بقلم : محمد محمود عثمان
لقد وصلنا إلى مرحلة من التعافي الصحي من أزمة كورونا ، بعد أن بدات الحياة إلى مسيرتها الطبيعية ، وتغافل التعاملات الرسمية الحكومية لعدة حقائق أهمها امتداد آثار تلك الأزمة ، ولم ندرك حقيقة أن الأزمة الاقتصادية سوف تمتد إلى عدة سنوات قادمة ولن تنتهى بدون آثار سلبية على مختلف الأنشطة الاقتصادية ، ومن ثم نحتاج إلى تشريعات ومعالجات غير تقليدية تتسم بالسرعة وبعد النظر ،وقد أشرت إلى هذه المخاوف لأن مخاطرها ستظل قائمة إلى حين ، في مقال سابق في شهر سبتمبر 2021 وقلت «.. إن المعاناة الاقتصادية ممتدة لعدة سنوات قبلنا أم أبينا، وليس هناك شك في ذلك ، وأصبحت مسؤولية الحكومات هى الإسراع في الخروج من حالة التراجع .لأن التحدي الأكبر أمامها ليس في عملية التعافي الصحي وهى حتمية ،بل في كيفية الوصول إلى مرحلة ما بعد هذا التعافي وهى الأهم ، وأمامها الكثير من القضايا الشائكة التي لا تملك مفاتيح حلها في ظل جمود التعيينات في القطاع العام ومؤسساته وأيضا في القطاع الخاص والعجزالتام عن تقديم فرص عمل جديدة فعلية أو تقديم حوافز مادية كافية ، ومن ثم تولدت إشكاليات كثيرة أمام شركات ومؤسسات القطاع الخاص ومنها شركات المقاولات والإنشاءات التي تصرخ وتعاني أشد المعاناة ، بعد تعثرها أو إفلاسها ، وعدم القدرة على الوفاء بالتزاماتها التعاقدية والغرامات التي توقع عليها ، وعجزها عن الوفاء بالقروض والفوائد المتراكمة ،وتعنت البنوك في مراعاة الظروف القاهرة التي أدت إلى ذلك ، وهذا يؤدي إلى تدميرالاقتصاديات الضعيفة وحتى المتوسطة ، حيث وجدت شركات الإنشاءات أنها أمام العديد من المعوقات التي لم يتم معالجتها حتى الآن ، ومنها الخسائر في فترة الإغلاقات التي تمت اثناء الجائحة ، بعد إغلاق المطارات والحدود وفقد الكثير من الخبرات والأيد العاملة المدربة ، وعدم توفر بعض مواد البناء المستوردة وقطع الغيار وزيادة أسعارها ،مع ارتفاع أسعار النقل والتأمين، الذي أدى إلى التأخير في إنجاز المشاريع في الوقت المحدد وتكلفة ذلك على الشركات ، بسبب تأجيل سداد الإلتزامات ،مع ارتفاع قيمة الرسوم البنكية ارتفاع حجم الفوائد المتأخرة، وزيادة فاتورة التأمينات الاجتماعية، بالإضافة إلى التصنيف الإعصاري لبعض المناطق في ظل المتغيرات المناخية المتكررة ،ما أدى إلى عدم موافقة شركات التأمين على المشاريع أو زيادة تكلفة التأمين إلى مبالغ باهظة ومُبالغ فيها ، وكذلك التصنيف الائتماني الذي يُعد من أكبر التحديات ، كون أن الشركات لا تستطيع الوفاء بالتزاماتها تجاه الدائنين ،بسبب حجز البنوك على جميع التدفقات النقدية ، مع شراء المواد نقدا لصعوبة الشراء الآجل، الأمر الذي أضعف الثقة المتبادلة بين السوق والشركات ، وهى صعوبات في طريق العودة للتعافي الاقتصادي ، وتمثل تحديات إذا تغافلنا عنها - حتى ولو من غير قصد - تجعلنا نترك السفينة تغرق ونحن نغرق معها ، إذا فشلنا في تعويمها في الوقت المناسب قبل أن تهوي إلى الأعماق ، وتجُر معها الكيانات الاقتصادية الهشة أو الضعيفة ، لذلك علينا الانطلاق بالاقتصاد بقوة للتحول من زمن الجائحة والخروج الآمن من الأزمة الاقتصادية وصولا إلى التعافي ، بمعالجة هذه التداعيات ومواجهتها ، ولن يتحقق ذلك إلابعد حصرالشركات المتعثرة والتصدي للمشاكل التي تعاني منها ،وهى مسؤولية مشتركة بين وزارات التجارة والصناعة والعدل والشؤون القانونية ومؤسسة القضاء وهيئات الاستثمار وغرف التجارة والصناعة والبنوك المركزية ، في أن تُحدد الأسس التي تضع هذه الشركات على الطريق الصحيح ، للعودة والعمل والإنتاج وإعطائها الفرصة لتصحيح أوضاعها وجدولة الديون التي كبلتها ، بعد أن تعرض أصحابها لعقوبة السجن ، وهذا عائق أكثر صعوبة أمام التعافي المنشود بل طارد للاستثمار ومنفر للمستثمرين ، لأن العقوبات المقيدة للحرية ، لا تمكن الشركات من سداد ما عليها من ديون ، وهذا يضر أيضا بالدائنين فضلا عن توقف عجلة الإنتاج والآثار السلبية التي تنعكس على المجتمع ككل ،نتيجة تفاقم الفجوة بين ما نتمناه للخروج من الركود أو الكساد وبين الواقع ، وأن نقدم المحفزات للمشروعات والاستثمارات والصناعات التي توفرفرص العمل الجديدة والتي ترفع من حجم الصادرات وموارد الدخل الفردي والقومي ، باعتبار أن الاقتصادات الناجحة والقوية هى التي تحقق التعافي الفعلي أسرع من غيرها ، وألآ تترك القطاع الخاص في حالته المأساوية،وأن نستفيد من تجارب الدول الأوروبية التي تعاقب التجار والمستثمرين ورجال الأعمال المتعثرين بالمنع من السفر أو تحديد إقامتهم ومنع تحويل الأموال للخارج مع السماح بإدارة أعمالهم للوفاء بالتزماتهم الضريبية للحكومة والمحافظة في الوقت ذاته على مستحقات الآخرين ، بدلا من الحجز على ممتلكاتهم وتصفيتها ،لأن تقييد حريتهم في السجون يضر بالأسر والمجتمع وبالدائنين وبالاقتصاد الكلي ولا يحقق التعافي الاقتصادي المنشود ،وعلى المشرع علاج ذلك بتشريعات استثنائية تتعلق بالمتضررين من آثار الكوارث الطبيعية والصحية والحروب ، حتى يتم تعديل التشريعات لمجابهة تحديات القوة القاهرة والكوارث الطبيعية والجوائح الصحية بفكر اقتصادي متطور، لتصحيح مسار الاقتصاد وحمايته بإلغاء عقوية السجن في قضايا الديون في المعاملات التجارية والاقتصادية ، مع إلزام المدين- في كل الأحوال - بسداد حقوق جميع الدائنين من البنوك وشركات التمويل والتأمين والأفراد أسوة بما يحدث في الدول الأوروبية.