بقلم : محمد محمود عثمان
العالم العربي منقسم حدوديا على عكس الخريطة الجغرافية للأرض العربية المنبسطة التي لا تفصلها الجبال الشاهقة ولا اشواك الأشجار والغابات، إلا من الأسلاك الحدودية المصطنعة التي فرضها الاستعمار للسيطرة على المنطقة منذ أكثر من مائة عام من خلال اتفاقية «سايكس - بيكو» بين بريطانيا وفرنسا، التي قسمت العالم العربي إلى دويلات منفصلة تشبثت بها الحكومات، وتسببت في تكريس المتاريس والحدود والحواجز التي تُحرم المواطنين العرب من حرية أو سهولة الحركة والعمل والتنقل، لممارسة الأنشطة الاقتصادية وتكاملها على المستوى العربي، وحرمانهم حتى من حرية السفر لدعم وتنشيط السياحة البينية العربية، التي تنشط معها السياحة الأجنبية الوافدة واتفاقية «سايكس - بيكو» لمن لا يعرفها، كانت اتفاقاً سرياً أُبرم في سنة 1916 بين فرنسا وبريطانيا، بمصادقة الإمبراطورية الروسية، على اقتسام المنطقة بين فرنسا وبريطانيا لتحديد مناطق النفوذ للانفراد باستغلال ثرواتها ومواردها الطبيعية، بعد انهيارالإمبراطورية العثمانية، ومع الوقت تعايشنا معها ونسينا كعرب - أو تناسينا - أننا أمة واحدة ودين واحد ولغة واحدة بل وتاريخ ومستقبل واحد، وأن تلك الحواجز والحدود من صناعة المستعمر، ولكن تمسكنا بها، وأصبحنا نعاني من الانغلاق أو التشرنق في حين يعاني الغرب من الانفتاح، وكأننا نكرس إحياء اتفاقية «سايكس - بيكو» لاستمرار تقسيم الدول العربية وحرمانها من التجمع أوالوحدة أو أن تتعاون لتحقيق المصالح المشتركة، لتحقيق التكامل العربى السياحى على الأقل، من خلال الاستفادة من وجود المميزات النسبية السياحية لكل دولة عربية أو لكل مجموعة متجاورة، وها نحن الآن نجد دولا عربية تعاني من عدم الاستقرار في العراق وسوريا وليبيا والسودان ولبنان واليمن والصومال وفلسطين، إلى جانب المجموعة الأخرى التي تعاني من التوتر والاحتقان المجتمعي، الأمر الذي جعلها تنشغل بأوضاع داخلية لمواجهة الإرهاب وتأثيرات جائحة كورونا، ثم تداعيات الأزمة الاوكرانية الصعبة، التي تحول دون تنفيذ أية خطط تنموية تُحسن من مستوى المعيشة لمواطنيها، في الوقت الذي استوعبت فيه الدول الأوروبية ذلك مبكرا وكسّرت كل القيود على الحدود لتنمية اقتصادياتها - وإن كانت قد تسببت في تفاقم أزمة الهجرة غير الشرعيةلديها - وبدأت من مجال السياحة وما يرتبط بها، من تخفيضات الرسوم والجمارك والتسهيلات على الحدود وفي أسواق العمل، ونجح الاتحاد الأوروبي في التغلب على هذه الاشكاليات، بعد أن فتح الحدود على مصارعها أما م المواطن الأوروبي أوالمقيم على أرضهم أو الزائرين للتنقل والعمل والمشاركة في القطاعات الاقتصادية بدون استثناء، وكانت البداية اتفاق هذه الدول على إلغاء الرقابة على الحدود الداخلية أمام المسافرين الذين يعبرون الحدود، من خلال تأشيرة موحدة على الرغم من اختلاف اللغة والدين، وقد مهد ذلك لاتفاقية شنجن التي تمنح لحاملها حق التنقل والإقامة والبحث عن عمل فى دول الشنجن المكونة من 