ركائز الاستثمار ... والتقدم الاقتصادي

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٨/أغسطس/٢٠٢٢ ٠٩:٠١ ص
ركائز الاستثمار ... والتقدم الاقتصادي

بقلم: محمد محمود عثمان

لازلنا لم نكتشف بعد سرالأسرار في النقطة التي تقع فوق حرف الـ»ع»التي تُفرق بين لفظي «العرب «و»الغرب «وكيف تقود هذه النقطة إلى التقدم أو العكس في شتى القطاعات الاستثمارية بمكوناتها الصناعية والزراعية والتجارية والسياحية والتشريعية والإدارية وأسواق العمل وكلها تمثل عناصر الاقتصادات الناجحة ، الذي تفوقت بها أورووبا ، ولاشك أنها ترسم بصورة جلية منحنى التباينات بين الفكرين العربي والغربي ، على الرغم من أنها مجرد نقطة فوق حرف العين ، ولكن لهذه النقطة أسرار وتأثيرات بالغة نشهدها - ونعايشها - ونتعايش معها سواء أكنا في مقدمة المشهد أم في آخره ،ويبدوا أن السباق الحضاري لا زال في صالح أهل المقدمة وإن حاولنا اللحاق بهم ،إلا أننا نتمسك بمقاعدنا في آخر الصف ، ونكتفي بالتمتع بما يأتينا منهم من تقدم وتكنولوجيا وعلوم وأفكار، وكأننا مرهونون بأبدية فكر التخلف،على الرغم ما نملكه من قدرات بشرية وثروات اقتصادية هائلة وهبتها لنا السماء بدون جهد بشري ، ويتهافت عليها الغرب ، بعد أن عجزنا عن توظيفها بشكل علمي ، في جعلها قاعدة ننطلق منها لتحقيق طموحاتنا وخططنا ، وأن نستفيد من تجارب الغرب في بناء خطوات جذب الاستثمار الأجنبي والمحافظة على الاستثمارات المحلية ،التي تسهم في دفع النمووالتقدم الاقتصادي،الذي اعتمد في البداية على بناء واستقرار أسواق العمل لتكون ركيزة ثابتة وأساسية للتقدم في شتى القطاعات الاقتصادية التي تتسم بالديناميكية والتغيربطبيعتها ،واعتناق فلسفة أن أسواق العمل المستقرة هى أداة التغيير ومعاول التقدم ، التي تدعم المستثمر الوطني أولا ،بما يعطي الثقة التي تغري المستثمرين الأجانب وتجذبهم للدخول في السوق بقوة وأمان ،حتى في ظل الأزمات الاقتصادية والكوارث الطبيعية،لأن أسواق العمل المتكالمة هى التي تتمكن من استقطاب الأيد العاملة من أصحاب المهارات والخبرات من كل الأطياف وتجنيسهم ،لرفد أسواق العمل بالكوادر المهنية المتخصصة ، من خلال منظومة تشريعيات متكاملة تحفظ حقوقهم بشكل واضح وصريح ،وهى التي نفتقدها بشدة في الأسواق العربية - التي تتمسك بنظام الكفيل ومساوئه والذي تنتقده المنظمات العالمية - إذا أردنا الولوج إلى عتبات التقدم الاقتصادي، وهذه هى التحديات التي نبحث لها عن حل ، من خلال تطوير مفاهيم وآليات الرعاية العمالية التي يجب ألا تقتصر على الاهتمام بإجراءات الأمن والسلامة والأمور الشكلية ، بل تمتد إلى أبعد من ذلك ، لتواجه موجات فصل وتسريح العمال التي صاحبت أزمة كورونا وتداعياتها المتجددة والمستمرة إلى الآن ،ومنها وجود أعداد كبيرة من المسرحين والمفصولين من العمل وأسرهم يعانون من انعدام الدخل أو مصدرالرزق ، -ويمثلون قنابل موقوته تهدد أمن وسلامة المجتمع - ولديهم منازعات ودعاوى قضائية تستغرق أوقاتا طويلة للفصل فيها- ونعلم أن العدل البطيء نوع من الظلم - لأن المحاكم متخمة بالقضايا العمالية ، التي يتسبب تأخير الفصل فيها إلى زيادة معدلات الجرائم والسرقات والمتاجرة في البشروفي المحرمات والقضايا المخلة بالآداب ، بالإضافة إلى حاجة هؤلاء إلى فرصة عمل أخرى، وهى نادرة إذا لم تكن معدومة ، في ظل الدور الغائب لاتحادات ونقابات العمال العربية في رعاية مصالح العمال والدفاع عن حقوقهم ، لأن الرعاية العمالية في معظم بلادنا العربية لاتزال دون المستوى ، وتحتاج إلى صياغات وتحديثات لتنقية التشريعات الخاصة بإقامة وتشغيل الأجانب ، لتتواكب مع المستجدات العالمية ، التي تعد من معايير التقدم والرقي والحضارة، التي نفتقدها كثيرا ونحتاجها بالتأكيد ، باعتبار أن أسواق العمل المتطورة تمثل البنية التحتية والركيزة الرئيسية للاستثمار وتنمية القطاع الخاص ، والحصول على مراكز متقدمة في تقارير التنافسية الدولية ، التي نهملها كثيرا ، لذلك أصبحت الرعاية العمالية من الحقوق الأصيلة في مجال حقوق العمال وجزءا لا يتجزأ من الاتفاقيات الدولية ، وفي وثائق حقوق الإنسان ، وهذا هو التحدي الحقيقي والمعادلة الصعبة أمام بعض الدول العربية - إن لم يكن جميعها - التي تغفل ذلك عمدا أو سهوا ولم تحاول ولو على استحياء تحقيق التقارب والتوافق بين قوانين العمل المحلية وقوانين واتفاقيات منظمة العمل الدولية ، لتتسق مع مبادئ التكافل الاجتماعي التي تنبثق في الأصل من مبادئ الشريعة الإسلامية ،والتي تطبق للأسف في الدول الأوروبية بنجاح ، التي تضمن للعمال وأسرهم الحد الأدنى للنفقات مع تقديم خدمات تكافلية مباشرة عند الفصل من العمل تعسفيا ،أو بدون سبب قانوني ، حيث تفرض الحكومات على الجهة التي تفصل العامل غرامات مالية تعادل ما تقدمه للعامل من خدمات أولها: أن تصرف الحكومة فورا للعامل الذي يقل عمره عن 50 عاما 18 شهرا من آخر أجر حصل عليه ، و24 شهرا لمن تخطى الخمسين عاما ، وبعد هذه الفترة تصرف له إعانة 600 يورو شهريا حتى يحصل على عمل جديد أو يرفض الوظيفة التي تقدمها له الدولة، وهذا يخفف العبء عن كاهل القضاء، ويعفي الحكومات من مسؤولية الرعاية، في حين تتولى مكاتب المحامين الخاصة بالعمال متابعة القضايا العمالية مجانا، لمتابعة استحقاقات التعويض إذا وجدت، وهذه الممارسات للأنظمة الغربية هى تطبيق عملي للمفاهيم الإسلامية للتكافل، وتعتبرها أساسا لاستقرارونضوج أسواق العمل ،التي لا تنجح أو تتقدم بدونها الاقتصاديات، باعتبارها أهم ركائز الصناعة والتصدير والاستثمار والإنتاج، في الدول المتقدمة .