحكومية، بقدر ما ينطر إليها بإعتبارها عونا ومشاركة في الإستماع لوجهات نظر أخرى تهتم بتطور الدولة وتفعيل المشاركة فيها، والإصغاء لها كجزء من التطور الذي نشهده تماما كما ننشد التطور الإقتصادي والإجتماعي والثقافي وغيرها من أوجه التقدم والتطور.
كما أننا نؤمن إيمانا مطلقا بأن التفكير الأحادي أيا كان مستواه، وبدون التشاور والمشاركة الفعالة من الأطراف الأخرى فاشل لا محالة وينقلب على عقبيه مهما كانت نجاعته وفي الواقع (هشاشته)، فهو لا يأخذ بوجهات النظر الأخرى وبالتالي لا يحظى بالإجماع المفترض أن يكون في أي عمل مؤسسي.
بالطبع لا نعني ولا نقول بعدم وجود تطور في المشاركة السياسية في صنع القرار ولا تؤدي دورها أو ليس هناك إقبالا إلى غير ذلك من إقتراضات، لكن ما نعنيه هو أنه من الأهمية مراجعة كل التجارب بهدف تعظيمها في ظل المتغيرات الجديدة والعولمة التي نشهدها كجزء من العالم وإفرازاتها وإسقاطاتها على مثل هذه التجارب الديمقراطية .
ومن ثم تفعيلها وبما يتواكب مع المستجدات الوطنية والإقليمية والعالمية التي تتطلب مشاركة أفضل للمجتمع المدني بكل مؤسساته، مع الإقرار بأن التجارب الحالية وما تشهده ليست هي منتهى الطموح الذي نتطلع إليه.
نأمل أن نراجع كل هذه التجارب من حيث الكم والكيف أي الإنتخاب وطبيعة عملية المشاركة سواء الصلاحيات والإمتيازات وغيرها لمن يتم اختيارهم من أبناء الشعب، بإعتبارهم جزءا من عملية التحول في النهضة المتجددة التي يجب أن تشمل كل مناحي الحياة التي تنهض بهذا الوطن إلى مستوى الطموحات في كل الميادين تحت قيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق - حفظه الله ورعاه -.