26 دولة أوروبية لمدة 90 يوماً، بحد أقصى ستة أشهر، وبذلك استطاعت هذه الدول أن تجذب السياحة من كل بلاد العالم بلا قيود أو حدود، وحصدت أعلى العائدات حتى في الدول التي لا تمتلك المقومات السياحية والتاريخية والأثرية أو الثقافية والدينية، التي تجذب السياح، لذلك خسرت الدول العربية نصيبها من دخل السياحة العالمية بسبب انغلاق الحدود بينها، وتعثر السياحة البينية، والتعقيدات الإدارية، ناهيك عن المشكلات الأخرى المتعلقة بالقصورفي المرافق والخدمات والسلوكيات والتعاملات في الشارع، والفشل الواضح في اساليب الدعاية والترويج والتسويق السياحي، لذلك لم نحقق التكامل العربى السياحى، ولم نعظم المميزات النسبية السياحية لكل دولة أو لكل مجموعة متجاورة، عبراستراتيجية عربية شاملة للسياحة، تنظر إلى أبعد من مواقع أقدامها، حتى تستشرف متطلبات المستقبل، ولا سيما بعد تفاقم الصعوبات الاقتصادية مع انخفاض مساهمة السياحة في الناتج المحلي الإجمالي لأغلب الدول بسبب تداعيات جائحة كورونا، وللخروج من هذا المأزق أو هذه الحالة المستعصية، نتمنى وجود اتفاقية شنجن عربية حتى نعلن رسميا إلغاء» اتفاقية سايكس - بيكو» بعد 106 أعوام، ونعيد اللُحمة العربية، لتشجيع السياحة التي تعد من المصادر الرئيسية للدخل والعملة الأجنبية في اقتصاد بعض دول المنطقة، بعد أن حذرت منظمة السياحة العالمية، من أن البيئة الاقتصادية العالمية الصعبة المقترنة بالأزمة الروسية - الأوكرانية تشكل خطراعلى التعافي المنشود وعلى تدفق الاستثمارات السياحة الدولية، لذلك علينا أن نراجع مواقفنا وأفكارنا ونتدارك ذلك للاستفادة من الأحداث والفعاليات العالمية - ونستثمر بسرعة - استضافة دولة قطر لمباريات كأس العالم لكرة القدم - والتي قد لا تتكر بسهولة في المنطقة لعدة عقود مقبلة- والسماح بتأشيرات مجانية ومفتوحة لثلاثة أشهر قابلة للتمديد لمشجعي كرة القدم من مختلف دول العالم الذين يشاهدون المودنديال، ليتمتعوا أيضا بالسياحة في كل البلاد العربية، وفق برنامج مصاحب للمباريات، يشجع المشجعين في التغلب على الشتاء البارد الذي ستعاني منه أوروبا نتيجة لنقص الغاز والطاقة، وأن تنشط البعثات الدبلوماسية في الترويج لذلك باعتبارها الأسرع والأقدر والأكثر جاهزية بتواجدها في معظم دول العالم، لعل ذلك يشجع الدول على إقرار»اتفاقية شنجن عربية « وأن نتخذ من سلطنة عُمان أنموذجا وقدوة، لأنها سبقت الجميع في ذلك، حيث قدمت شرطة عُمان السلطانية مجموعة واسعة من التسهيلات والخيارات المُتاحة لمشجعي كأس العالم 2022 في دولة قطر، والذين سيدخلون سلطنة عُمان للإقامة أو الزيارة خلال فعاليات ومناشط البطولة العالمية المقرر لها في الفترة من 20 نوفمبر وحتى 18 ديسمبر المقبلين بالإضافة إلى اصطحاب العائلة من الدرجة الأولى للاستمتاع بالإقامة في سلطنة عُمان، من خلال تأشيرة مجانية متعددة الرحلات ورحلات طيران مكثفة وبأسعار مخفضة بين مسقط والعاصمة القطرية الدوحة وبالتنسيق مع أكثر من 52 شركة طيران عالمية.